الموت يغيب الكاتب والمخرج السينمائي الفلسطيني نصري حجّاج
تاريخ النشر: 12/09/21 | 13:05كتب: شاكر فريد حسن
غيب الموت، أمس السبت، الكاتب والمخرج السينمائي والإعلامي الفلسطيني نصري حجّاج، بعد صراع مع المرض، تاركًا وراءه اعمالًا سينمائية وأفلامًا وثائقية.
الراحل حجاج من مواليد العام 1951 في مخيم عين الحلوة بلبنان، لوالد لاجئ من قرية الناعمة المهجرة وأم لبنانية.
التحق حجّاج بصفوف الثورة الفلسطينية، بعدها أكمل دراسته في بريطانيا، وابعد عنها، وقضى سنوات طويلة في تونس.
له كتابات كثيرة منشورة في صحف بريطانية وفلسطينية ولبنانية، وصدرت له مجموعة قصصية في رام اللـه بعنوان “أعتقد أنني أحب الحكومة”، ومن أبرز أعماله السينمائية: “ظل الغياب” الذي تناول ثيمة الموت والمنفى الفلسطيني، وفيلم “كما قال الشاعر” الذي يوثق لمسيرة وحياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وفيلم “ميونيخ حكاية فلسطينية”، وغير ذلك.
نصري حجّاج رحل بهدوء، وبرحيله تفقد الساحة الثقافية والمشهد السينمائي الفلسطيني، واحدًا من أعلام الفعل الثقافي الوطني الفلسطيني، حيث كرس فنه وعمله الثقافي في سبيل حرية وخلاص شعبنا الفلسطيني، وتودع مبدعًا كبيرًا كرس الحضور الفلسطيني على المستوى العربي والعالمي.
وقد أوصى الراحل نصري حجّاج بأن “يحرق جثمانه وينثر جزءًا من رماده لاحقًا في مخيم عين الحلوة وعند قبر والدته فاطمة في صيدا، وجزءًا آخر في قريته الناعمة شمال فلسطين المحتلة، وجزءًا في سوريا التي تضامن مع شعبها المظلوم حتى آخر نفس، وجزءًا فوق تراب تونس حيث عاش سنين طويلة من عمره فيها”.
ورثى الكثير الراحل الكبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي العديد من المواقع، ومن ضمنهم الشاعر السوري هادي دانيال الذي كتب في رثائه قصيدة طويلة رائعة يقول فيها:
—-
أطلعُ مِن ضاحيَةِ القَلْبِ
عَويلاً يلتَفُّ على رأسِ الدُّنيا
بكلامٍ أغْبَرْ
ومُخَيَّلَةٍ شَعْثاءْ
وعلى أجنحةِ الرُّوحِ
تَراكَمَ صَدَأُ البَغْضاءْ
فانْزَعْ نَعْلَيْكَ
وَسِرْ فوقَ بساطِ دَمِي
أمْعِنْ في قَضْمِ اللحمِ الحيّ
وأخْبِرْني :
كيف سأوقِظُ صَخْرَةَ رُوحيَ،
كيفَ أذيبُ جليدَ هَوايَ،
وَغَزَّة
لم تخرجْ مِن خاصِرَةِ الغاصِبِ
حتى انغرزَتْ
في خاصرةِ الوطَنِ الغائبْ!.
……….
يا نَصْرِي
كيفَ أُعَرِّفُني
وأنا أتأبَّطُ مَخْمُوراً بَغْدادَ إلى شاطئِ حزني
أتَخَبَّطُ بينَ صُخُورِ الشّامِ وأُهذي،
كَيْفَ أُعَرِّفُني؟
وأنا بَرْقُ الرَّعْدِ
وَلا مَطَرَ يقتَحِمُ الأرْضَ
يُؤكِّدُني..
كَفّايَ ينابيعُ لِرَيِّ الأجسادِ وَغَسْلِ الأرواحِ
أجوبُ جبالاً وسهولاً ومَدائنَ وبحاراً
كَي أكتَشِفَ
بأنّي
وَطَني؟!
-المُجْرِمُ يَلْقى مَنْ يأوِيهِ
وَالمُجْرَمُ فيهِ- بِفَتْحِ الرّاءْ
وَطَنٌ تلمسُهُ القَدَمانِ
وأنأى مِنْ قَصْرِ الحمراءْ
وَطَنٌ مُتَّهَمٌ بِدِماءِ الأبناءْ
يا تُونُس قد آتي
أوْ لا آتي
فأنا أتركُ في لَحْمِكِ بَعْضَ رفاتي
وَدَبيبَ حَيَاتي!
يا نَصري – قُلْتُ
تَمَهَّلْ
فأنا أسبقُكَ إلى أعْلى جَبَلٍ مِنْ عُمْرِيَ
عَرِّجْ لَحَظَاتٍ،
وَعَلى مَهَلٍ
صَوِّرْ قَبْرِي!.
……..
كُلُّ نُدُوبِ الرُّوحِ
نِساءٌ أعبرُهنَّ إليَّ
وَمَرْفأُ رُوحِيَ
كانَ سَراباً
مَنْ أعْدَمَ في الصّحْراءِ جَواداً
أعْدَمَنِي
لكنّي قُمْتُ وحيداً، وَسَعيداً بي
مَنْ يَفهمُني؟.
كونداليزا تَصْلِي
وَتُصَلِّي،
والقرطاجنّيُونَ
يحدُوهُم “أنريكو ماسياس”
و”ماري كاري”
ومحافِلُ ماسونَ
وأندِيَةُ الرّوتاري
و” سليمُ الدّولَةِ “
يشتعلُ على مقعدِهِ في البارِ
كانَ حَوارِيُّوهُ يَهوذا إثر يهوذا
يلتهمونَ “تضامُنَهُ الحِبْرِيَّ”
ومعجمَهُ المَصكوكَ مِنَ الأضلاعِ
ويقتسِمُ “الكُتّابُ الأحرارُ” دِماهُ نبيذاً
كُنْتُ على مقربةٍ منهُ ومنأى
يحجبُني عنه
العالَمُ يقصفُ صَوبَ اللهِ
ومِنهُ على مَرأى
ناداني
وَرَفَعْتُ إلى قَمَرٍ فضّيٍّ كأسِيَ
فانْسَكَبَتْ فيهِ
الغَيماتُ شَراباً مُرّاً ولذيذاً!.
………
يا نَصْرِي
أغبطُكَ
وأشعرُ أنّكَ
تقطفُ
وردةَ قبْري!.
أجْرِي
نيراناً في الحَطَبِ
يلجمُني حَبْلُ رَمادٍ أمْسَكَ بي،
أُقْعِي
كَفّايَ على رُكَبي
تَرتعِشُ يَدايَ
كَنَهْرَيْنِ على جَبَلَيْنِ
أُفَلِّي الغابات
عَسايَ أفاجئُ قَمْلَ “كذا”
وبراغيثَ “كذا”
تمتصّ دِماءَ جنين!.
……
البَحْرُ أُجاجْ
والبَرُّ عَجاجْ
و” الصّقْرُ أبو فَخْر” يُطِلُّ بِصَلْعَتِهِ
مِن نافِذَةٍ في “البوريفاجْ”
يتفقّدُ بينَ المنحوتاتِ
بإزميلِ القَصْفِ
فَتانا المحْنِيَّ الظّهْرِ قليلاً
يبحثُ عن لحيَتِهِ
عَنْ آتٍ ضاعَ
وَيحشو الغليونَ
بأعشابٍ شُقْرٍ
مِنْ عاناتِ نِساءِ الزَّمَنِ العنِّينِ
ويهمسُ في أذُنَيِّ اللهِ
“افْهَمْني”
فأنا ما زلْتُ أُفَكِّرُ كيفَ سأُنْجِبُ طِفْلاً
أمْهِلْني
إنّي مِن عَيْنِ الحلْوَةِ
جَمْرَةُ رُؤيا سَقَطَتْ في ماءِ الرّغْبَةِ
وانْتَشَرَتْ في قَيْظِ العالَمِ
كي تروي ظَمأَ تَفَحٌّمِها عَبَثاً…
لم أعرِفْ كيفَ أعيشُ
حياةً تغويني كسرابٍ
يَمْضَغُ عُمْرِيَ أشلاءً
وَيَقيءُ حُطاميَ
فَوْقَ كَثيبِ عَذابٍ ،
أمْهِلْني يا ربّ قليلاً،
فأنا مِن يأسِيَ
أخلقُ عالَمَنا القَبْرِيَّ
مِنَ الصُّوَرِ العابِرَة النّسيان
وَمِن حُفَرِ الطّين
أمْهِلْني، أمْهِلْني –
يَهْمسُ كان –
فلا أحتاجُ إلى صارُوخٍ
يُشْعِلُ غُليونِيَ
بَيْنَ مَقابِرِ هذا العالَم،
أمْهِلْنِي،
فَلَعَلِّيَ أُدْرِك قَبْرِي!.
……….
البَيْتُ الأُمَمِيُّ زُجاج
والبَرُّ العَرَبيُّ دَجاجْ
وَمُخَيَّمُ عَيْن الحلْوَةِ
يَسْتَرْجِعُ دَمْعَتَهُ/
نَصْرِي حَجَّاجْ/
يَتَمَتْرَسُ في البَحْرِ
ويصرخُ:
لَنْ يُفْتَحَ هذا البابُ
لِغازٍ
وأنا في البابِ
رتاجْ!.
رحم الله نصري حجّاج، والخلود الأبدي لروحه الطاهرة.