الفرنسي ماكرون وانعدام الثقة بالروسي بوتين
بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 14/02/22 | 13:46صحيح أن الحرب الباردة انتهت (نظريا) بين الشرق والغرب بانهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط الشيوعية، لكنها من ناحية عملية لا تزال ملموسة بين القطبين العدوين الشرق والغرب. ومهما تبدو العلاقات طبيعية بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، إلا أن ذلك لا يعني (نسيان الماضي) وفتح صفحة جديدة خالية من التوترات.
وما يحدث حالياً فيما يتعلق بالتوتر الحاصل بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، بسبب أوكرانيا ، والتخوف من اندلاع حرب تكون أوكرانيا سببها، هو برهان على ذلك.
الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى موسكو قبل أيام، كانت تستهدف وضع حد للتوتر القائم هناك، وإبعاد شبح الحرب عن أوكرانيا. لكن ماكرون لم يستطع إقناع الرئيس الروسي بقبول الموقف الأوروبي حول هذه المشكلة، لأن بوتين تربي سياسياً وأمنياً في أحضان الشيوعية وكبر وعمل مع الإستخبارات المركزية الروسية (كي.جي.بي) ويعرف نوايا خصمه، ويؤمن بالقول الشعبي “ما في شي بيجي من الغرب بسر القلب”. الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يحمل اللقب الثاني في الشؤون العامة من معهد الدراسات السياسية في باريس رفض بعض بنود البروتوكول بينه وبين مضيفه بوتين حامل الدكتوراه في العلوم السياسية، الذي تدرج من عميل لجهاز المخابرات الروسي (كي جي يي) إلى زعيم الكرملين. والسبب طبعاً كورونا.
ماكرون برفضه، أقهم الروس أنه لا يثق بهم بتاتاً لأنه رفض بشكل قاطع إجراء فحص كورونا من قبل طبيب روسي خلال وصوله إلى موسكو. فلماذا رفض ماكرون ذلك؟ على ذمة وكالة رويترز، كشف مصدران من المرافقين للرئيس الفرنسي أن ماكرون رفض طلب الكرملين إجراء اختبار كورونا له في روسيا لأسباب أمنية، وبالتحديد لمنع الروس من وضع أيديهم على الحمض النووي لرئيس فرنسا، أي خوفًا من الحصول على بصمته الوراثية (دي إن إيه DNA).
في هذه الحالة، لم يكن أمام ماكرون سوى خيار واحد من خيارين: فإما القبول باختبار (بي.سي.آر) تجريه السلطات الروسية للسماح له بالاقتراب من بوتين أو الرفض الذي يعني ضرورة التزامه بقواعد تباعد اجتماعي شديدة الصرامة. فاختار الخيار الثاني . وهذا يعني عدم المصافحة وضرورة وجود مسافة بطول خمسة أمتار بينه وبين بوتين حفاظاً على صحة الرئيس الزائر والرئيس المضيف. الجانب الروسي رفض قبول اختبار (بي.سي.آر) الفرنسي في المطار قبل مغادرة ماكرون واختبار أجسام مضادة أجراه طبيبه الخاص، بحجة أن بوتين يجب أن يبقى في بيئة صحية محكمة الإغلاق.
وبغض النظر عن الإشكال الذي حصل بموضع اختبار كوورونا، هل توصل ماكرون إلى تفاهم مع مضيفه بوتين بشأن أوكرانيا؟ محلل الشؤون الدولية سيرغي بيرسانوف يعتقد بأن “مباحثات ماكرون مع بوتين كانت مفيدة وأن الزيارة قد تساهم ولو بقدر ضئيل في تكوين عناصر الثقة التي قد تمهد في وقت لاحق لإيجاد حل وسط بشأن القضايا المعقدة التي تراكمت بين روسيا والناتو، ولا سيما الأزمة الحالية والأوضاع غير السارة في الملف الأوكراني، منعا للذهاب نحو الهاوية”.
ويبدو أن تحليل الروسي سيرغي بيرسانوف هو للتهدئة فقط. وما يجري الآن هو عكس ذلك ويوحي بأن الحرب قادمة بسبب الوضع في أوكرانيا. فالكثير من الدول ومن بينها دول أوروبية وحتى روسيا نفسها، طالبت رعاياها بمغادرة أوكرانيا فوراً وقامت بسحب ممثليها من هناك. وهذه إشارة واضحة على أن الوضع غير مريح.
فهل يعود الطرفان إلى رشدهما ويمنعان حدوث كارثة ستحول ملايين البشر إلى رماد في حال وقوعها؟