نساء عربيات يمسكن بدفّة الصناعة المحلية
تاريخ النشر: 08/03/22 | 8:01في عالمنا الحديث، أصبحت فرص العمل أكثر تكافؤًا عما قبل، خاصة إذا كان الحديث عن تكافؤ فرص العمل ما بين الرجال والنساء. مع هذا ما زلنا نفتقر الى واقع تحتل فيه المرأة مركز القيادة خاصة في المرافق الصناعية والاقتصادية، اذ ان المعيقات عديدة والفرص نادرة.
مع حلول الثامن من آذار وهو يوم المرأة العالمي، نسلط الضوء من خلال هذا التقرير على مجموعة من النساء العربيات الرياديات اللواتي يشغلن مناصب إدارية رفيعة المستوى في مصانع وشركات محلية مرموقة، وذلك للوقوف على عملهن عن كثب ومساهمتهن في النجاح وخلق أجواء عمل فريدة يحتذى بها.
بداية تحدثنا الى السيدة تغريد حسن من الناصرة – مديرة خطوط انتاج في مصنع “أفيفيت” لتصنيع البسكويت منذ 16 عاما تقريبا. وتقول تغريد في حديثها الينا:” بدأت في مصنع أفيفيت لتصنيع البسكويت كعاملة عادية على خط انتاج وبورديات صباحية ومسائية. بعدها انتقلت للعمل ولمدة 9 سنوات كمراقبة جودة منتج من بداية عملية تصنيع المواد الخام – العجين- وحتى وصوله للأسواق. عملت أيضا كمراقبة للمواد الخام التي تصل للمصنع. اليوم انا اعمل مديرة خطوط انتاج في الشركة، من خلال عملي أقوم بملائمة مراحل الإنتاج وتصنيع المنتج، وملائمة كمية العمال بكل خط انتاج وما الى ذلك. انا مسؤولة عن 54 امرأة عاملة على خطوط الانتاج، ولكل واحدة منهن مشاكلها وظروفها الخاصة وكوني المسؤولة المباشرة عليهن، فيترتب علي العمل على تحديد الورديات لتتلاءم وظروفهن إضافة لتتبع سير العمل على خطوط الإنتاج”.
وأضافت حسن قائلة:” خلال فترة الكورونا وحتى اليوم أحاول دائما ضمان صحة العمال للحفاظ على ديمومة عمل خط الإنتاج، والتأكد من استعمال الكمامات الواقية بشكل مستمر، في حالة وجود نقص في العمال بسبب الحجر، أحاول إيجاد عمال بديلين من ورديات أخرى لتقليص الفجوات. واجهت في البداية الكثير من الصعوبات في العمل وخصوصا البعد عن الاهل لساعات، من خلال العمل بورديات عديدة وأيضا الابتعاد عن الأصدقاء. واجهت العديد من التحديات خصوصا مع العمال الرجال الذين لا يتقبلون أحيانا أي ملاحظة مني كامرأة مسؤولة عنهم، أدركت من خلال عملي انه علي ان اكون قوية دائما وأُصر على رأيي المهني للوصول لأفضل نتيجة. اشعر من خلال عملي بثقة نفس عالية، فكان حلمي دائما ان أكون قائدة وفي المقدمة. وهذه الوظيفة منحتني ذلك وما زلت اتوق للتقدم أكثر وأكثر”.
واختتمت حسن حديثها:” هناك من يدعي انه من العيب للمرأة ان تعمل في مصنع، ولكن رسالتي للنساء ان لا تخجلن ابدا بما تعمل. أقدّر كثيرا المرأة العاملة لأنها بالنهاية تخرج للعمل وتترك العائلة والأولاد من أجل لقمة العيش. المصانع اليوم تعتبر مكان عمل متقدم جدا وعصري وملاءم للمرأة”.
كما تحدثنا الى السيدة إلين عساف من معليا- مديرة إنتاج في شركة USR للأجهزة الالكترونية
حيث قالت:” اعمل في الشركة منذ 33 سنة. فبعد انهائي الثانوية تسجلت لتعلم التمريض في مستشفى نهاريا، وتبين فيما بعد ان الأولوية حينها كانت لاختيار النساء المتزوجات، فقررت الذهاب للعمل في شركة USR. في البداية عملت كعاملة انتاج عادية، ومع السنوات بدأت بالتقدم في الوظيفة حتى أصبحت نائبة مدير انتاج حيث اعطتني الشركة الفرصة في ابراز قدراتي وخبرتي أكثر. عام 2006 اشغلت منصب مديرة انتاج حتى هذا اليوم. خلال عملي اعمل مقابل العديد من الزبائن في المجال الطبي، والاتصالات، ومجال التجميل وغيرها ويقع تحت مسؤولتي حوالي 120 عاملا. أحب عملي كثير ولهذا احضر للشركة يوميا باكرا جدا، في بعض الأحيان اسبق العمال وأقوم بتجهيز قاعات العمل لهم. أشعر بالمتعة في عملي وخصوصا عند رؤية المنتج النهائي الذي طلبه الزبون يخرج الى النور. لا اجزم انه في البداية واجهت التحديات، ولكن كان علي ان اتخطى ذلك لأنجح. فالمسؤولية والخبرة كان لها الجزء الأكبر بنجاحي. أقول للمرأة التي تنتابها تخوفات من العمل في مجال الصناعة ان تضع مقولة “كونك امرأة إذا لن تنجحي” جانبا، اليوم لا فرق بين رجل وامرأة، بل هناك انسانة تملك طاقات أو شهادات او قدرات والتي تخولها لخوض تجارب وخبرات في العمل للوصول لأعلى الدرجات”.
اما السيدة ماري لبس- مديرة وصاحبة شركة كهرباء ماري ورئيسة منتدى النساء في اتحاد ارباب الصناعة لواء الشمال فتحدثت عن مسيرتها وقالت:” انهيت دراستي الاكاديمية في مجال هندسة الكهرباء من التخنيون عام 1995 ومنذ البداية واجهت صعوبات في البحث عن عمل. قبولي في عالم هندسة الكهرباء لم يكن سهلا وكان علي ان افرض وجودي، لكي اثبت جدارتي بما يعادل عشرة اضعاف عن أي زميل رجل أخر، مع العلم أن وجود امرأة في ادارة ورشات عمل كان آنذاك بالأمر المفاجئ لدرجة اثارت الاستهزاء عند البعض”.
وأضافت لبّس أيضا:” بداياتي كانت في شركة الفا اوميغا وبعدها في شركة كهرباء الناصرة، كموظفة تعد تقارير العمل والأمور المكتبية، وبعدها أثبتت نفسي وقدرتي على ادارة ورشات عمل الشركة في الميدان حتى وصلت لمفترق طرق عام 2006 اما ترك العمل وبناء مشروع خاص لي او الاستمرار بوظيفة أفضل. فحصلت على وظيفة إدارة قسم الاشغال والالواح الكهربائية في الشركة وطوّرت القسم ليخدم ورشات مختلفة وليس فقط الورشات التابعة للشركة وتطوير الالواح مع كل متطلبات معهد المواصفات الإسرائيلي، عام 2013 وصلت لمفترق طرق إضافي، وهو ان أكون شريكة في الشركة او الانسحاب. بعد مفاوضات أقمنا شركة كهرباء الناصرة للهندسة وكنت شريكة فيها. حتى قررت اخذ الشركة بالكامل تحت ادارتي عام 2019 لتصبح فيما بعد تحت أسم “كهرباء ماري”.
وواصلت لبّس حديثها قائلة:” في الشركة لدينا اليوم حوالي 70 عاملا اضافة للمقاولين الثانويين. لدينا مجموعة عمال من مختلف البلدات والأديان والاجيال فالتعددية مهمة لي كجزء من مساهمتي للمجتمع لنكون بمكان أفضل. دائما أقول للعمال نحن لا نعمل في الكهرباء فحسب، بل نضيء ألاماكن. واشعر بالسعادة والفخر عند إضاءة مشروع بالكامل، وخصوصا مشاريع تهم مجتمعنا كالمستشفيات وغيرها. فحن نضيء ونساهم ببناء الحيز الذي نعيش به. أتمنى وجود العديد من النساء في وظائف إدارية كهذه فلدينا كنساء طابع خاص، أولا لنثبت للرجال اننا نساء قادرات. ان تكوني امرأة مسؤولة فهذا يعني انه بإمكانك تغيير قوانين اللعبة. فمثلا من خلال موقعي كصاحبة الشركة يهمني ان يشارك العمال الرجال بالأخص بالفعاليات والنشاطات العائلية من أعياد ميلاد الابناء وافراحهم وبرامجهم فذلك ليس حكرا على زوجاتهم واتفهم طلب أي عامل بالذهاب للمشاركة في مناسبة لأحد ابنائه. فهذه الأمور يمكنها مساعدة مجتمعنا لان يكون أفضل”.
واختتمت لبّس حديثها: “رسالتي للفتاه التي تود العمل في هذا المجال او أي مجال تحبه ان لا تتأثر بما يقوله المجتمع. فما تفعلنه هو الصواب بحق نفسها وبحق مجتمعها فعندما تعمل الفتاه في مكان تحبه فهي تستطيع الابداع من خلاله. فاليوم انا مثال واقعي لتلك المرأة القادرة والمبدعة في مجال الكهرباء. ونصيحتي للنساء ان ان لا يرين بمنظومة العمل التي يعملن فيها كشيء يحول دون تعزيز قيم الشراكة عند الأولاد”.
اما السيدة رانية زعطوط المديرة المالية ونائب مدير في مجموعة سامي زعطوط فقالت بدورها:” لم يكن انخراطي في مجال الصناعة مع زوجي في شركتنا أمرًا اختياريًا، بل جاء نتيجة حاجة للمساهمة في إدارة الشركة من نواح عدة، لمتطلبات العمل الناجح والإدارة السليمة. طبيعة هذا المجال مليئة بالصعاب، وتطلّب الامر من زوجي العمل ساعات كثيرة، بحيث كان من الصعب خلق توازن بين العمل الإداري والحقل. لذلك قمت بتحمل ما يمكنني من الأعباء الإدارية حتى نصل إلى مرحلة من التوازن. لقد تخللت هذه الرحلة مصاعب وتحديات جمة حتى وصلتُ إلى منصب نائب مدير”.
وأضافت زعطوط:” نحرص في الشركة على الحفاظ يوميًا على ساعة الإفطار المشتركة. هذه مسألة لا نتنازل عنها أبدًا، احيانا نتناول الإفطار مع الطاقم أو مع جزء منه. هذه الفرصة تمنحنا أجواء لطيفة خلال يوم العمل. لكن أستطيع القول إن أكثر ما يُشعرني بالمتعة هي اللحظة التي أواجه فيها مشكلة ما تحتاج حلاً. فلا أجد هذا الحل. أقول عندها في نفسي: “إن قمت بنفس الخطوات فسأحصل على النتيجة نفسها” أترك المسألة جانبًا وأعود إليها بعد عشر دقائق، ودائمًا ما أجد لها حلاً. إن التحدي الأكبر الذي أواجهه هو ايجاد التوازن ما بين الأمومة وطبيعة العمل. العمل يتطلب مني ساعات كثيرة، لكني أحرص أن تكون هذه الساعات محددة مسبقًا قدر المستطاع، حتى أتمكن من القيام بواجبي كأم، وأن أكون حاضرة دائما من أجل أسرتي، التي هي الأمر الأهم في حياتي. إن الترابط العائلي واللُحمة الأسرية كانت دومًا بالنسبة لي أولوية إلى جانب حياتي المهنية”.
واختتمت زعطوط حديثها قائلا:” وجودي في هذه الوظيفة المرموقة وعملي المهني، مع التواضع والابتسامة، واحتواء الآخرين، منحتني القدرة على التأثير والتقدم في مسيرتي المهنية. فبعد نحو عشر سنوات من وجودي كامرأة وحيدة في الشركة، أدخلت إلى الشركة عشر نساء رائعات، قياديات، ورياديات، جلبن معهن النظام والابتسامة. أنا أؤمن بأن القيادة تؤخذ ولا تُهدى. فنحن النساء نتعب من أجل الوصول إلى النجاحات ولا تصلنا على طبق من ذهب. في الحقيقة تستمد الشركة قوتها، بالإضافة إلى نسائها، من طاقم رجال مهنيين ورائعين موجودين في جميع المناصب والوظائف. وقد نجحنا في بناء علاقات طيبة ومهنية تتسم بالاحترام والثقة، والتي ساهمت بشكل جوهري في دفعنا نحو النجاح”.