انتهى القتال وإسرائيل تواصل الحرب على غزة
تاريخ النشر: 27/05/21 | 10:56جمال زحالقة
استغل بنيامين نتنياهو إطلاق عدد من الصواريخ باتجاه القدس لشن عدوان شامل ومبيت على قطاع غزة، أملًا بالحصول على نصر عسكري ومكسب سياسي وغرض شخصي. ويبدو أنه فشل وخسر في المحصلة. ومهما كانت دوافع نتنياهو فإن قيادة الجيش الإسرائيلي كانت مستعدة ومتحمسة لتنفيذ العدوان على غزة، الذي حظي بدعم سياسي كامل وشامل، والانتقاد الوحيد كان ممن يريدون المزيد.
بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، تعالت انتقادات داخلية ضد الحكومة الإسرائيلية، وضد قيادة الجيش بادعاء أن «الجولة القتالية» لم تحقق الأهداف المطلوبة، بل حتى لم تكن لها أهداف واضحة ومحددة. وتكررت في النقاشات الإسرائيلية كلمة «فشل» وغاب عنها تعبير «نصر إسرائيلي». وفي استطلاع للرأي العام نشر قبل أيام تبين أن 28% فقط من الإسرائيليين يعتقدون أن جيشهم انتصر، والغالبية تعتقد أن أحدا لم ينتصر أو أن حماس انتصرت. وتكرر على لسان الإسرائيليين تعبير «الشعور بالحموضة» لأن النتيجة لم تحمل بنظرهم حلاوة النصر ولا مرارة الهزيمة.
لم تتوقع إسرائيل أن تنفذ حماس تهديدها بإطلاق الصواريخ في حال واصلت إسرائيل سياساتها واعتداءاتها في الشيخ جراح، وفي المسجد الأقصى المبارك. وبعد إطلاق الصواريخ نحو القدس، كان بإمكان إسرائيل أن تقوم برد محدود، خاصة أن هذه الصواريخ لم تسبب اضراراً فعلية، لكنها اختارت أن تشن عدوانا شاملا، والدخول في جولة قتالية رابعة ضد قطاع غزة. لم يستغرق قرار العدوان سوى وقت قصير واقتضى بحثا أقصر، حيث كان خياراً جاهزا ومخططاً رهن الإشارة، وقد اقترحته قيادة الجيش حول طاولة المجلس الوزاري المصغر في إبريل الماضي، وجرى رفضه. نتنياهو من جهته استغل فرصة إطلاق الصواريخ للإسراع في الرد الشامل لأنه ينسجم تماما مع رؤيته للصراع، ولاعتقاده بأن بإمكانه وأد الهبة الشعبية، التي بدأت تحاصره دولياً، من خلال توجيه ضربات عسكرية لغزة. لكن الأهم من هذا بالنسبة له، كان استغلال الفرصة لتقويض جهود تشكيل لحكومة بديلة، ولفتح الباب مرة أخرى لإمكانية تشكيل حكومة برئاسته أو الذهاب إلى انتخابات خامسة وهو أقوى. لا يبدو الآن أن نتنياهو قد حقق مآربه، فالحكومة البديلة مازالت مطروحة، وإمكانية تشكيل حكومة برئاسته لم تعد واقعية. أما بالنسبة لانتخابات خامسة، فنتنياهو تراجع في الاستطلاعات، لأن الجمهور الإسرائيلي يعتقد بغالبيته أن حربه على غزة فشلت ولم تحقق أهدافها. وإذا ساد في البداية اعتقاد بأن المواجهة العسكرية ستنقذ حكم نتنياهو، فمن المرجح اليوم أنها قد تدفعه نحو السقوط، وهذا يتعلق بالطبع بعوامل كثيرة أخرى.
الدوائر الأمنية في إسرائيل تبدي إعجابا بقدرة المهندسين الفلسطينيين على تطوير أسلحة، وفق مبدأ «الحاجة أم الاختراع»
لعل السبب في عدم تمكن نتنياهو من إقناع أحد، حتى من حزبه ومن شركاء حزبه، بمشاركته الاحتفال بالنصر المزعوم، هو أن العدوان على غزة لاقى فشلا ذريعا، ومن الصعب تسويقه كانتصار، ولم يحقق في الواقع سوى القتل والدمار. كان هناك تساؤل ما هي اهداف الحملة العسكرية على غزة، واتهم نتنياهو بأنه لا يريد تحديد الأهداف بشكل واضح ورسمي، حتى لا يحاسبه أحد على عدم تحقيقها، ولكن يبدو أن السبب الحقيقي، أنه لا يؤمن بأن بمقدور إسرائيل تحقيق أهداف يمكن التباهي بها. ومع أن الجيش الإسرائيلي لم يعلن مباشرة، أو عن طريق الحكومة أهداف ما سماه «حملة حماة الأسوار» فقد تبرع المراسل العسكري لموقع «واينت» الإسرائيلي بتحديد أهداف العدوان ملمحا إلى أنه يستند لمصادر أمنية رفيعة، وأورد ثلاث غايات: الأولى، توجيه ضربة مدمرة للقدرات القتالية لحماس والجهاد وغيرهما، والثانية توجيه ضربة قاضية لقدرة حماس على إنتاج الأسلحة وعلى التسلح من جديد، والثالثة، ترميم الردع الذي تصدع منذ الحرب على غزة عام 2014.
لم يتبن أحد هذه الأهداف بشكل رسمي، لكنها وردت كتصريحات متناثرة للقيادات السياسية والأمنية الإسرائيلية، ويمكن عمليا الأخذ بها، وإجراء تقييمات على أساسها. في الحرب على الوعي لا يكفي أن نقيّم نحن ما جرى، فهذا مهم بل مهم جدا، لكن لا يقل أهمية عنه هو معرفة التقييم الإسرائيلي على مستوى المجتمع والرأي العام والإعلام والمؤسسة الأمنية والقوى السياسية، فهو الذي يؤثر في السلوك الإسرائيلي في المرحلة المقبلة ويحدد وجهته. لم يدع أحد في إسرائيل أن العدوان حقق أهدافه، واعتبرته الغالبية جولة لا تختلف عن الجولات السابقة، سوى بكثافة النيران، حيث انتهت المعركة والصواريخ تتطاير من غزة ولم تستطع إسرائيل إسكات قدرة حماس والجهاد على الرد، رغم التدمير الفظيع والوحشي من أحدث الطائرات. كما أن من الواضح أن القدرات القتالية للمدافعين عن غزة بقيت فاعلة ولحقها ضرر جزئي يمكن ترميمه، خاصة أن إسرائيل فشلت أيضا في إلحاق الضرر الذي أرادت بصناعة الأسلحة في غزة. ومن اللافت للانتباه أن الدوائر الأمنية في إسرائيل تتحدث عن «الصناعة العسكرية الفلسطينية» وتصفها بالمتطورة والحديثة نسبيا، وتبدي اعجابا بقدرة المهندسين الفلسطينيين على تطوير أسلحة، وإيجاد حلول إبداعية في ظروف شح الموارد والمواد، وفق مبدأ «الحاجة أم الاختراع». أما بالنسبة لترميم الردع الإسرائيلي فهو ليس لم يرمم فحسب، بل تصدع أكثر، بعد المفاجأة الغزاوية بصواريخ بعيدة المدى وبأعداد كبيرة، ما سيجعل إسرائيل تعمل ألف حساب قبل العدوان على غزة لأن معناه، في الأقل، تعطيل الحياة والمرافق في غالبية المناطق داخل اسرائيل. كما جاء إطلاق الصواريخ من لبنان تلميحا وحتى تهديدا باحتمال توسيع رقعة المواجهة مستقبلًا. وتساءل افيغدور ليبرمان، وزير الأمن الإسرائيلي السابق: «ماذا سنفعل في حال مواجهة متعددة الجبهات؟» وكتب أحد الصحافيين: «فقط نحن اعتقدنا أن حماس قد ارتدعت ولن تطلق الصواريخ. لقد تبين أنها تطور قدراتها القتالية من معركة إلى أخرى». وما يزعج القيادة الإسرائيلية أيضا، هو توسيع مفهوم الردع ليشمل القدس، ويقلقها هذا الأمر لأنها لا تريد أن يخرج تأثير حماس ووجودها عن حدود قطاع غزة، لرغبتها في الحفاظ على الانقسام وعلى تجزئة الشعب الفلسطيني، كاستراتيجية مركزية لترسيخ الهيمنة الاستعمارية.
ما سيحدد خطوات إسرائيل المقبلة بالنسبة لغزة والقضية الفلسطينية عمومًا، هو إدراكها وتقييمها للواقع وطبيعة التحديات التي تواجه الدولة العبرية والمجتمع الإسرائيلي. ومن ضمن هذه التحديات:
يسود إجماع في إسرائيل على أن حملة «حماة الأسوار» لم تحقق الأهداف التي تضمن «الأمن والاستقرار» لذا بدأ الحديث عن الجولة المقبلة، وعن طبيعتها وعن المرجو منها. الشعور بالفشل في تحقيق المآرب قد يكون خطيرا جدا، إذا اقتنعت إسرائيل أن بإمكانها التعويض عن عدم النجاح في تحقيق الغايات، بشن عدوان شامل جديد. كما لم تحصل إسرائيل على صورة نصر في نهاية المواجهة، وهي تبحث عنها بشكل محموم، خاصة أن نتنياهو بحاجة لها انتخابيا، وقد يؤدي ذلك إلى محاولة اغتيال قيادات وازنة لحركة حماس.
أعادت الهبة الشعبية الفلسطينية الشاملة والعدوان على غزة، القضية الفلسطينية إلى مركز الأحداث، بعد أن جرى تهميشها لسنوات طويلة، وبعد أن أقنعت إسرائيل دولا كثيرة بأنها لم تعد قضية مهمة. لقد بدأ جهد دولي «واقعي» لا يهدف إلى إيجاد حل، بل إلى إبقاء مشروع حل الدولتين ممكنا. وكتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»: «من الحيوي (الآن) أن يتخذ بايدين خطوات لشحن إمكانية حل الدولتين، ويمنحه على الأقل تعبيرا دبلوماسيًا عينيا على الأرض». وتحاول إسرائيل حاليا عدم مواجهة هذا «الخطر» الدبلوماسي بادعاء أن الطرفين غير جاهزين، فإسرائيل بلا حكومة، والفلسطينيون منقسمون على نفسهم ولا مصداقية لأحد يتحدث باسمهم.
إذا يحتدم نقاش حول فشل أو مدى فشل العدوان العسكري على غزة، فإن هناك إجماع على أن إسرائيل خسرت وحتى هزمت في المعركة الإعلامية وفي الرأي العام العالمي. وأكثر ما يقلق إسرائيل هو تأثير غضب الرأي العام الأوروبي والأمريكي في اتخاذ القرار السياسي، خاصة ان التحركات في الكونغرس ضد سياسة إسرائيل لا يمكن تجاهلها. وتقوم إسرائيل بجهود غير مسبوقة لمحاربة هذه الظاهرة من خلال الترويج لمبدأ، أن انتقاد إسرائيل هو عداء للسامية، ومن خلال تخصيص الموارد وتنظيم العمل لشن حرب مضادة. وتعتقد إسرائيل أن شرعية «حربها» المقبلة تتعلق بكسب الرأي العام لصالحها، وإذا بقت الأوضاع كما هي، فسوف يشكل ذلك عامل ردع في اتخاذ القرار باستعمال القوة.
المرحلة المقبلة في غاية الحساسية، انتهى القتل وإسرائيل تواصل الحرب على غزة لكسب ما فشلت في الوصول إليه بالقوة العسكرية المباشرة. هي تحاول تشديد الخناق والحصار على غزة، وتسعى إلى تغيير قواعد العمل لصالحها وتضع شروطا جديدة للسماح بإعمار ما دمرته، وتنوي تقييد إدخال المواد والبضائع إليها، ورهن ذلك بشروط جديدة. وقد صرح وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس عن استمرار الحرب من خلال السماح فقط بتلبية «الحد الأدنى للحاجات الإنسانية» ما يعني على حافة المجاعة.
من المهم أن نعرف ماذا تريد إسرائيل بشكل عيني وموضوعي، بعيدا عن التهويل والتهوين، وأن نعي أن إسرائيل ليست كلية القدرة، ولكنها ليست نمرًا من ورق. هناك أمور كثيرة تتعلق بالإرادة الفلسطينية، التي إذا توحدت أو على الأقل تآزرت فهي قادرة على إفشال معظم المآرب الإسرائيلية تجاه غزة وتجاه القدس ايضًا.
بوركت دكتور حمال.في هذا المقال صورت الواقع الذي نعيشه بعمق دون حماس زاىد لا يقف على ارجل ثابته ودون تهويل لقدرات الجانب الاخر والاهم من ذلك دون التعرض لاحد من القوى الوطنيه في الساحه الفلسطينيه.هكذا عهدناك .