الشيخ جراح : القضية وجذورها التاريخية وأبعادها القانونية
تاريخ النشر: 14/05/21 | 10:10التفاصيل الكاملة حول الحي المقدسي العربي الفلسطيني الشيخ جراح كما نشره،مشكوراً ، البروفيسور مصطفى كبها .
– في الحديث في غمار القضية علينا التفريق بين بيوت الشيخ جراح المغتصبة وبين البيوت حول مزار “شمعون الصديق ” من حيث الأبعاد القضائية والتسلسل التاريخي للأحداث
– معالجة القيّم الإسرائيلي على أملاك الغائبين للقضية تتميز بازدواجية المعايير وعدم الانصاف التاريخي والقانوني .
– محامو أصحاب المنازل العرب يدعون بأن لديهم بينات جديدة يمكنها أن تقلب تطور القضية رأسا على عقب في المداولات القانونية القادمة .
الشيخ جراح هو حي من أحياء القدس العربية ، وهو أحد الأحياء العربية التي أقيمت خارج أسوار البلدة القديمة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في الشمال الغربي من البلدة القديمة وفي الطرف الجنوبي الغربي لجبل المشارف .
أقيم الحي حول مقام الشيخ شرف الدين عيسى الجراح وهو طبيب كان من المقربين للسلطان صلاح الدين الأيوبي وتولى علاجه في السنوات الأخيرة من حياته . كافأه صلاح الدين الأيوبي بإقامة زاوية صوفية أوقفها على اسمه وقد توفي ودفن فيها عام 1201 للميلاد . منذ إقامته أعتبر الحي أحد أفخم أحياء القدس خارج الأسوار حيث أقيمت فيه القصور الفاخرة كقصر أديب العربية إسعاف النشاشيبي كما وكان فيه أحد بيوت المفتي الحاج محمد أمين الحسيني . هذا فضلا عن بيوت ومقرات قناصل وبعثات الدول الأجنبية لدى الدولة العثمانية كالأميركان كولوني الواقعة في طرفه الجنوبي وبيوت قناصل الفاتيكان وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والسويد .
في أطراف الشيخ جراح اقامت مجموعة يهودية عام 1890 على قطعة أرض صغيرة (تدعي المؤسسات اليهودية انها اشترتها عام 1875 ، في حين يدعي محامو العائلات العربية المهددة بالطرد هذه الأيام بأن لديهم ما يثبت عكس ذلك ) مزارا دينيا على اسم رابي يدعى شمعون الصدّيق وحوله بعض البيوت التي عرفت معا باسم ” حارة شمعون الصديق ” . في ثورة 1936 -1939 ، اضطر سكان منطقة المزار إلى تركها حتى هدأت الأحوال ثم عادوا بعد الثورة وقد ربطتهم بأهالي حي الشيخ جراح علاقات حسن جوار كما تفيد معظم المصادر من الطرفين .
في نهاية كانون الأول 1947 هوجمت قافلة يهودية كانت في طريقها إلى مباني الجامعة العبرية على جبل المشارف ، الشيء الذي قاد لسلسلة من الأعمال الانتقامية قامت بها منظمة ” الهاغاناة ” تضمنت حرق البيوت ومهاجمة سكانها الآمنين . الشيء الذي جر ردود فعل من مقاتلي جيش الجهاد المقدس الذي قاده في حينه الشهيد عبد القادر الحسيني وقد كانت أشدها عملية قادها بهجت أبو غربية جرت بأعقاب استشهاد عبد القادر الحسيني في الثامن من نيسان 1948 ومذبحة دير ياسين غداة ذلك يوم التاسع من نيسان ذاته .
جاءت العملية يوم الثالث عشر من نيسان 1948 ، على شكل كمين نصب لقافلة يهودية كبيرة كان معظمهم من العاملين في مستشفى هداسا (الذي كان في حينه على جبل المشارف) وقد تسببت العملية بمقتل 78 من السائرين في القافلة وحراسها . ردت القوات اليهودية على ذلك بهجوم شامل في الخامس والعشرين من نيسان شاركت فيه قوات البالماح التي اعتبرت في حينه قوات النخبة في الهاغاناة ، وقد نجحت هذه القوات بدخول الحي ونزوح أهله ولكنهم عادوا وأخلوه تحت ضغط ردود الفعل العسكرية العربية وضغوط من بريطانيا . في الرابع عشر من أيار 1948 ، عاودت قوات من منظمتي الهاغاناة والإيتسيل احتلال الحي ولكن لأيام قليلة حيث نجح الجيش الأردني باستعادته بعد معارك دامية في التاسع عشر من أيار ذاته بشكل مكّن سكان الحي من العودة إليه مجدداً . وقد بقي الحي تحت السيطرة الأردنية حتى حرب حزيران 1967 . في هذه الفترة وضع المزار اليهودي وبعض البيوت حوله تحت وصاية جسم سماه الأردنيون ” القيم على أملاك العدو ” الذي قام بدوره بتأجير بعض هذه البيوت لعائلات فلسطينية نازحة من قرى جرى احتلالها وتهجيرها . علما بان المستأجرين كانوا محميين بقانون حماية المستأجر وهو واقع لم تستسيغه السلطات الإسرائيلية وحاولت بشكل تدريجي تغييره على الأرض محاولة دائما إخراج تلك العائلات من هناك . وقد خاضت العائلات من يومها نضالا قضائيا وذلك على إثر قيام ” القيم على أملاك الغائبين الإسرائيلي ” بمصادرة المساحة والتي بني عليها 17 منزلا وإعادتها لملكية مؤسستين يهوديتين بحجة أن الأردنيين لما يصادروها بل اكتفوا بتنصيب ” قيّم ” عليها . في هذه المرحلة تم الإبقاء على اتفاقية التأجير والاعتراف بحقوق المستأجرين الذين يحميهم قانون حماية المستأجر . الملفت للنظر هنا ان هذا الجسم نفسه هو ذات الجسيم الذي يدير أملاك الفلسطينيين المتضررين من النكبة والذين اضطروا بسببها ترك بيوتهم وقراهم وأراضيهم وقد أحل للمؤسستين اليهوديتين ما يمنعه منذ 73 عاما عن نحو 9 مليون لاجئ فلسطيني محاربا حق العودة وضاربا بعرض الحائط كل ملاحظة حول ” ازدواجية صارخة في المعايير !!
عام 1993 قدمت المؤسستان اليهوديتان طلبا للمحكمة بإخلاء العائلات الفلسطينية مدعيتين بأن هذه العائلات فقدت حماية قانون ” حماية المستأجر” لأنها لم تدفع رسوم التأجير .
عام 2001 ، سيطر مستوطنون يهود وبدون أي أساس قانوي على بيت عائلة الكرد الذي كان قد ختم بابه بالشمع الأحمر عام 1999 ، هذا مع العلم ان العائلة فقدت بيتها في حي الطالبية عام 1948 وتسكنه الآن عائلة يهودية ( في هذه الحالة لم يتصرف القيم كما تصرف في الشيخ جراح ) وفي عام 1956 قامت بشراء بيتها في الشيخ جراح من الحكومة الأردنية ، في العام 2009 سيطر مستوطنون آخرون على بيوت عائلة الكرد وحنون والراوي وشماسنة . جرت هذه الخطوات نقدا دوليا لاذعا ضد السياسة الإسرائيلية في الشيخ جراح وقد كانت قمتها بمظاهرة آلاف جرت عام 2010 وكان من بينهم رئيس الولايات المتحدة الأسبق جيمي كارتر ومن ذلك التاريخ أضحت هذه البيوت موضوعا لمظاهرات واحتجاجات أسبوعية وصلت قمتها في الأيام الأخيرة الماضية وذلك للمحاولات الإسرائيلية بإخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من بيوتها .