جماعة “لهافا اليهودية” انعكاس لتصاعد العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني
تاريخ النشر: 04/05/21 | 0:44* المحامي علي ابوهلال
تكشف الوقائع كل يوم تصاعد العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، التي تجد الدعم والاسناد من دولة الاحتلال وسياستها، باعتبارها الحاضنة الخصبة، لنمو وتطور المنظمات والجماعات اليهودية الإرهابية المعادية للشعب الفلسطيني، ولكل ما هو غير يهودي، وهذا هو حال جماعة لهافا الإسرائيلية المتطرفة التي تطلق شعار” الموت للعرب”.
تطالب هذه الجماعة العنصرية بطردُ الفلسطينيين إلى الدول العربية وضمّ الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، وتدعو إلى حظر عيد الميلاد المسيحي، وحث عارضة أزياء يهودية إسرائيلية على عدم الزواج من الممثل الكاثوليكي ليوناردو دي كابريو، وقد احتشد أتباعها مؤخرا في القدس المحتلة وهم يهتفون “الموت للعرب”.
تأسست هذه الجماعة اليهودية المتطرفة عام 2005 من قِبل أتباع عضو الكنيست السابق ومؤسس حزب “كاخ” المتطرف الحاخام مئير كاهانا. و”لهافا” -التي تعني بالعبرية “اللهب”- هي اختصار لـ”الوقاية من الانصهار في الأراضي المقدسة”، وكما يوضح الاسم الكامل للمجموعة فإن الهدف الأساسي لها هو منع الانصهار اليهودي واختلاط الجينات، أي الزيجات أو العلاقات بين اليهود وغير اليهود، سواء كانوا فلسطينيين أو مسلمين أو مسيحيين أو غيرهم.
يعتبر مؤسس هذه المجموعة بنتزي جوبشتاين البالغ من العمر 51 عاما -جزء من حركة دينية متطرفة متنامية تشكل الكتلة السياسية للصهيونية الدينية، التي دخلت الكنيست منتصرة بعد الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار الماضي. ومع فوز الصهيونية الدينية بـ6 مقاعد خضعت “لهافا” لمزيد من التدقيق بسبب نفوذها المتزايد في إسرائيل.
وتأتي أفكار ومعتقدات هذه الجماعة مباشرة من أيديولوجية كاهانا الذي ولد لعائلة يهودية أرثوذكسية في نيويورك عام 1932، وكان يؤمن بدولة يهودية متجانسة تُدار وفقا للتوراة. ويعتقد أتباعه أن الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 والمنحدرات الشرقية للأردن هي جزء من مملكتي يهودا والسامرة التوراتيتين. ويذكر أن كاهانا كان يؤمن أيضا بالفكرة الصهيونية لإسرائيل الكبرى، معتبرا شبه جزيرة سيناء ولبنان وسوريا والأراضي الممتدة حتى نهر الفرات في العراق “وطنا للشعب اليهودي”.
أغتيل كاهانا عام 1990 في نيويورك- وقد ألهم بأفكاره وارثه الإرهابي والعنصري العديد من أتباعه منذ ذلك الحين، وعلى رأسهم باروخ غولدشتاين الأميركي المولد الذي اقتحم المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل عام 1994 وقتل 29 من الفلسطينيين في صلاة الفجر خلال شهر رمضان قبل أن يُقتل على الفور، ما جعل كاهانا وغولدشتاين من الشخصيات المثالية بين المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين.
تشكلت جماعة لهافا بعد وفاة كاهانا بـ 15 عاما، ولا تزال تسير على خطاه ببرنامجها الصريح المناهض للزواج المختلط، سواء من خلال المنشورات أو الاحتجاجات أو أعمال العنف ضد الفلسطينيين في العلاقات مع الإسرائيليين اليهود. ومن أكثر الإجراءات الملفتة للانتباه في هذا الشأن، احتجاج الجماعة على زواج محمود منصور -المواطن الفلسطيني من داخل الخط الأخضر من يافا- وموريل مالكا التي أسلمت، وأصبحت هذه القضية مثار اهتمام في إسرائيل عام 2014.
تأثير هذه الجماعة وغيرها من الجماعات اليمنية العنصرية، أصبح واضحا في السياسة الرسمية التي تنتهجها حكومة الاحتلال، تجاه العرب بشكل عام، وتجاه الشعب الفلسطينية وحقوقه الوطنية المشروعة، وهذا ما عبر عنه تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أكبر المنظمات الحقوقية في العالم، بعد أن اتهمت إسرائيل ، “القوة القائمة بالاحتلال” بممارسة نظام الفصل العنصري، وممارسة الاضطهاد القومي بحق الفلسطينيين.
وجاء في التقرير “ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، تشمل هذه الانتهاكات مصادرة الأراضي على نطاق واسع، والحرمان من حقوق الإقامة، وتعليق الحقوق المدنية ترقى إلى مستوى الأفعال اللاإنسانية، والانتهاكات الخطيرة للحقوق الأساسية للفلسطينيين”.
وأشار التقرير إلى تعريف الفصل العنصري في (اتفاقية الفصل العنصري) لعام 1973 والاضطهاد بموجب (نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998 وقال “استنادا إلى هذه التعريفات وأبحاث هيومن رايتس ووتش، وجدنا أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد المرتكبتين ضد الإنسانية”.
وحسب التقرير ارتكبت سلطات الاحتلال مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين، فيما تشكل العديد من الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة، خرقا جسيما للحقوق الأساسية وأعمالا لاإنسانية هي شرط لتحقُق الفصل العنصري. وتشمل هذه الانتهاكات: القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح، ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية، والظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم، وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة، وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين. كما تؤكد المنظمة الدولية أن العديد من الانتهاكات التي تشكل جوهر ارتكاب هذه الجرائم، مثل الرفض شبه القاطع لمنح الفلسطينيين تصاريح بناء وهدم آلاف المنازل بحجة غياب التصاريح، لا تستند إلى أي مبرر أمني.
ويشدد التقرير الدولي أنه على حكومة الاحتلال إنهاء جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازا لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك حرية التنقل، وتخصيص الأراضي والموارد، والحصول على المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات، ومنح تصاريح البناء.
كما يؤكد أنه على مكتب الادعاء في “المحكمة الجنائية الدولية” التحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في الجريمتَين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ومقاضاتهم.
ويشدد أيضا أنه على الدول الأخرى أن تفعل ذلك أيضا وفقا لقوانينها المحلية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأن تفرض عقوبات فردية على المسؤولين عن هاتين الجريمتين، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.
ومن هنا يتضح أن سياسة التمييز العنصرية، وممارسة الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد القومي التي تنتهجها حكومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، أصبحت سياسة رسمية، وتجد المنظمات والجماعات اليهودية المتطرفة بما فيها جماعة لهافا الإسرائيلية المتطرفة، في هذه السياسة حاضنة لأفكارها، وداعما لسياستها وممارساتها الإرهابية، ما يقتضي من المجتمع الدولي العمل من أجل وضع حد لهذه السياسية الإرهابية العنصرية، التي تمارس بشكل واضح من قبل حكومة الاحتلال، ومن كافة المنظمات والمجموعات الإرهابية العنصرية اليهودية المتطرفة مجتمعة.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.