بدون مؤاخذة-زيارة بلينكن والرّهان الخاسر
تاريخ النشر: 26/05/21 | 13:42جميل السلحوت:
يلاحظ من زيارة بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكيّة للمنطقة أنّه لم يأت بجديد، فقد كرّر الأسطوانة الأمريكيّة المشروخة بخصوص القضيّة الفلسطينيّة، فلم يذكر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة والذي هو أساس الصّراع، وما يمثّله من خطر على الشّعب الفلسطيني وشعوب المنطقة جميعها، والسّلم العالميّ، بل إنّه بشكل وآخر أكّد على تكريس هذا الاحتلال، فالرّجل يؤكّد كما هي السّياسة الأمريكيّة على حقّ اسرائيل في الدّفاع عن نفسها، والتزام أمريكا بالحفاظ على أمن اسرائيل وعلى تفوّقها، وتقديم المساعدة لإعادة إعمار قطاع غزّة الذي جعلت منه اسرائيل حقل تجارب لأسلحتها الأمريكيّة، وتقديم مساعدات إنسانيّة للفلسطينيّين! وهو يريد تثبيت وقف اطلاق النّار لمدّة طويلة، ولم يكتف بعدم ذكر الاحتلال الذي أهلك البشر والشّجر والحجر، بل إنّه لم يتطرّق مطلقا للمحرقة التي استهدفت الأطفال والنّساء والبنى التّحتيّة في قطاع غزّة، ولم يرفّ له جفن أمام مأساة عائلات فلسطينيّة قصفت بيوتها بطائرات وقنابل وصواريخ أمريكيّة الصّنع وتمّت إبادتها كاملة.
فهل تأتي زيارة رأس الدّبلوماسيّة الأمريكيّة للمنطقة من باب العلاقات العامّة، وفنّ إدارة الصّراع؛ لكسب الوقت وإفساح المجال أمام اسرائيل لاستكمال تنفيذ خططها الإستيطانيّة في تهويد الأراضي العربيّة وجوهرتها القدس الشّريف؟
إنّ الهروب الأمريكي من أسباب الصّراع الأساسيّة يؤكّد من جديد أنّه لا يمكن الوثوق بأمريكا التي يطيب للبعض بوصفها “راعية للمفاوضات”. فأمريكا لم تكن يوما محايدة، بل العكس هو الصّحيح، فهي تصطفّ إلى جانب اسرائيل في عدائها للشّعب الفلسطينيّ وللأمّة العربيّة، ولم تسع يوما لتحقيق السّلام في المنطقة إلا من خلال المنظور الإسرائيليّ القائم على التّوسّع والعدوان. وإذا كانت المعركة الأخيرة على قطاع غزّة، قد قبرت نهائيّا إملاءات نتنياهو على الرّئيس الأمريكيّ السّابق ترامب المعروفة بصفقة القرن، إلا أنّها نجحت في خلق معادلات جديدة فرضت نفسها على ساحة الصّراع، وارتقت بإخراج ملفّات القضيّة الفلسطينيّة من الجوارير المهملة، ووضعتها على قمّة طاولة الدّبلوماسيّة العالميّة، واهتمامات الرّأي العامّ العالميّ الذي انتبه للظّلم اللاحق بالشّعب الفلسطينيّ وللجرائم التي ترتكبها اسرائيل بحقّة، وذلك بسبب ما بثّته الفضائيّات العالميّة عن المحارق والدّمار الذي لحق بقطاع غزّة، وليس بفضل الدّبلوماسيّة العربيّة.
ولوحظ من تصريحات نتنياهو وضيفه بلينكن أنّهما معنيّان بمواصلة تطبيع الأنظمة العربيّة والإسلاميّة لعلاقاتها مع اسرائيل في ظلّ استمرار الاحتلال الفلسطينيّ الذي تمّ تجاهله، ممّا يجعل الحديث عن حلّ الدّولتين أمرا عابرا للضّحك على ذقون الحالمين والمغفّلين.
وإذا كانت أمريكا وربيبتها اسرائيل وكنوزها الإستراتيجيّة في العالم العربيّ تسعى جاهدة للإلتفاف على الواقع الجديد الذي أفرزته معركة الأحد عشر يوما الأخيرة، فإنّ هذا يتطلّب من القيادات الفلسطينيّة أن تستغلّ ذلك لصالح شعبها ووطنها، فتعود لتوحيد الصّفوف، كي تستطيع مواجهة المخاطر القادمة، على أمل أن لا تصير نتائج الحرب الأخيرة فرصة ضائعة كما ضاعت نتائج الإنتفاضة الأولى، عندما تمخّضت عن خطيئة أوسلو!