متنفَّس عبرَ القضبان (46)
تاريخ النشر: 28/12/21 | 19:26حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
“العزيمة تُربّي الأمل”
التقيت عصر الأربعاء 22 كانون أوّل 2021 في سجن الدامون في أعالي الكرمل بالأسيرة المقدسيّة أماني خالد الحشيم، أطلّت ضاحكة ضحكة منتفضة، استفسرت “جيت بالسيّرة الزرقة الكشِف تروّحني؟” وبدأت تسرد ما جرى في السجن في الأيام الأخيرة، وبدأت حملة الاحتجاج على أثر النقل التعسّفي للأسيرات من غرفة لأخرى والتهديد بإغلاق غرفة 11 وحرمانهن من التجوال في رحاب الكرمل عبر طاقتها، وصُعّدت بعد عزل مرح وشروق ومنى، وما وراء حملة التنكيل ضرب مشروع التعليم والتعلّم للأسيرات وأخبرتني عن إعلان إيمان ونورهان وميسون وشاتيلا الإضراب عن الطعام.
تبادلنا التحايا؛ أوصلتها سلامات الوالدة والأبناء وحسام، وأوصلتني بدورها سلامات الصبايا.
تناولنا نشاط “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” وأثره على الأسيرات و”التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين”.
حدّثتني عن القراءة الجماعيّة لكتاب “أسرى وحكايات” للصديق أيمن الشرباتي (المواطن)، وناقشنا مشروعها الكتابيّ؛ “العزيمة تُربّي الأمل”، نجحت المخطوطة باختراق القضبان، ووعدتها العمل على مراجعته وتحريره ومن ثم إصداره يوم عيد ميلاد أحمدها، 27 يناير.
حدّثتني عن لحمة الأسيرات وتكاتفهنّ لعبور الأزمة، ثباتهن وعزيمتهم ومعنويّاتهن العالية.
بدل أن أشدّ من عزيمتها وجدتها تمدّني بالطاقة والحماس.
“هاي مجرّد كدمات وبتروح”
بُعيد لقائي بأماني أطلّت عليّ الأسيرة المقدسيّة إيمان نعيم الأعور، أطلّت ضاحكة ضحكة استفزّت السجّان المرافق وأربكته، بدأت مباشرة تقصّ على مسامعي ما جرى في السجن في الأسبوع الفائت، قسوة وجبروت السجّان والعنف الذي مارسه تجاهها وزميلاتها وآثار 3 بوكسات على الوجه والعين ومخالب/ أظافر السجّانة عالقة على كتفها اليمين ورغم هذا “المعنويّات فولاذ والصحّة حديد وهاي مجرّد كدمات وبتروح”.
بدأت حملة احتجاج جماعيّة مع زميلاتها وأخبرتني عن إعلانها ونورهان وميسون وشاتيلا الإضراب عن الطعام صباح اليوم إلى حين تتحقّق مطالبهن، وأهمّها إنهاء عزل مرح وشروق.
أوصلتها سلامات العائلة، الهديّة التركيّة التي تنتظرها من هيام، ولادة هبة المنتظرة بعد يومين وهي بعيدة عنها، تخرّج هداية وأحوال الحج عبد والشباب والبنات.
استفسرت عن صديقتها أم بَيِّنَة الزعتريّة التي كتبت: “في حضرة الليل ينام الجميع وتهدأ الأصوات ويصحو صوت الحنين لا أسمع في دجى الليل إلا صوتك يهدهد عتم ليلي الذي زاد سوادا بغيابك..” لتطمئنها بدورها “مخزّنة كلّ شي بذاكرتي لئلّا يسرقها السجّان ويصادرها ومشتاقتلك يا …”.
استفسرت عن النشاط والوقفات جانب السجن فأخبرتها عن نشاط “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” ونقلت لها تحايا “التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين”.
بعثت سلامات لأمها وزوجها والأولاد وأخوتها، مباركة لهداية بالشهادة، وآملة بالسلامة لهبة والمولود المنتظر.. ولِكِنّتها غدير بمناسبة عيد ميلادها.
من أين لك هذا التفاؤل وهذه الطاقة والقوّة يا إيمان!
“الميمَعة”
بُعيد لقائي بأماني وإيمان أطلّت عليّ من غرفة العزل الأسيرة مرح جودة موسى بكير، أطلّت مرِحة ضاحكة، وقبل أن تصلني لمحَت في المَمرّ أسيرة جديدة وصلت للتوّ، نفوذ حمّاد، فوقفت لتطمئنّ عليها وتطمئنها، بدأت تسرد لي ما مرّت به وزميلاتها في الأسبوع الفائت، ولكن كلّ محاولات السلطات لم تحبط عزيمتها ولم تكسر شوكتها، وهي في غرفة العزل برِفقة زميلتها شروق دويّات (عزل مُنى انتهى يوم الاثنين)، تعمل على إرجاع الأدوات الكهربائيّة التي صودرت، إعادة فتح غرفة 11، وتحصيل التليفونات العموميّة للتواصل مع الأهل وخاصّة بعد منع الزيارات لأسباب واهنة.
طمأنتني مرارًا وتكرارًا على شروق وحدّثتني عن المفاوضات لإنهاء العزل وتهدئة الأمور، والتواصل مع عمّار ومُصعب، ووعدوها بأنّ الأمور ستُحلّ في الساعة القريبة أو بالكثير صباح الغد.
الليّ صار ظلم بظلم، علّمها الكثير وتواعدنا أن نكتب كتابًا مشتركًا نسمّيه “الميمعة”.
حين سألتها سرّ الضحكة الملازمة أجابتني بعفويّة مطلقة: “لكلٍّ من اسمه نصيب. وأنا اسمي مرح. اسم على مسمّى”.
تثمّن عاليًا كلّ مجهود يُبذل من أجل أسرانا، قلقانة ع الشباب، وتشكر كلّ من يتذكّر أن هناك أسرى خلف القضبان ويفكّر بهم.
طلبت أن أوصل رسالة لوالدتها: “مرح كيف بتعرفيها. تِربايتِك”.
أوصلتها تحيّات “التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين” والمؤتمر القادم في بداية حزيران في مالمو/ السويد وأعربت عن رغبتها بالمشاركة “ويا ريت وجاهي!!”.
لكُنّ عزيزاتي: أماني، إيمان، مرح، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.
كانون أوّل 2021