بدون مؤاخذة- تمدين الرّيف
تاريخ النشر: 23/08/21 | 17:51جميل السلحوت
لا أعرف القواعد والمعايير التي اعتمدتها وزارة الحكم المحلي قبل سنوات لتحويل المجالس المحليّة والقرويّة إلى بلديّات، أي تحويل القرى إلى مدن! تماما مثلما لا أعرف الأهداف المتوخّاة من ذلك، اللهمّ إلا إذا صحّت أقوال البعض من أنّ للبلديّات مخصّصات مالية أكثر من تلك المخصّصة للمجالس المحلّيّة”القرويّة”، وهناك أسئلة تدور حول هذه التّحوّلات منها على سبيل المثال: هل تحويل مسمّيّات القرى إلى مدن يعني أنّ هذه القرى انتقلت فعلا إلى حياة التّمدّن؟ وما المانع من تقديم مخصّصات ماليّة للقرى وتقديم الخدمات اللازمة لها بغضّ النّظر عن مسمّياتها؟ وهل انتبه أصحاب القرار على نتائج تحويل القرى إلى مدن؟ وما مدى تأثير ذلك على القطاع الزّراعيّ؟ وما مدى خطورة ابتعاد المواطنين عن فلاحة وزراعة أراضيهم؟ وما هي النّتائج السّلبيّة على أبناء كلّ منطقة عندما يرتفع سعر الأراضي في مسطّح بنائها؟
كنّا نتمنّى لو أنّ وزارة الحكم المحليّ نسّقت مع وزارة الزّراعة لتوسيع المناطق الزّراعيّة في الأراضي التّابعة للقرى، وتقديم الإرشاد والتّوعية للمزارعين لتطوير القطاع الزّراعيّ؛ لسدّ حاجات السّوق المحليّ، ولتصدير ما يزيد، ولتوفير دخل مريح للمزارع يساعده على توفير تكاليف الحياة ليعيش هو وأسرته بكرامة. يضاف إلى ذلك أنّ استغلال الأرض للزراعة يحميها من التّغوّل الإستيطاني الاحتلالي. وليتنا استفدنا من تجاربنا ومن تجارب غيرنا، فمن تجاربنا قبل حرب حزيران 1967 العدوانية، كان 85% من المواطنين يعتاشون على القطاع الزّراعي، ومن تجارب غيرنا أنّ الرّئيس الرّومانيّ الأسبق نيكولاي تشاوشيسكو قد حوّل -قبل انهيار الدّول الإشتراكية في بداية تسعينات القرن الماضي- القرى في بلاده إلى مدن، ممّا أدّى إلى تدمير الزّراعة وإلحاق خسائر فادحة بالدّخل القومي لبلاده، وهذه كانت إحدى التّهم التي حوكم عليها.
إنّ تحويل القرى إلى مدن من خلال التسّميات لن يقدّم شيئا، لكنه يشكّل عمليّة خداع للقرويّين، فحتّى المدن العريقة في بلادنا لا يوجد فيها مشاريع اقتصادية تستوعب الأيدي العاملة فيها، وما تضخّم بعض مدننا عمرانيّا إلا من باب هجرة القرويّين إلى المدن حيث يشغلون وظائف حكوميّة، أو للبحث عن عمل يفتقدونه في قراهم. وهجرة القرويّين إلى المدن لها سلبيّاتها الكثيرة ومنها “ترييف المدن” على رأي أديبنا الكبير محمود شقير الذي أبدى مخاوفه قبل سنوات من “ترييف” القدس، وهذه الهجرة أيضا تضاف إلى خسارات القطاع الزّراعي في الأرياف.