الانتخابات البرلمانية في ألمانيا – بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 23/09/21 | 9:20بعد يومين وبالتحديد في السادس والعشرين من الشهر الحالي تشسهد ألمانيا انتخابات برلمانية، ستكون فعلاً مصيرية وشديدة بين الأحزاب المتنافسة ولا سما بين الأحزاب الكبرى الثلاثة ( الإشتراكيون SPD و وإتلاف الحزبين المسيحيين CDU/CSU وحزب الخضر Die Gruenen) لأن الحزب الذي يفوز بأكثر الأصوات سييقرر من سيكون المستشار الألماني المقبل، خصوصاً أن المستشارة الألمانية الحالية وهي من الإئتلاف المسيحي، قررت اعتزال العمل السياسي.
تتميز انتخابات هذا العام بالتركيز على الصوت المسلم. فألمانيا يوجد فها حوالي خمسة ملايين ونصف مليون مسلم، يحق لنصفهم المشاركة في الانتخابات العامة، علكاً بأن مشاركتهم في الانتخاات الماضية كانت ضعيف مقارنة بالمعدل العام للمشاركين من المجتمع الألماني. وطبقا للقوانين الألمانية يشارك المواطنون في الانتخابات العامة (البوندستاغ) وانتخابات برلمانات الولايات،
ويرى بعض المحللين أن الانتخابات المقبلة ستشهد تحولاً ملموساً، لا سيما وأن برامج المرشحين تحمل اهتمامات بالناخبين المسلمين وتطرح قضايا تهم وضع الاسلام و حياة المسلمين بألمانيا، علماً بأن البرلمان الاتحادي لا يوجد فيه سوى ثلاثة مسلمين فقط.
في ذكرى عيد الوحدة الألمانية في الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2010 قال الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف”الإسلام جزء من ألمانيا” في إشارة واضحة إلى التحول الكبير في نظرة المجتمع الألماني للإسلام والمسلمين. وقد شهد العام 2015 قراراً تاريخياً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما أعلنت عن استقبال مليون ونصف المليون لاجئ معظمهم من سوريا، حيث كان للقرار تأثير ملموس على البنية الديمغرافية للسكان في ألمانيا ولاسيما المنحدرين منهم من أصول مهاجرة. إذ قفز عدد المسلمين في البلاد بحوالي 20 في المائة، كما تضاعف عدد المهاجرين المنحدرين من منطقة الشرق الأوسط، حسب احصاءات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (بامف( BAFM/
المشكلة التي يعاني منها المسلمون هي تعدد المرجعيات المذهبية والطائفية والهيئات التي الاتحادي للهجرة واللاجئين نشرت سنة 2020، فان المسلمين ذوي الأصول الأجنبية ينحدرون من 23 دولة مسلمة، وتتسم بنية مجتمعاتهم بتنوع شديد على المستوى الاجتماعي والديني المذهبي إذ ينتمون إلى مذاهب وطوائف ومعظمهم من السنّة
ويرى محللون أن نظرة المسلمين لأهمية النظام الديمقراطي والتحول الإيجابي الذي تشهده وفق مؤشرات الاستطلاع، سيكون على المحك عندما تجري انتخابات 26 سبتمبر/ أيلول الجاري، وسيتبين ما إذا كان نمو الوعي لدى المسلمين سيتجسد أيضا عبر المشاركة في الانتخابات وبمستوى يفوق سلوكهم الانتخابي في المحطات الانتخابية السابقة.
وبالرغم من مشاركة المسلمين في الحياة العامة، تشهد الدوائر السياسية والأمنية بعض الظواهر المثيرة للقلق ويمكن رصد ذلك في ثلاثة معطيات: أولها ارتفاع معدل خطاب الكراهية والعنصرية وأعمال عنف تستهدف مهاجرين ذوي خلفيات مسلمة ومؤسساتهم، وثانيها، الجمعيات والمراكز الأكثر نشاطا في أوساط المسلمين لا تمثل سوى 20 إلى 25 في المائة من المسلمين وثالثها، وجود جماعات داعمة للإرهاب مثل داعش ، حسب أحدث تقارير هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية)
ويرى بعض الخبراء أن ضعف مشاركة المسلمين في الحياة السياسيىة بألمانيا يعود إلى ثلاثة عوامل على الأقل:أولها، عامل تاريخي يرتبط بطبيعة الهجرة من البلدان المسلمة إلى ألمانيا، وثانيها ضعف ثقافة المشاركة السياسية والاندماج في هيئات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية، وثالثها مسألة تنظيم مشاركة المسلمين وتمثيلهم في الحياة السياسية والعامة بألمانيا.
كما أن انتخابات البرلمانات ال محلية تجري في نفس اليوم لانتخابات البرلمان الاتحادي. شابان فلسطينيان أحدهما يدعى ثائر جمعة والآخ ماهر دريري. شكلا قائمة اسمها (نحن برلين) بإشراف تام من الشاب ثائر الذي يملك خبرة قي السياسة الألمانية وله علاقات متشعبة. هذه القائمة تضم 18 مرشحاً يخوضون الانتخابات عن أربع ضواحي في برلين وهم من جنسيات مختلفة بينهم أربعة فلسطينيين. الشابان ثائر وماهر ليسا عضوين في القائمة بل يشرفان عليها ويقومان بإدارة الحملة الانتخابية، بمعنى هما المرجع للقائمة أمام السلطات الألمانية.
على أي حال كافة المؤشرات تدل على أن البرلمان الاتحادي الذي يضم 709 نواب سيكون بينه المرة القادمة عدداً أكبر من النواب المسلمي بسبب وجود مرشحين مسلمين في الأحزاب الكبيرة المتنافسة، كما أن قائمة (نحن برلين) متوقع لها أن تفوز بعدد جيد في الانتخابات المقبلة، رغم وجود قوائم منافسة أخرى.
الناخبين من أصول مهاجرة ومسلمين، تطلق شخصيات ومنظمات مبادرات وفعاليات لتشجيع هذه الفئة من الناخبين على المشاركة بكثافة في اقتراع يوم 26 سبتمبر/ أيلول الجاري 2021.
المجلس الأعلى للمسلمين أطلق في بداية السنة الحالية حملة تحت شعار “صوتي يؤثر” ويدعو من خلالها عبر الندوات ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، المواطنين المسلمين إلى المشاركة المكثفة في انتخابات البوندستاغ.
كما أطلقت ناشطات مسلمات حملة عنوانها “كل صوت له أهميته” تهدف إلى تحفيز النساء المسلمات بشكل خاص على المشاركة في التصويت. وتقول نعيمة نيازي مديرة مبادرة “من أجل مشاركة أكبر للمرأة المسلمة”، في حوار للقناة الألمانية الأولى بشمال ألمانيا (إن دي إر) إن مسؤولية الأحزاب كبيرة في تشجيع المسلمات على المشاركة في الانتخابات، وتقترح أن يتم التركيز في البرامج الانتخابية على قضايا معينة تشغل اهتمام هذه الفئة من الناخبين، مثل دور الأسرة في الرعاية الاجتماعية واعتراف الدولة بالمجتمعات المسلمة وتوسيع حقوق التصويت للأجانب، وترى بأن هذه القضايا تهم المسلمين أكثر من غيرهم من سائر المواطنين ذوي الخلفيات المهاجرة.
ويشكل حضور وجوه شبابية ونسائية من أصول عربية ومسلمة في لوائح مرشحي عدد من الأحزاب، مؤشرا جديدا على الاهتمام المتزايد الذي توليه تلك الأحزاب لكسب أصوات الناخبين من أصول مهاجرة. فقد ترشحت على لوائح حزب الخضر الباحثة والناشطة الليبرالية لمياء قدور (من أصل سوري). وعلى لوائح الحزب الاشتراكي الديمقراطي ترشحت الناشطة (من أصل مغربي)، سناء عبدي. وأعادت أميرة محمد علي (من أصل مصري) رئيس كتلة حزب اليسار النيابية، ترشيح نفسها في الانتخابات الحالية.
وعلى مستوى البرامج الانتخابية وفي صفحات المرشحين على مواقع التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، يتباين حجم واتجاهات الاهتمام فيها بموضوع الإسلام والقضايا التي تهم المسلمين.
وحسب تقرير نشر قبل أسبوعين من اقتراع 26 سبتمبر/ أيلول 2021 على موقع قناة “بي. إر” العمومية بولاية بافاريا، فان قضايا المرأة والمساجد وتدريس الدين الإسلامي تستأثر بالنقاشات ضمن حملات الأحزاب الانتخابية.
وتطرح أحزاب ” الاشتراكي الديمقراطي” و”الخضر” و”اليسار” ضرورة مكافحة العنصرية والكراهية ومعاداة الإسلام والخوف منه. كما تدعو إلى سياسة “تضامنية” مع اللاجئين والمهاجرين.
وتهتم برامج الأحزاب المحافظة مثل “المسيحي الديمقراطي” وحليفه “المسيحي الاجتماعي” بضرورة احترام قيم وهوية المجتمع الألماني وتقوية سياسة الاندماج، لكنها تتضمن تحذيرات من مظاهر التطرف والتشدد الإسلامي.
من جهته يدعو الحزب الليبرالي الحر إلى تشجيع ثقافة تقدمية في أوساط المسلمين لدعم اندماجهم.
وبالمقابل فان حزب “البديل” الشعبوي يرفض سياسة استقبال اللاجئين والمهاجرين ويحذر من خطر “أسلمة المجتمع الألماني” وانتشار “التطرف والإرهاب الإسلامي”، كما يدعو مثلا إلى منع رفع المآذن ورفض تدريس الدين الإسلامي في المدارس العمومية والجامعات.
أسباب ضعف المشاركة
باستثناء الحضور التاريخي للأتراك، فقد ظل تأثير المسلمين بصفة عامة على امتداد عقود من الزمن محدودا في المؤسسات السياسية الألمانية، ويظهر ذلك بشكل بارز في ضعف المشاركة في الترشيح إلى عضوية البوندستاغ الذي يضم فقط ثلاثة نواب مسلمين من إجمالي 709 نائبا. وتؤكد خبيرة الاندماج الباحثة ببرلين جيهان سنان أوغلو استنتاجات أبحاث عديدة بوجود “عجز أو نقص في تمثيل المسلمين، ويمكن أن أسميه أيضا بالعجز الديمقراطي”، كنا تقول الباحثة في حوار لموقع “إن دي إر” التابع للقناة العمومية الأولى بشمال ألمانيا، نشر في فاتح سبتمبر أيلول الحالي.
ويرى بعض الخبراء أن ضعف مشاركة المسلمين في الحياة السياسيىة بألمانيا يعود إلى ثلاثة عوامل على الأقل:أولها، عامل تاريخي يرتبط بطبيعة الهجرة من البلدان المسلمة إلى ألمانيا، وثانيها ضعف ثقافة المشاركة السياسية والاندماج في هيئات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية، وثالثها مسألة تنظيم مشاركة المسلمين وتمثيلهم في الحياة السياسية والعامة بألمانيا.
حيث كانت في بدايتها بحكم طبيعة طلب السوق الألماني لليد العاملة والهجرة، تهيمن عليها فئات اجتماعية ذات مستويات تعليمية محدودة مقابل ضعف حضور الكفاءات والنخب الذي سيظهر في العقدين الأخيرين بالخصوص.
ثانيا، وهو عامل يتداخل فيه التطور البطيء لنموذج الاندماج في المجتمع الألماني مقارنة مثلا بنماذج بلدان غربية أخرى مثل بريطانيا وهولندا وأمريكا، من جهة، مع محدودية الوعي لدى فئات المهاجرين والمواطنين المسلمين بأهمية دور المؤسسات السياسية في تحسين ظروف حياتهم، من جهة ثانية.
فعلى امتداد عقود سابقة كانت فعاليات وأنشطة المسلمين تميل للانغلاق في دوائر اجتماعية أو طائفية ضيقة وتنحصر مثلا في الجمعيات الخاصة بالجاليات أو بمراكز دينية ومساجد، وتتركز اهتماماتها حول قضايا اجتماعية على نطاق فئوي ضيق أو المسائل المرتبطة بممارسة العبادات والطقوس والمناسبات الاجتماعية والأعياد والزواج إضافة إلى موضوع لباس المرأة.
ثالثا: يرى خبراء ألمان كثيرون أن مسألة تنظيم مشاركة المسلمين وتمثيلهم في الحياة السياسية والعامة بألمانيا، تعتبر أهم معضلة تواجه في نفس الوقت الدولة والمواطنين والمهاجرين ذوي الخلفيات المسلمة.
فبخلاف الوضع بالنسبة للمواطنين ذوي الديانتين المسيحية واليهودية حيث يخضع تمثيلهم إلى تقاليد وقواعد قانونية ودستورية، تمنح الكنيسة والمؤسسات الدينية امتيازات وإمكانيات مادية ولوجستية تؤهلها لرعاية الشؤون الدينية والشخصية للمؤمنين،
ومنذ سنة 2006 اطلقت مبادرة “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” برعاية وزارة الداخلية الإتحادية كمحاولة من الدولة لبلورة قاعدة للحوار والتعاون بين مؤسسات الدولة والمسلمين في قضايا الاندماج والسعي لإيجاد حلول مثلا لمسألة تدريس الإسلام.
بيد أن هذه المبادرة فضلا عن كونها ما تزال تبحث عن مخرجات للقضايا الأساسية التي انشئت من أجلها، سواء تعلقت بالاندماج أو بمسألة تمثيل المسلمين. فقد أثارت إشكاليات تتصل بطبيعة مشاركة المسلمين وأشكال تنظيمها وتوجهات النخب والهيئات المؤثرة داخل أوساط المسلمين. فبينما توجد فئة ترى أن قضايا اهتمامها تتركز في المسائل الدينية والاجتماعية المرتبطة بالهوية وبتوجهات محافظة في أغلبها، وهي فئة تعتمد على المساجد والمركز الدينية والاتحادات الإسلامية كشكل لتنظيم فعالياتها،
فإن هناك قطاع واسع من المسلمين لا تخضع أنشطته وفعالياته إلى هياكل تقليدية أو مؤسسات منظمة، وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى وهم يعيشون حياتهم وفق أنماط وتوجهات ليبرالية، ورغم أنه يفترض أنها أكثر توافقا مع قيم المجتمع الألماني والأقرب ليكون اندماجها أكثر فعالية، الا أن غياب قنوات التأطير السياسي في صفوفهم وضعف حضورهم في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، يجعل اندماجهم منقوصا ويضعف تأثيرهم في الحياة العامة وفي السياسة.
فرص واعدة ..ومحاذير!
قبل شهر فقط من الانتخابات نشرت صحيفة “فرانكفورته ألغماينه”(2021.08.25) نتائج استطلاع يظهر مؤشرات جديدة على تحول في نظرة المواطنين الألمان ذوي الخلفيات المسلمة للنظام السياسي والمؤسسات الديمقراطية بألمانيا. وبحسب نتائج الاستطلاع الذي أنجزه معهد “ألنسباخ” بتكليف من الصحيفة الألمانية الرصينة، فان 81 في المائة من المواطنين المسلمين.
يعتبرون الديمقراطية أفضل طريقة للحكم مقارنة بـ 70 في المائة من باقي أطياف المجتمع الألماني.
المشكلة التي يعاني منها المسلمون هي تعدد المرجعيات المذهبية والطائفية والهيئات التي ينضوون تحتها وغياب مخاطب موحد يمثلهم لدى الدولة. وبحسب دراسة احصائية للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين نشرت سنة 2020، فان المسلمين ذوي الأصول الأجنبية ينحدرون من 23 دولة مسلمة، وتتسم بنية مجتمعاتهم بتنوع شديد على المستوى الاجتماعي والديني المذهبي إذ ينتمون إلى مذاهب وطوائف ومعظمهم من السنّة
ويرى محللون أن نظرة المسلمين لأهمية النظام الديمقراطي والتحول الإيجابي الذي تشهده وفق مؤشرات الاستطلاع، سيكون على المحك عندما تجري انتخابات 26 سبتمبر/ أيلول الجاري، وسيتبين ما إذا كان نمو الوعي لدى المسلمين سيتجسد أيضا عبر المشاركة في الانتخابات وبمستوى يفوق سلوكهم الانتخابي في المحطات الانتخابية السابقة.
وبالرغم من مشاركة المسلمين في الحياة العامة، تشهد الدوائر السياسية والأمنية بعض الظواهر المثيرة للقلق ويمكن رصد ذلك في ثلاثة معطيات: أولها ارتفاع معدل خطاب الكراهية والعنصرية وأعمال عنف تستهدف مهاجرين ذوي خلفيات مسلمة ومؤسساتهم، وثانيها، الجمعيات والمراكز الأكثر نشاطا في أوساط المسلمين لا تمثل سوى 20 إلى 25 في المائة من المسلمين وثالثها، وجود جماعات داعمة للإرهاب مثل داعش، حسب أحدث تقارير هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية)
وقد سُجل ارتفاع ملحوظ في عدد المرشحين من خلفيات مهاجرة ومسلمة في لوائح الأحزاب السياسية الرئيسية في الانتخابات الحالية، كما شهدت التنظيمات الحزبية في السنوات الأخيرة وبدرجات متفاوتة صعود كفاءات شابة مسلمة، بالإضافة إلى بعض الوجوه من الأجيال الأولى والمتوسطة.
ولم يعد ذلك مقتصرا على الأحزاب التي تتبنى تقليديا قضايا المهاجرين واللاجئين مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزبي الخضر واليسار، بل باتت أحزاب ليبرالية مثل الحزب الليبرالي الحر والمسيحي الديمقراطي، بدورها تشجع قيادات مسلمة شابة على تولي مسؤوليات في تنظيماتها الحزبية.
وتفيد الدراسات الإحصائية التي انجزت في أوساط المسلمين بألمانيا بأن نسبة الشباب تعتبر مرتفعة قياسا للمعدل العام في البلاد، وهو ما يؤشر إلى فرص أفضل بالنسبة للمستقبل، في ظل تعدد المبادرات للتوعية بأهمية مشاركتهم في الحياة السياسية. إذ تسجل مثلا مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات النقاشات عبر مؤسسات المجتمع المدني، الحقل المفضل للتواصل بالنسبة لفئات الشباب، اهتماما متناميا لدى الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين في القضايا التي تناقش في الرأي العام الألماني مثل قضايا الاندماج والهوية ومكافحة العنصرية ومعاداة السامية ومشاكل سوق العمل والمشاركة في الحياة الاقتصادية بالإضافة إلى قضايا المناخ.
أولا: ، وهو مؤشر تؤكده تقارير سنوية يصدرها المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة BKA، كما أظهرت مداولات البوندستاغ في الأشهر الأخيرة إثر سؤال طرحه نواب حزب اليسار على الحكومة الإتحادية بخصوص مدى استشراء “عداء المسلمين” في ألمانيا، أن حجم الجرائم ضد المسلمين، وكذلك التمييز العنصري ضدهم يتزايد باضطراد، ويستشري على نحو “ينذر بالخطر”. وهي ظاهرة لا تقتصر على المسلمين فقط بل أيضا تشمل معتنقي الديانة اليهودية، كما تشمل معظم البلدان الأوروبية.
وكلفت الحكومة الألمانية في الآونة الأخيرة مفوضا خاصا لدى المجلس الأوروبي مكلفا بملف مكافحة معاداة السامية والعنصرية. كما أعلن وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر عن تأسيس مجموعة خبراء مستقلة “ضد الاسلاموفوبيا”، وذلك استجابة لمطالب عدد من الهيئات الإسلامية، كما صرح بذلك زيهوفر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 على هامش “مؤتمر الإسلام بألمانيا”.
ثانيا: يعتقد خبراء في ألمانيا أن الجمعيات والمراكز الأكثر نشاطا في أوساط المسلمين هي فضلا عن كونها لا تمثل سوى 20 إلى 25 في المائة من المسلمين، فهي تتسم بتوجهات محافظة ويتوق معظمها إلى نشر “إسلام محافظ للغاية” يصطدم بقيم المجتمع الألماني الليبرالية، ومفاهيم الاندماج التي تسعى المؤسسات في ألمانيا إلى ترسيخها في أوساط المهاجرين.
وتثير هذه الإشكالية نقاشات واسعة في أوساط الجاليات المسلمة وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، وارتفعت في السنوات الأخيرة أصوات ليبرالية مسلمة مثلا عبر المجتمع المدني والنشاط النسوي وفعاليات الشباب. كما لوحظ أن عددا من الاتحادات والهيئات الإسلامية بدأت تؤكد على تمسكها بقيم الجمهورية الألمانية وعلى مفهوم “الإسلام الألماني” ونأيها عن التوجهات المحافظة أو المتشددة التي ترتبط بجماعات الإسلام السياسي أو بتأثير بعض المرجعيات أو البلدان التي ينحدر منها مهاجرون مسلمون، وذلك عبر تمويل مراكز دينية أو مساجد وإيفاد أئمة. وقد أثار هذا الملف إشكاليات منذ سنوات في علاقة بعض المراكز الإسلامية بدول خليجية أو إيران ، كما نشبت خلافات حادة في السنوات القليلة الأخيرة بين ألمانيا وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بسبب نفوذها على اتحادات إسلامية كبيرة بألمانيا.
ثالثا:
إلى وجود خطر كامن في حقل النشاط الحركي بين المسلمين سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر الهيئات الدينية والأيديولوجية. وبحسب إحصاء قامت به مؤسستا “إس في إر” و”بي إر” الإعلاميتين العموميتين، اعتمادا على تقارير وشهادات خبراء “هيئة حماية الدستور” بمناطق مختلفة من ألمانيا، يوجد في البلاد حوالي 13 ألف عضو نشيط في جماعات الإسلام السياسي “المعترف بها”.
وبحسب تقرير نشره موقع “تاغس شو” التابع للقناة العامة الألمانية الأولى، فان تأثير النشاط الحركي الإسلاموي يمكن أن يشمل عشرات آلاف آخرين من المتعاطفين أو المؤيدين لبعض المواقف المتشددة. وبرأي بروكهارد فراير رئيس هيئة حماية الدستور بولاية فستفاليا شمال الراين، كبرى الولايات الألمانية والتي تضم أكبر نسبة مهاجرين في البلاد، فان “الإسلاميين – المصنفين ضمن أحزاب أو جماعات معترف بها قانونيا – ليسوا أقل خطرا من السلفيين أو المتطرفين العنيفين”، ويوضح فراير بأن خطر هذه الفئة تكمن في محاولتهم التسلل إلى مؤسسات المجتمع والسياسة والتأثير والنفوذ فيها، و”بالتالي لا يقتصر خطرهم على التأثير على ديمقراطيتنا على المدى الطويل، بل يمكنهم أن يلحقوا بها الضرر بشكل خطير”.
وإضافة إلى فئة المنضوين في إطار جماعات الإسلام السياسي، تصنف السلطات الأمنية فئة أخرى تضم حوالي 700 شخص كعناصر “خطيرة” وتشتبه في أنهم قد يكونون أشخاصا لهم أدوار قيادية أو داعمة لجماعات إرهابية أو حتى عناصر اتصال ومساعدة لأشخاص خطيرين، ويشكل المتشددون العائدون من سوريا والعراق حوالي 50 في المائة من هؤلاء، بحسب تقرير لوزارة الداخلية الألمانية صدر في نهاية العام الماضي.
وتكمن خطورة فئة المصنفين “جهاديين” أو” إسلاميين عنيفين” برأي خبراء ألمان، في قدرتهم على اختراق النسيج المجتمعي للجاليات المسلمة، والتأثير الأيديولوجي فيها مثلا عبر شعارات “تطبيق الشريعة”، والذي يطال عشرات الآلاف خصوصا من الشباب عبر شبكات الانترنت.
وهو ما يطرح تحديات كبيرة على المؤسسات السياسية وخصوصا الأحزاب بالإضافة إلى هيئات المجتمع المدني والنخب النشيطة في أوساط الجاليات المسلمة لتوعيتها وخصوصا فئات الشباب منها، بتشجيع ثقافة المشاركة السياسية والإندماج مع اليقظة إزاء اختراقات الجماعات المتشددة والنفوذ الأجنبي.
أحمد حازم