حرامية الشعر في مجتمع الضاد…اللي بستحو ماتوا -بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 01/09/21 | 10:01خلال عشرات السنين من عملي الصحفي متنقلاً مثل “ابن بطوطة” في هذا الكون من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه، التقيت بالكثير من الأسماء البارزة على جميع الأصعدة(سياسية،ثقافية،فنية،رياضية واقتصادية) فمنهم من يقيت أقوالهم عالقة في ذهني ومنهم من وضعت لقاءاتي معهم في الأرشيف فقط أتذكرهم كلما تصفحت تاريخي الإعلامي.أتذكر جملة قالها لي الراحل العراقي عبد الوهاب البياتي أحد أكبر وأهم الشعراء العرب المعاصرين، الذي التقيته أكثر من مرة:” الشعر موهبة تولد مع الانسان وليس دراسة مثل الطب والهندسة”. فعندما يكون لدى الإسان منذ البداية ميولاً لكتابة الشعر ويعمل على تطوير هذه الموهبة وصقلها، يتقدم خطوات إلى الأمام.
وما نعيشه هذه الأيام من قصص وحكايات غريبة على مستوى “الحرمنة” في الشعر (وأنا أقصد في المجتمعات العربية كلها وليس فقط في مجتمعنا الفلسطيني) يدل على وجود أناس معقدين يريدون أن يصبحوا شعراء بطرق غير شرعية وغير أخلاقية. المهم عند هؤلاء أن يقال عنهم شعراء (؟!) حتى لو اشتروا الشعر بالمال وحتى لو سرقوا الشعر من الغير.في منتصف سنوات الثمانينات، عرضت عليّ مجلة (NBI) الألمانية الأسبوعية التعاون معها في كتابة تقارير حول الموضوعين الفلسطيني والاسرائيلي. وقد وافقت على العرض دون تردد لسببين: اولهما أن المجلة البرلينية كانت واسعة الانتشار، إذ كانت توزع أسبوعيا مليونا ومائتي ألف نسخة في المانيا، وثانيهما انها تهتم كثيرا بالملف الفلسطيني إيجابيا، لدرجة أنها – ولأول مرة في الصحافة الألمانية ـ خصصت غلاف أحد أعدادها لصورة طفلة فلسطينية ترتدي الكوفية، لأني تناولت في تقريري لذلك العدد، الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية.في ذلك الوقت، كنت أتلقى الكثير من رسائل الاعجاب من طلبة فلسطينيين. وذات يوم اتصل بي احدهم وأخبرني أنه يدرس في معهد مهني للكهرباء، وهو معجب جدا بالتقارير التي تنشرها لي المجلة.
وأخبرني أيضا أنه يحب الشعر ويتمنى أن يصبح شاعراً، لكنه لا يعرف كيف، خصوصا أنه لم ينظم بيت شعر في حياته. وأفهمته أن لا علاقة لي نهائيا بالشعر، ونصحته بأن يبتعد عن هذا المجال والاهتمام بدراسته. وعرفت فيما بعد أنه فشل في دراسته وعمل في تجارة الخضار.ودارت الأيام (بالاذن من السيدة ام كلثوم) ومرت السنين. وخلال مشاركتي كمحاضر في أمسية ثقافية في ناد عربي في برلين، خلال زيارتي الأخيرة لها، تقدم مني شخص وصافحني بحرارة، وعرفت أنه هو الطالب “التقني الفاشل”. لكن المفاجأة التي أذهلتني، بل وصعقتني، أن هذا “الفاشل” قدم لي ثلاثة دواوين شعرية هو صاحبها، ويحمل أيضاً لقب دكتور..!؟ومن خلال اتصالاتي مع بعض الأصدقاء المهتمين في المجال الأدبي في برلين، عرفت أن الطالب “الفاشل” تعرف في أحد المقاهي الشعبية في القاهرة على شاب مصري ينظم الشعر، لكن الوضع الاجتماعي المعيشي لهذا الشاب لا يسمح له حتى بالتفكير في نشر ديوان. واستغل الطالب “الفاشل” وضع الشاب، وعرض عليه شراء ما عنده من قصائد حالية ومستقبلية، على أن يبقى الأمر سراً بينهما. وكانت هذه فرصة جيدة للشاب لتحسين وضعه المعيشي، وأيضا فرصة لا تعوض للفاشل ليصبح شاعراً. وهذا ما حصل بالفعل..!ولم يكتف الطالب “الفاشل” بهذا التزوير المعيب، بل قام بشراء شهادة دكتوراة من جامعة في دولة عربية، وصار يقدم نفسه للآخرين ـ وهذه المصيبة بعينها ـ بـ”الدكتور الشاعر”. لكن السر لم يبق سراً، وانفضح أمر هذا الشاعر المزيف في صفوف بعض المثقفين في برلين، إلا أنه لا يزال مصرّاً على أنه شاعر!؟، وعلى أنه أيضاً دكتور..!؟
ما دفعني لكتابة جملة وردت في مقال لكاتبة مها فتحي قالت فيه: ” أن الحياء يخلع عن نفسه ورقة التوت هذه الأيام ويتجول سواح في شوارع بني يعرب، والعيب أصبح فينا”. وأنا أضيف على ذلك وباللهجة العامية: “اللي بستحوا ماتوا”..!فبالله عليكم، ألا يستحق هذا “الشاعر المزوّر” عقابا شديدا على فعلته؟! لكن للأسف، هذا المحتال ليس حالة استثنائية في أوطان بني يعرب، لأن ظاهرة سرقة الشعر والتعدي على الأدب العربي بشكل عام، من متطفلين وحرامية واغتصاب، أصبحت من الظواهر السلبية المنتشرة في في بلاد “الضاد”.