النمسا بين الماضي المتضامن والحاضر المتواطيْ – أحمد حازم
تاريخ النشر: 20/05/21 | 14:51الدول الأوروبية الغربية تشهد بشكل عام مظاهرات كبيرة ضد المجازر وعمليات القصف الصاروخي على الأحياء المدنية في غزة، وقتل السكان نساءً وأطفالاً، كبيراً وصغيراً. هذا العدوان لا زالت إسرائيل تواصله على قطاع غزة لليوم الحادي عشر على التوالي دون توقف، مستهدفةً المنازل والمنشآت المدنية، حيث قتلت لغاية اليوم أكثر من مائتي فلسطيني وخلفت آلاف الجرحى.
ولو أن المستشار الأسبق للنمسا الراحل برونو كرايسكي يستفيق من قبره ويرى ما تفعله الحكومة النمساوية الحالية تجاه الفلسطينيين، لصفع رئيسها بالحذاء على وجهه واعتذر من الفلسطينيين الذين كانت تربطه بقائدهم الراحل ياسر عرفات علاقات ود واحترام لهم. وأتذكر أني شاركت في مؤتمر صحفي عقده المستشار كرايسكي في بداية الثمانينات، حيث سأله صحفي ألماني عما إذا كانت هناك خطورة على إسرائيل إذا أقيمت دولة فلسطينية بجانبها. فأجابه كرايسكي بكل هدوء وذكاء: وهل تشكل دولة ألمانيا الشرقية خطراً على جارتها ألمانيا الغربية؟ انطلق من هذا المشهد”.
ما جرى في العاصمة النمساوية فينا، يعتبر أكثر من مظاهرة احتجاج ضد المجازر. فقد جرت مظاهرة أمام مبنى رئاسة الوزراء، احتجاجا على رفع العلم الإسرائيلي فوق المباني الحكومية. تصوروا هذا النفاق والتدليس من الحكومة النمساوية. فهي لم تكتف بتأييد إسرائيل كلاماً بل أمر مستشارها اليميني سايستيان كروز برفع العلم الإسرائيلي على المباني الحكومية تعبيراً منه لأمرين: كرهه للعرب عامة والفلسطينيين خاصة، وتملقاً منه بالمحبة المفرطة لبني صهيون. وإذا كانت الحكومة النمساوية قد أمرت برفع العلم الإسرائيلي على المباني الرسمية التابعة للدولة، فإن المتظاهرون رفعوا الأعلام الفلسطينية بشوارع فيينا رغم أنف الحكومة.
تصرف المستشار النمساوي برفع العلم الإسرائيلي هو بلا شك مخالف للدستور النمساوي الذي ينص بشكل واضح على عدم اتخاذ موقف بجانب المعتدين، لكن حكومة النمسا فعلت ذلك. وكانت الحكومة النمساوية قد ألغت الأسبوع الماضي أربع مظاهرات كان من المخطط تنظيمها للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
النمسا، دولة تم احتلالها من النازية ألألمانية في الثلاثينيات من القرن الماضي واحتلالها ثانية اثر هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية من قبل الحلفاء الأربعة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. واستطاعت النمسا بناء نفسها كدولة حيادية جمعت فيها مقرات للمنظمات الدولية والمكتب الإقليمي للأمم المتحدة في عهد الرئيس النمساوي كورت فالدهايم، الذي أصبح فيما بعد السكرتير العام للأمم المتحدة.
الذي يميز النمسا عن باقي الدول الأوروبية، أنها أول دولة أوروبية اعترفت بالحق الفلسطيني وحق تقرير مصيره، وذلك بمبادرة من المستشار الراحل برونو كرايسكي الذي فتح اول تمثيل فلسطيني رسمي في اوروبا الغربية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
النمسا الأمس غير النمسا اليوم. والنمسا في عهد المستشار الإشتراكي كرايسكي تختلف اختلافاً كلياً عن النمسا في عهد المستشار اليميني سايستيان كروز. المستشار الأسبق برونو كرايسكي حث أوروبا على ضرورة القيام باتصالات مع العالم العربي لتحقيق حل سلمي لقضية الشرق الأوسط، ورفض مفهوم الأمة اليهودية الواحدة، فاليهودية عنده عقيدة وليست انتماء عرقيا، وكان أول زعيم غربي يلتقي الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1979.
لكن ما نعيشه اليوم من سياسة للنمسا على الصعيد الخارجي ولا سيما تجاه الفلسطينيين هي بعكس ما كانت عليه سياسة النمسا في عهد كرايسكي. فبعد أل انتخابات البرلمانية ألأخيرة وصعود اليمين واليمين المتطرف الى سدة الحكم الذي أتى بمستشار اليمين سابستيان كورتز عديم الخبرة السياسية ونائبه هاينز شتراخه من اليمين المتطرف انقلبت معادلة النمسا في الشرق ألأوسط لصالح إسرائيل. حتى أن سياسة النمسا الجديدة ليست فقط ضد الفلسطينيين وإلى جانب إسرائيل وإنما ضد الإسلام بشكل عام.
هذا الأمر دفع الرئيس التركي أردوغان إلى التعبير عن غضيه إزاء سياسة النمسا تجاه الفلسطينيين والإسلام ودعمها لإسرائيل. فقد وجه أردوغان انتقادات حادة للنمسا واصفاً الحكومة النمساوية بــ “اللعينة” على خلفية رفعها للعلم الإسرائيلي على مبانيها في خضم المواجهة العسكرية مع حركة حماس في قطاع غزة.
وقال أردوغان: “ألعن الدولة النمساوية التي تحاول تحميل المسلمين قيمة فواتير اليهود الذين ارتكبت بحقهم إبادات جماعية”. صدقت أيها الرئيس الوفي لفلسطين مثل أسلافك، وأنا أشاركك اللعنة أيضاً ليس على النمسا فقط بل على كل نظام عربي متخاذل وعلى كل سياسي فلسطيني متواطيء مع نتنياهو .