“القائمة الإسلامية” موحدة في خدمة حكومة إسرائيل
تاريخ النشر: 17/12/21 | 15:03جواد بولس
في ساعات فجر يوم الثلاثاء المنصرم وبأصوات أعضاء القائمة الموحّدة ، الذراع السياسي “للحركة الاسلامية الجنوبية”، مرّرت الكنيست ثلاثة قوانين خطيرة جدًا تمسّ مباشرة بمصالح المواطنين العرب في إسرائيل وبحقوق الأسرى الفلسطينيين الأمنيين المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لقد أثار موقف الدكتور منصور عباس وزملائه حفيظة الكثيرين وحرّك ضدّهم موجة جديدة من الانتقادات الشديدة، وذلك لأن موقفهم الأخير يُعدّ سابقة في الحياة السياسية الإسرائيلية؛ إذ لم يقم في الماضي حزب إسلامي أو عربي بدعم مثل هذه القوانين ذات الأبعاد الأمنية، والتي ستفضي حتمًا إلى التضييق على حرّيات المواطنين وتنتقص من حقوقهم وستؤدي، كذلك، إلى زيادة فرص قمع الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون من ممارسات السجّانين وإضطهادهم اليومي.
وفقًا لأحد هذه التشريعات، ( “قانون الخدمة الأمنية، ( أمر مؤقت)، (وضع خريجي قوى الجيش في خدمة مصلحة السجون)، للعام 2005)، سيسمح بتعزيز مصلحة السجون الإسرائيلية بجنود من جيش الاحتلال، شريطة أن يستخدم هؤلاء الجنود في السجون، أو في الأقسام، التي يحتجز فيها الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، وحسب.
ويكفي في هذا الاشتراط أنه دليل على عدم وجود حاجة لهؤلاء الجنود من أجل تعزيز طواقم ادارة السجون أو لمعالجة نقص أو أزمة في الموارد البشرية، وأنه برهان على أنها خطوة تستهدف استقدام “قوة” عسكرية ستتكفل، عمليًا، بفرض مزيد من الترهيب بحق الأسرى. وإذا كان الوضع على هذه الحالة فيجب ألّا يغيب عن بال أحد ماذا سيحصل مع الأسرى الفلسطينيين في أول مواجهة مع تلك القوة العسكرية المستوردة؛ فعناصر الجيش التي سوف توكل “بحراسة” الأسرى الفلسطينيين سينفذون مهامهم وهم على درجة كبيرة من الاحتقان الدفين ومدفوعين بمشاعر الانتقام تحديدًا من أولئك الأسرى الذين يقبعون وراء القضبان بعد أن أدينوا في المحاكم العسكرية كمقاومين واجهوا الاحتلال وجنوده هؤلاء وأقرانهم.
أمّا القانون الثاني الذي دعمته “القائمة الاسلامية”، فقد أتاح للجيش إرسال وحدات خاصة لتعزيز قوّات الشرطة والأمن في عملها من أجل تحقيق أهداف “أمنية قومية” مثل مواجهة المظاهرات والاحتجاجات التي شاهدناه في شهر أيار/مايو المنصرم، أو التي قد تندلع في شوارع وساحات بلداتنا قريبًا.
لا تنحصر خطورة هذا التشريع في إسقاطاتها المتوقعة على نشاطات المواطنين العرب، وفي إمكانية تسخيرها كأداة مشروعة في عسكرة تعامل الدولة مع مواطنيها العرب، لا سيما في ساعات الشدة والصدام؛ بل يجب النظر إليها كنتاج لتدهور مكانة الدولة وعلاقتها مع جميع مواطنيها، وكخطوة كبيرة في اتجاه الغاء نظام حكم السلطات الثلاث، وكضربة حاسمة ضد دور القانون وسيادته.
قد يقول قائل ان إسرائيل لم تكن في يوم من الأيام إلا جيشًا يمتلك دولة؛ وفي ذلك ضرب من الصحة، ولكن ليس كلّها ؛ فهواجس الأمن المزمنة ومكانة الجيش والنزعة إلى تنزيهه حدّ القداسة، كانت جميعها من المفاهيم المؤسسة والسائدة داخل المجتمع الاسرائيلي وبين نخبه؛ ولكن، بالمقابل، لا يستطيع أحد أن يتنكر إلى كيف تطور هذا الكيان على ضفاف التاريخ، المدنية، الاجتماعية والاقتصادية، بالتوازي مع كونه كيانًا ذا نزعة عسكرية قوية ناشزة؛ فإسرائيل كانت تعيش بطبيعتين متكاملتين ومتصالحتين: الدولة “الاسبارطية” المتعسكرة المحتلة القامعة، ودولة المؤسسات والقانون تجاه مواطنيها اليهود، والعنصرية تجاه مواطنيها العرب. قلت كانت، لأنها لم تعد كذلك؛ فمنذ أكثر من عقدين فقدت إسرائيل “ميزان مائها” وصارت عبارة عن “معسكر” كبير ومعظم مواطنيها اليهود جنودًا وحياتهم معركة، لا قانون فيها بل حكم البندقية وصوت البارود.
القضية اذن، يا من بأصواتكم سهّلتم على أخيار “مملكة يهودا” مهامهم، ليست مجرد تعديل هامشي يبغون من ورائه قمع مظاهرات الشباب العرب في أول مواجهة تنتظرهم وراء المنحنى؛ بل القضية هي دوركم السيء في تمكين ماكنة النار من جلودنا، وفي ذرائعكم غير المقبولة التي لا تختلف عن ذرائع أمثالكم في التاريخ، حين ادّعوا انهم ليسوا إلا براغي صغيرة وأنهم يحاولون، من مواقعهم، التأثير وإفادة إخوانهم ببعض من الفتات وكثير من السراب.
أما القانون الثالث، الذي صوتت عليه الاسلامية في ذلك الفجر الأخضر، فقد أتاح لقوات الشرطة والأمن اقتحام بيوت المواطنين وتفتيشها من دون أن يكون بحوزتهم أوامر من المحكمة. لن أثقل على القراء في سرد تفاصيل الحالة القانونية السائدة قبل هذا التشريع، التي رغم ما أتاحته من هوامش تصرف كبيرة لقوات الشرطة ومن تضييق على حريّات الأفراد وبيوتهم، لكنها لم تصل إلى خطورة ما أجازه التعديل الأخير.
فبتصويتكم أيّها النوّاب العرب ألغيتم آخر الكوابح التي حافظت على بعض من حرمات بيوت المواطنين وعلى كرامات أجسادهم. إنهم الأغبياء والمتغابون فقط من لن يستطيعوا التكهن أو التخيل كيف ستستباح بيوت المواطنين العرب لأهون الأسباب وبأبسط الذرائع .
لا اقول هذا جزافًا بل كتقييم واقعيّ يكمل المشهد الذي وقفتُ على خطورته جرّاء اقحام قوات الجيش من أجل تأمين الأهداف “القومية الأمنية” للدولة، ويكفي أن نقرأ ما أعلنته الحكومة في تسويغات عرضها لمشروع هذا القانون، كي نفهم ما كان وراءه ومن هم ضحاياه المؤكدون، وذلك كما جاء، فإنّه “على ضوء ظاهرة الاجرام الخطيرة داخل المجتمع العربي، وعلى ضوء الصعوبات الخاصة بنفاذ القانون في هذا المجال، قررت الحكومة أن تشرّع، بشكل طاريء، قضية تفتيش الأماكن من دون أمر محكمة”. ألم يقرأ النوّاب العرب، وليس فقط أعضاء القائمة الموحدة الإسلاميين، هذا الهراء والاستهبال ؟ وهل فعلًا هذا ما كان ينقص الدولة كي تنجح بمحاربتها لظاهرة الاجرام الخطيرة داخل المجتمع العربي؟
لقد صوّت مع هذه القوانين تسعة أعضاء عرب، ولكن سيبقى تصويت أعضاء القائمة الموحدة/الاسلامية أبرزهم وأكثرهم غرابة واستفزازًا؛ فأولئك الأعضاء الخمسة (من أحزاب: ميرتس، والعمل، وكاحول لافان، ويسرائيل بيتينو)، يمثلون أحزابًا صهيونية، لها أجنداتها وتاريخها ومفاهيمها الخاصة لطبيعة علاقاتها مع مجتمعها اليهودي ومع مصوّتيها العرب؛ وهم في البداية والنهاية ملتزمون بقرارات أحزابهم، بينما تبقى “القائمة الموحدة”، الإسلامية الهويّة والعربية المنشأ، ابنة مجتمعها الذي سيتأذى بسبب قراراتها ومواقفها.
لا أعرف مَن ما زال يتذكر كيف هوجم أعضاء القائمة الاسلامية الموحدة جراء تصويتهم ضد قانون لم شمل العائلات الفلسطينية، في شهر تموز / يوليو المنصرم. كما لا أعرف من ما زال يتذكر كيف كان رد فعل الدكتور عباس وصحبه على تلك الانتقادات الصارخة؟ لكنني أذكر كيف استمر هو ورفاقه بنشاطهم البرلماني، كحليف متين في حكومة شاكيد – بينت، ونشاطهم الميداني حين كثّفوا من زياراتهم للمجالس العربية، المحلية والبلدية، التي استقبلتهم بأجمل الترحاب وبكامل التأهيل.
لم تمض أكثر من خمسة شهور على تلك الواقعة، ولم تتراجع القائمة الاسلامية الموحّدة عن نهجها، بل ما زالت توغل فيه يومًا بعد يوم، وتتواصل، في نفس الوقت، مع مراكز القوى المحلية وتوطّد علاقاتها مع نخبها البلدية المنتخبة.
ويكفي القاء نظرة خاطفة على صفحة الدكتور عباس لنعرف اين كانوا أمس وأين راحوا قبله، ومن استقبلهم بحفاوة الحلفاء من “الجلبواع” في الشمال وحتى أقاصي النقب في الجنوب؛ وذلك رغم جميع الأصوات التي تندد، وبحق، بمواقفهم الداعمة لحكومة بينت -شاكيد. وللحقيقة فلقد توقعت، وكثيرون مثلي، ذلك.
ما زلت على قناعة أن خطابَي الحركتين الاسلاميتين، الجنوبية والشمالية، رغم الفوارق بينهما واختلاف المناهج، يشكلان تحديات كبيرة لسائر الأحزاب والحركات السياسية غير الدينية، كما وأنهما يضعان أمام مؤسسات المجتمع المدني مهامًا ثقيلة وصعبة. وما دمنا نتحدث عن الحركة الاسلامية الجنوبية، فالتزامها أمام أتباعها بالعمل السياسي، في واقعنا المشوه، وفق منهج “النفعية المطلق”، من جهة واحدة، وتمسكها بالعمل من أجل بناء “مجتمع محافظ”، من جهة ثانية، سيفضي حتمًا الى استمرارها بالسير على نفس طريقها الحالي الذي قد يؤدي إلى زيادة في قوتها الشعبية. وستبقى حليفة للحكومة حتى تختمر ظروف الطلاق منها، ولن تكون “العصمة” بيدها.
هذا ليس قدرنا، نحن المواطنين العرب في اسرائيل، لكنه سيكون مصيرنا إذا بقينا في هذه الحالة من السبات والعجز …