دامت الأفراح في دياركم…بس كل شيء بالعقل- بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 17/08/21 | 13:30لاحتفالات بالأعراس من العادات المعروفة لدى الشعوب في كل بقاع العالم، لكن كيقية إقامة هذه الأعراس تختلف من بلد لأخر حسب عادات وتقاليد المجتمعات. وخلال تجوالي في هذا العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، بحكم عملي الصحفي، سمحت لي الفرص مشاهدة الكثير من الأعراس، بمعنى كيفية إقامة الاحتفالات بهذه المناسبة (دامت الأفراح في دياركم) ولم أجد أي مجتمع يبالغ بإقامة الأعراس مثل مجتمعنا الفلسطيني، وبالتحديد عندنا في الداخل الفلسطيني، الذي أطلقت عليه إسرائيل اسم “عرب إسرائيل”.
نحن مع الزواج لأنه نصف الدين. فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي”. وفي رواية البيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي”.
ولذلك نحن مع الزواج كونه يكمل الدين حسب الأحاديث، ونحن مع الانجاب لأن الأولاد زينة ال حياة الدنيا، ولكننا من جهة أخرى نحن ضد المبالغة في أي شيء ومع العقلانية، وليس مع التشبه بالآخرين، أي كلما خطر على بال أحدهم ابتداع صرعة في العرس، اقتدى بها الآخرون وأصبحت من المستلزمات للعرس.
االاحتفال بيوم الزواج في أوروبا يقتصر فقط على الأهل وأقارب وعدد قليل جداً من الأصدقاء وكلهم قلما يتجاوز عددهم العشرين شخصاً، حيث يلتقون في ذلك اليوم ويشاركون في مراسم عقد الزواج ومن ثم ينتقلون إلى أحد المطاعم ويتناولون وجبة غداء و”مبروك ما سويتو”.
مثل هذه العادات والتقاليد “ما بتمشي عنا”، لأننا نحن شعب نبالغ بكل شيء، فإذا كرهنا حقدنا وإذا أحببنا “منبطل نبوس منصير نعض”. نحن شعب “شاطر” بتطوير المبالغة في الأشياء ولا سيما الأعراس والتحضير لها. حتى أن البعض يفكر في عمل شيء لم يقم به غيره ليدخله في عالم الأعراس.
في السابق كان العرس يقتصر على تقديم وجبة غداء وعلى “النقوط”، وكل مدعو حسب مقدرته وليس “لرد الجميل مضاعفاً” كما يحدث هذه الأيام وكأننا في مزاد علني. وما أحلى تلك الأيام التي كان الشخص المكلف باستلام “النقوط” أمام العريس يعلن بصوت عالِ للمشاركين رافعاً يده حاملاً فيها مبلغا معيناً هاتفاً: “يخلف عليك يا ابو فلان وهذا نقوط للعريس وعقبال ولادكو”.
اليوم تغيرت الأحوال. فعلاوة على ما يوضع في الظرف المختوم، الذي لا يعرف محتواه سوى صاحبه والعريس(فيما بعد) فإن بدلة العريس تشهد نشر حبال من الدولارات والشواقل واليوروهات تغطيها في كثير من الأحيان. وليس من المستبعد أن نرى مستقبلاً حبالاً من “الين”الصيني أو “الروبل” الروسي.
لم تعد القهوة العربية كافية كما كان في السابق. بل أتوا إلينا بصرعات جديدة للض يافة المبالغ يها. الفواكه مختلفة الأنواع ممتدة على طاولة طويلة وعريضة في حجمها لينقض عليها الضيف بعد الوجبة الرئيسية(العشاء). لكن فئة من هذه الفواكه أصبح لها برونوكولا خاصاً بها. وعلى سبيل المثال تعرض البطيخ والشمام والأناناس إلى عمليات تجميل هندسية لإغراء الضيف، وكأن وجودها بدون تجميل لا يكفي.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه العمليات التجميلية للفواكه مكلفة ماديًاً مثل عمليات “الشد والشفط” وأن طاولة الفواكه “المجمّلة” يوجد مثلها في جناح النساء المشاركات، نستنتج أن آلاف الشواقل قد صرفت من أجل “شوفيني يا ناس شو عملت”.أما الحلويات العربية والإفرنجية فلها مكانة أيضاً في العرس الفلسطيني. وبدون “الكنافة لا يحلو العرس”. فالضيف يرى كل أنواع الحلوى منتشرة على طاولة خاصة تحتوي على ما لذ وطاب،
الأمر غير المعقول الملفت للنظر أن “الحدّا” الذي يكون بالعادة “بطل” سهرة العرس يتقاضى أجراً من أصحاب العرس لليلة واحدة مع زفة، يعني لساعات قليلة يوازي ضعفي ما يتقاضاه طبيب يعمل ليل نهار لمساعدة البشرية. فهل يعقل ذلك؟
ليس هذا فقط. لم يعد العرس يتوقف على يوم أو يومين، بل رأى البعض وانطلاقاً من مبدأ “شوفوني شو بعمل” إلى الاحتفال سبعة أيام ليل نهار، بزواج “المحروس” قبل موعد العرس، وكل يوم يتهافت المدعوين لكي لا تفوتهم وجبات المشاوي وتوابعها. ارحموا غيركم يا ناس. مرة أخرى دامت الأفراح في دياركم عامرة، ولكن كل شيء بالعقل مش بالتشبه.