صناعة الحياة (1)

تاريخ النشر: 26/05/21 | 11:07

محمد إبراهيم سواعد- ابن الحميرة
تتعاقب في مجتمعنا العربي والإسلامي المحلي والإقليمي صور متنوعة من “صناعة الموت” والتفنن في تصويره ونقله إلى كل اصقاع الدنيا وكأنه أمر طبيعي في مسيرة حياتنا، فمنذ آواخر القرن الـ 19 ومع بداية حملة الاستعمار في العالم العربي والإسلامي رأينا وقرأنا عن مشاهد يشيب لهولها الولدان من المجازر والفظائع التي جعل منها الاستعمار الغربي مقدمة لحكم البلاد وإذلال العباد، وما مجازر فرنسا في الجزائر والشام عنا ببعيد، ولا ننسى فظائع إيطاليا في ليبيا والحبشة، أو مجازر بريطانيا في فلسطين ومصر والأردن.
ولعل أصعب ما في الأمر أن قادة وزعماء الدول العربية بعيد استقلال بلدانهم ورحيل شبح الاستعمار عنها باتوا يمارسون القمع والإرهاب والقتل على شعوبهم وكأنهم أيقنوا أن عروشهم لا ولن تدوم لهم إلا على جثث شعوبهم أو بقايا الأشباح التي أودعوها السجون والزنازين، وهؤلاء الزعماء هم أسلاف وامتداد ذلك المستعمر الذي رحل عنا جسدا وبقي فينا فكرا وسلوكا.
أما الطامة الكبرى التي تغلغلت فينا نحن العرب والمسلمين ألا وهي محاولتنا في تبرير كل ما يقع علينا من ظلم الأعداء والأقارب وليّ اعناق النصوص الشرعية في محاولة لاستجداء النفوس والأرواح للرضا والقبول بهذا الواقع والاستكانة للعذاب الأليم الذي نعيشه.
إن طريق التحرر والانطلاق في تاريخ الأمم والشعوب يبدأ بتحرر الفكر نحو واقع مشرق للأمة والنهوض بها من براثن الجهل والهوى والتحليق في سماوات الإبداع نحو مستقبل واعد للأمة والمجتمع.
جاء النبي موسى عليه السلام يحمل دعوة الإنقاذ والتحرر لبني إسرائيل من براثن الظلم والعبودية الفرعونية التي مسخت الإنسان وجعلت منه جسدا بلا روح، فكان أول رد عليه من الطغاة والمتكبرين (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)؛ الشعراء، فالطاغية لم يتخيل في كوابيسه أن يأتي من يدعوه إلى تحرير بني إسرائيل من عبوديته ودعوتهم لاستنشاق آفاق الحرية، فراح يعير الداعية إلى الحرية بما كان له عليه من إنعام معروف في جسده وبدنه (ألم نربك فينا وليدا) يعني يا موسى كيف تتجرأ على تغيير معتقداتنا وأفكارنا وكل ما أنت فيه من الخير والعافية إنما هو من خيرنا ونعمة من عندنا، ثم راح يغلق على الداعية آفاق الفكر والتحرر ويعيره بما كان منه من جرائم وقتل شخص في مصر (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) فالطغاة يحتفظون بالتاريخ ليس للعبرة، وإنما ليعملوا من خلاله على قمع كل فكرة أو دعوة للتمرد على واقعهم وسلطانهم، ولكن اللافت للنظر قوة الرد من داعية الحرية موسى عليه السلام عندما قال للطاغية (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ) الشعراء 22؛ فهل يا فرعون تمنّ عليّ بنعمة استعبادك لقومي، حيث أن موسى عليه السلام كان يحمل في قلبه وروحه مشعلا للحرية أنار له الطريق وأذكى في قلبه قوة الإرادة لمواجهة الطغاة وطغيانهم مهما بلغ الثمن، لأنه أدرك سموّ وقداسة الحرية وإشراق الفر لدى الإنسان، بعكس الطغاة الذين يهتمون بجسد الإنسان ويسجنون الأرواح ويحبسون الأفكار.
يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة