بدون مؤاخذة-أسود رام الله والأصنام
تاريخ النشر: 24/10/21 | 12:00جميل السلحوت
ما أحببت الخوض في قضيّة من “استأسد” على منحوتات الأسود في منارة مدينة رام الله وقام بتحطيمها قبل أيّام، بغضّ النّظر عن الأسباب الكامنة خلف ذلك، فسواء كان الفاعل مدمن مخدّرات وكحول، وهذا ما أكّده الناطق بلسان الشّرطة الفلسطينيّة، أو كان تكفيريّا كما كتب “أسود صفحات التّواصل الاجتماعيّ”. لكن ما دفعني للكتابة بهذا الخصوص هو المقالات التي كتبها البعض معتبرا تكسير التّماثيل جهادا في سبيل الله، ودفاعا عن الدّين الحنيف.
وأنا هنا لا أفتي وغير مؤهّل للإفتاء، لكنّني سأدلي بدلوي في موضوع الأسود التّماثيل، فهل هي أصنام تُعبد حقّا؟ وهل نحتت ونصبت عند دوّار المنارة في رام الله ليعبدها النّاس؟ وهل هناك خطر من ردّة بعض المسلمين عن الدّين الحنيف ليعبدوها؟ وهل إيمان الشّعب الفلسطينيّ هشّ لدرجة يهزّه تمثال حجريّ؟ وهل مسلمو هذا العصر يفقهون أمور دينهم أكثر من الخلفاء الرّاشدين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وعليهم وسلم؟ وهل حطّم الرّسول الأعظم الأصنام عند فتح مكة لأنّها مجرّد تماثيل أم لأنّ هناك من اعتبرها آلهة وعبدها؟
وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها دعونا نعود إلى القاموس لمعرفة معنى “صنم”، وقد جاء في قاموس المعاني:” صَنَم: (اسم)
“الصَّنَمُ : تمثالٌ من حَجَرٍ أو خشبٍ أَو معدِنٍ كانوا يزعمون أَنَّ عبادتَه تقربهم إلى الله والجمع : أَصنام.
صنم: (مصطلحات)
“ما يُصوّر ويُعدّ للعبادة، سواء كان ذا روح أم لا، وصنعه محرم واقتناؤه كذلك، ويجب المبادرة إلى إتلافه. (فقهية)”.
ولننتبه لمفهموم مصطلح “الصّنم”، وهو:” ما يُصوّر ويُعدّ للعبادة”، فإذا كان ذلك كذلك ” فصنعه محرم واقتناؤه كذلك، ويجب المبادرة إلى إتلافه”. وهذا رأي فقهيّ أجمع عليه السّلف.
فهل نُحتت “أسود المنارة ونصبت” كمظهر فنّيّ حضاريّ لتزيين المكان أم لعبادتها؟
وإذا كان تحريم المنحوتات محرّم بالمطلق، فلماذا أبقى الصّحابة وتابعوهم وتابعو تابعيهم على التّماثيل الفرعونيّة، وآثار تدمر وبابل والبتراء والتّماثيل البوذيّة في جنوب شرق آسيا وغيرها؟
وهذا يقودنا أيضا إلى سؤال آخر وهو هل الفنون التّشكيليّة محرّمة دينيّا؟ وهل الرّسومات المأثورة في قصور الخلفاء العبّاسيّين كفر وردّة عن الدّين؟
وبما أنّنا كمسلمين نؤمن أنّ الإسلام يصلح لكلّ زمان ومكان، فهل الفنون التّشكيليّة السّائدة في هذا العصر وفي عصور سابقة كفر وإلحاد، وعلى المسلمين “الجهاد” للخلاص منها؟
وهل ما قامت به داعش وجبهة النّصرة وأخواتهما من قوى التّكفير من تدمير للمأثورات الحضاريّة بما فيها مقامات دينيّة إسلاميّة في سوريا وبلاد ما بين النّهرين أمر دينيّ وخدمة لدين الله وللمسلمين؟ وأنّ من سبقوهم من المسلمين وأبقوا عليها كانوا يجهلون أمور دينهم؟ وهل أنا وغيري كفرة عندما نحتفظ بصورة آبائنا وأجدادنا في بيوتنا؟ والحديث يطول.