تسليم البشير صفقة سياسية قذرة -بقلم: أحمد حازم

تاريخ النشر: 20/08/21 | 20:37

في الثلاثين من شهر يونيو/حزيران عام 1989 قام عمر البشير بحركته الانقلابية ضد رئيس الحكومة السودانية الصادق المهدي، الذي شهد السودان في عهده فساداً كبيراً. وتولى البشير وقتها قيادة ما عُرف بـ”ثورة الإنقاذ الوطني”، وخلال العام ذاته أصبح رئيسا للبلاد. وفي الحادي عشر من أبريل/نيسان عام 2019 اجتمعَ عددٌ منَ القادة العسكريين في السودان، وبعدها بساعات سيطرت القوات المسلحة على مقر الإذاعة والتلفزيون، وقرأت بيانًا على لسان وزير الدفاع عوض بن عوف، الذي أعلنَ فيهِ إطاحتهُ بالرئيس عمر البشير واعتقاله، كما تم تشكّيل مجلس عسكري انتقالي يتولى حكم البلاد لمدة عامين وفرضَ حالة الطوارئ في البلاد.

المحكمة التي تولت محاكمة البشير وأركان نظامه بعد ثلاثين سنة من الحكم، أطلق عليها “محكمة “انقلاب 1989″. والأمر الملفت للنظر أن رئيس المحكمة لم يكن مقتنعاً بالمحاكمة وطلب تنحيته من القضية، لأنه كان يشكك في عدالة القضاء السوداني، مما دفع بالعديد من المراقبين إلى الاستنتاج بأن نتائج المحكمة ستكون مشوهة بسبب التنحي المتكرر للقضاة، والتدخل في مسألة الترشيح لرئاسة القضاء.

ولقد تم ترتيب الأمور مسبقاً لتسليم البشير إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، التي تطالب به منذ العام 2008. وبما أن السودان لا يحق له تسليم أي مطلوب للجنائية الدولية كونه لم يصادق على قانون روما الأساسي للمحكمة، لذلك صادق مجلس الوزراء السوداني قبل أسبوعين على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في ما اعتبر خطوة جديدة في اتجاه محاكمة البشير أمام هذه الهيئة القضائية الدولية في لاهاي.

وإذا ما عرفنا أن وزيرة الخارجية في السودان هي إبنة الصادق المهدي مريم، التي استقبلت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان خلال زيارته للسودان، نستنتج أن تسليم البشير ليس سوى عملية انتقام منه، لأن كافة الترتيبات تمت بإشراف وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي.

في الثاني عشر من شهر إبريل/ نيسان 2019، أي في اليوم الثاني من الانقلاب على حكم البشير، تم توجيه سؤال للفريق أول عمر زين العابدين رئيس اللجنة العسكرية السياسية في المجلس العسكري الانتقالي، حول ما إذا كانت هناك نية لتسليم الرئيس عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي،فأجاب:” هذا لن يحدُث في فترة المجلس العسكري، ونحن بحسب قيمنا نحاكمه، ولكن لا نسلمه”.

وفي الوقت الذي رفض فيه رئيس اللجنة العسكرية السياسية في المجلس العسكري الانتقالي تسليم البشير، نسمع من رئيس المجلس السيادي،الفريق أول عبد الفتاح البرهان تصريحات متناقضة. فقد قال البرهان: إن تسليم البشير من صلاحيات مجلس الوزراء وليس القوات المسلحة.

الجنرال البرهان كاذب، لأنه عملياً صاحب القرار الأول في الدولة. وبعد تصريحه مباشرة أعلنت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، بعد اجتماعها مؤخراً في الخرطوم مع المدّعي العام للمحكمة، كريم أسد خان، عن تسليم البشير إلى “الجنائية الدولية”، ولذلك من السذاجة تصديق البرهان أن مجلس الوزراء هو الذي يقرر عما إذا كان البشير سيتم تسليمه أو لا، وكل شيء كما يبدو كان مرتباً مسبقا. وعلى الأكثر فإن الجنرالات في الجيش السوداني. نظاهروا “بالتعفف” فيما يتعلق “ببيع” رئيسهم السابق عمر البشير لمحكمة لاهاي وتركوا تنفيذ القرار للحكومة، لكن بضوء أخضر منهم.

المحكمة الدولية لديها معايير مختلفة في إجراء المحاكمات. فهي على سبيل المثال تتجاهل دعوة مجرمي حرب مسؤولين عن فظاعات، للمثول أمام قضاة المحكمة وتتسامح مع حكام ينتهكون حقوق الإنسان. ورغم أن الولايات المتحدة لم تصادق على قانون الانضمام إلى المحكمة، ولا يحق لها قانونياً التدخل في شؤونها، إلا أنها رحبت بقرار تسليم عمر البشير. والأمر الواضح أن البشير لو قبل الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها، لبقي في الحكم لغاية الآن.

نقطة مهمة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي أن كبار جنرالات السودان قد راهنوا على أن صفقة تسليم البشير ستعود عليهم بثمن كبير، وأنهم ينتظرون صرف فاتورة خيانتهم من الولايات المتحدة، التي يهمها بالدرجة الأولى مصالحها ومصالح إسرائيل، وليس مصلحة السودان.

خيانة الوطن سهلة لدى الجنرالات، لكن التاريخ لن يرحمهم، وستظل خيانتهم وصمة عار على مر الأجيال في تاريخ وطنهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة