الهرب من سجن جلبوع… فشل للسجّان ونجاح للسجين- بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 07/09/21 | 17:59فكرة الهروب من السجن طالما راودت مخرجي الأفلام الأمريكية في هوليوود، وغيرهم من المخرجين الغربيين في بريطانيا وفرنسا وغيرهما، ولطالما ألهمت الكتاب الغربيين لسنوات، حيث ثم إنتاج العديد من أقوى أفلام الهروب من السجن المشوقة و المثيرة. وأكثر أفلام الهروب من السجن التي انشهرت عالمياً فيلم (Escape From Alcatraz الهروب من الكاتراز) المتميز بالدراما والتشويق. تدور أحداث الفيلم الذي انتج عام 1960، حول السجين (الممثل العالمي كلينت ايستوود)، الذي وصل إلى سجن مشدد الحراسة في جزيرة الكاتراز. بعد وقت قصير من وصوله، استدعاه مأمور السجن وأخبره بأن الكاتراز فريد من نوعه أمنياً في سجون الولايات المتحدة ولم ينجح أي سجين في الهروب. وأثناء المحادثة، لم بلاحظ المأمور أن (كلينت إيستوود) سرق قلامة الأظافر التي كانت على المكتب، ترى هل ساعدته هذه الأداة البسيطة في عملية الهروب المعقدة؟
الفيلم الحقيقي عن الهروب الذي سمع به العالم، ولم يره أحد على الشاشة هو فيلم (الهروب من سجن جلبوع) الذي فاق بعمل أبطاله الفلسطينيين الستة كل تصوّر، فقد تم إنتاجه بدون إخراج وبدون تصوير وبدون سيناريو، لكنه نفذ عملياً على يد أبطال لا علاقة لهم بالتمثيل بل بالنضال من أجل قضيتهم.
العملية بنظري أكبر من هروب. هي عملية تحرير ذاتي بدون تبادل رهائن. عملية لم ير العالم شبيهاً لها إلاّ في الأفلام. هذه العملية نفذها ستة أسرى أمنيين عبر نفق حفروه هم بأياديهم في سجن الجلبوع. فماذا فعل هؤلاء؟ لا يوجد مخرج لنسأله بل توجد قوات شرطة وجيش، لكن هؤلاء جميعاً لا يعرفون ما دار في عقول هؤلاء السجناء المحكوم عليهم بالمؤبد. انهم بالفعل أسرى يتمتعون بذكاء خارق جداً. وهذا الذكاء لا يزال يشغل بال القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في دولة نووية تحضر نفسها لمواجهة كبيرة مع إيران ولا تعرف حل لغز أسرى هربوا من سجن.
قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود والجيش وجهاز الأمن العام، وقوات الشرطة الخاصة ووحدة المروحيات الشرطية وحتى الكلاب (بما فيها البشرية) تشارك في البحث عن الذين داسوا هيبة الأمن الإسرائيلي وحرروا نفسهم. لم يخطر على بال الجهات الإسرائيلية أن المحكوم بالسجن مدى ال حياة سيخرج إلى الحرية بتخطيط ذاتي. أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتمدت على قدراتها وإجراءاتها في مراقبة السجون، والأسرى اعتمدوا على ذكائهم ففشل السجان ونجح السجين.
القناة “12” الإسرائيلية نقلت عن مصدر أمني قوله: “هذا الحادث محرج، لم تكن هناك أي معلومات استخبارية، كما أن السجناء كانوا يعملون لفترة طويلة، ولكن نحن لم يكن لدينا أدنى معلومة”. اعتراف واضح بالفشل. موقع القناة 12 نشر تقريراً حول عملية الهروب جاء فيه:” أن سجن جلبوع يعد من أكثر السجون الإسرائيلية تحصينًا، وحفر النفق استغرق عدة سنوات، وتم حفر النفق أسفل مغسلة المرحاض، وتمكنوا من الخروج عبر أنبوب الصرف الصحي للسجن، وأن ست سيارات كانت تنتظر الأسرى للهروب، لنقلهم مباشرةً إلى الضفة الغربية”.
ما حدث في السادس من شهر سبتمبر/أيلول هذا العام لا يقل أهمية عما حدث للبرجين الأمريكيين في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 . الضربة للبرجين هزت كافة قيادات الولايات المنحدة، وعملية الهروب من سجن بلجوع هزت كل القيادات الإسرائيلية، مع الفارق أن واشنطن اعتبرت الهجوم على البرجين عملية إرهابية، بينما الهروب من سجن بلجوع عملية تحرير ذاتي من المحتل الإسرائيلي.
وإذا كانت كل عمليات البحث عن الهاربين لم تسفر عن أي نتيجة حتى الآن، فإن ذلك يعني فشلاً كبيراً للأمن الإسرائيلي، وأعتقد بأن خطة الهرب التي وضعها الهاربون (المحرّرون) كانت محكّمة لدرجة صعب على كافة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لغاية الآن اكتشافها والقبض على الهاربين.
خمسة شباب صدر بحقهم أحكاماً بالسجن المؤبد من المحاكم الإسرائيلية: يعقوب قادري، يعقوب انفيعات، محمود عارضة، أيهم كممجي، محمد عارضه. ومعهم معتقل آخر اسمه زكريا الزبيدي لا يزال يخضع للمحاكمة. هؤلاء تحدّوا النظام الأمني الإسرائيلي وباغتوه بعبقريتهم وصبرهم وتخطيطهم. وهؤلاء بالطبع سيتحدث التاريخ الفلسطيني عنهم بفخر، وسيكونوا قصة من قصص أبطال النضال الفلسطيني الذين كسروا هيبة الأمن الإسرائيلي .
الخوف الآن من الجانب الفلسطيني الرسمي في رام الله، المكبل مع إسرائيل باتفاقية تنسيق أمني. وأعتقد بأن مخابرات محمود عباس لن تتوانى لحظة في تسليم هؤلاء لإسرائيل إذا عرفت بمكانهم، لنيل رضى بينيت وغانتس وشركاهم.