راهن مجتمعاتنا العربية وتعثر المشروع التنويري.!
تاريخ النشر: 21/09/21 | 10:02بقلم: شاكر فريد حسن
ما دور المثقفين والمفكرين والمصلحين العرب الذي قاموا به لإخراج العقل العربي من دائرة اختناقاته الحضارية إلى عالم النور والجمال.؟!
إنها لحالة مأساوية تعيشها مجتمعاتنا العربية في مختلف مناحي الحياة ومستوياتها. فهي أكثر المجتمعات تخلفًا وجهلًا واستبدادًا وغرقًا في مستنقعات الظلام، وإنها لصورة قاتمة وصادمة عندما نلمس مدى غياب العقل النقدي والتنوير والعقلانية عن العقلية العربية، وتراجع العلم والمعرفة العقلانية إلى الوجود.
والصورة الأكثر سوداوية عندما نرى الانزلاق والانحدار الأخلاقي القيمي، وانتشار الفساد والعنف، وسيطرة الخرافة والأوهام، ومظاهر الطائفية البغيضة والعشائرية القبلية، فضلًا عن الانقسامات وغياب حقوق الإنسان، وخنق الحريات الديمقراطية.
وقد كشف المثقفون والمفكرون العرب أسباب هذا التخلف الحضاري الذي تعيشه أمتنا ومجتمعاتنا العربية، وأجمعوا على أن غياب العقل وتغييبه وحجبه هو أحد أبرز عوامل تخلف الأمة والمجتمع، وأكثرها خطورة. وهذا التخلف يتم ويجري تحت القهر والاستبداد السياسي، الذي يقوم على محاصرة العقل والعقلانية، وخنق الحريات، وإخضاع الأمة لحالة من الاستبداد الوجودي الشامل.
ولمواجهة هذه الوضعية المتردية، حاول المثقفون والمفكرون والمصلحون العرب منذ عصر النهضة وحتى هذا اليوم، اختراق جدران كهوف الظلام الحضاري للأمة العربية، ولكن للأسف أن كل محاولاتهم ومساعيهم التنويرية لم تؤت ثمارها، مثلما كانوا يتوخون ويأملون ويصبون، ويعود هذا الفشل والإخفاق إلى جملة من العوامل الذاتية والموضوعية والتاريخية، ودون نهوض الأمة وتحضرها، وعدم استحضار الحالة التنويرية في المجتمعات العربية على غرار الحالة التي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر، فبقي الفكر التنويري أسير النخب، ولم يتحول لحالة تنويرية حضارية فاعلة في العالم العربي.
وفي خضم هذا الحال والوضع المتردي خفتت أضواء التنوير، وتراجع تأثيره، وغرفت الساحة الثقافية والفكرية في العتمة، وظلت الشعوب العربية تحت سيطرة الغرائز والعواطف والميول البدائية المناوئة لتطبيق كل أشكال العقلانية والتنوير.
ومن نافلة القول إنه تجمعت أسباب فشل وتعثر المشروع الفكري التنويري العربي، بسبب تسيد الجمود الفكري، وثقافة النص، وتراجع الكلمة النقدية والتحليلية، في مقابل تسيد التبعية واستسهال التمسك بالتراث القديم وتقديسه كإسقاط لعجز القدرة على التجديد والابتكار والإبداع.
وفي محاولة لإيجاد دواء لعلل التقهقر والتبعية والتخلف المجتمعي، إلا أن الخطاب التفكيكي للمدارس الفكرية التنويرية ظل نخبويًا حبيس الكتب والمؤتمرات، ولم يخرج إلى واقع المجتمع ويلتحم عضويًا معه، مما سهل استغلاله كمطية لصراعات ونزاعات تغذيها الجماعات والقوى الظلامية والاصولية في خطابات التكفير والتحريم.
لا بد من قراءة الواقع والمستقبل بعقل منفتح والخروج من التبعية الثقافية، وفتح أبواب الحوار والتفاعل الثقافي، وأخذ ما تبقى من نخب فكرية ومثقفة لدورها في عملية البناء الثقافي المتجدد، والاستعداد للمواجهة مع الآخر بسلاح الثقافة التنويرية العقلانية والإصلاحية، التي ترتبط بجذور الأمة وهويتها الحضارية، والتفاعل مع الإبداع والابتكار والتجدد بالثقافة العالمية، وبناء ثقافة جديدة رصينة، تخدم الحاضر واجيال المستقبل، وتبني مشروع ثقافي وفكري تنويري حداثوي حضاري، وإذكاء أسس التفكير العلمي، ومواجهة ما نشهده من قمع للحريات والفكر الآخر، من لغة التشهير والتجريح إلى التكفير والتحريم وإلغاء تام للرأي الأخر، لاختلاف الفكر والمعتقد أو الهوية، وكل الخشية أن نشهد تعميمًا وسيادة لظاهرة الإلغائية والإقصائية، والمواجهة مع العولمة التي تشتد وتفاخر بأزمة الخطاب الثقافي العربي.