العنصريّة والهوس الديمغرافيّ
د. تغريد يحيى- يونس
تاريخ النشر: 28/10/22 | 15:05“بالنسبة لتكاثر السّكان وتكاثر الشّريحة السكانيّة الإشكاليّة، ما يهزمنا [نحن اليهود الإسرائيليون] هو الإنجاب. أقصد الرّحم العربيّ. […]”
هذا هو جزء من التّصريح العنصريّ بامتياز للبروفسور جِدعون ساهَر، مدير قسم القلب من مستشفى سوروكا وجرّاح مرموق في صندوق المرضى “كلليت”. تفوّه به في مؤتمر انتخابيّ للمرشّحة اليمينيّة أييلت شكيد في مستوطنة عومر المجاورة لمدينة بئر السبع، قرابة الأسبوع قُبَيل موعد انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين. وقد أثار تصريحه العنصريّ غضب واستياء المواطنين الفلسطينيين ومن به/ا ذرة حساسيّة تجاه العنصريّة. عبّر فلسطينيو وفلسطينيّات أراضي 48 عن غضبهم واحتجاجهم من على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين بإقالة صاحبه، وتوجّهت لجنة متابعة القضايا الصّحيّة في المجتمع العربيّ ومنظّمات حقوقيّة وجمعيّات مدنيّة أخرى إلى وزارة الصّحة وجهازها برسالة تطالب باتّخاذ خطوات صارمة ضده، إذ “من يرى بالرّحم العربيّ تهديدًا، لا يُؤتمن على معالجة قلوب العرب قطعيًّا”.
إذا كان هذا التّصريح العنصريّ سافرًا صارخًا ومستهجنًا نظرًا لصدوره عن شخص بهذا المستوى العلميّ والمهنيّ وبالذات في حقل الطّبّ والصّحّة ونظرًا لما تفرضه مهنة الطبّ وأخلاقياتها تجاه البشر كافة، فالحقيقة أنّه بالمجمل ليس استثنائيًّا أو خارجًا عن المألوف في المشهد الإسرائيليّ في العقدين الأخيريْن. والأهم والأكثر جذريّة وتجذّرًا أنّه ليس غريبًا عن مبادئ الصهيونيّة! فهو يرتبط بإحدى ركائزها، وهي ركيزة العامل البشريّ (السكان، الشعب) معبَّرًا عنه بالديمغرافيا. من أجل فهم التصريح أكثر وفهم ما يشبهه من تصريحات لفظيّة وكتابيّة، وفهم خطورته، نحتاج إلى وضعه في سياقه الأوسع.
تعتبر الديمغرافيا أحد العلوم الاجتماعيّة الحديثة، وتُعنى بدراسة وبحث التركيبة السكانيّة لمجتمع/دولة معينة من حيث الفئات الاجتماعيّة التي تتكّون منها على أساس العرق، وعلى رأسها القوميّة والإثنيّة بأنواعها، وعلى أساس التحصيل التعليميّ، وفئات الجنس، والفئات العمريّة، والطبقات الاجتماعيّة، وبحسب الحالة الاجتماعيّة، والوضع الصّحيّ، والحراك الجغرافيّ، والحراك الاجتماعيّ وغيرها. كذلك تهتمّ الديمغرافيا بدراسة التغيّرات التي تطرأ على التركيبة السكانيّة، وبالسيرورات التاريخيّة، الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة، والثقافيّة ذات الصّلة. ترصد الدول الحديثة تركيبتها السكانيّة وتجري إحصائيّات وتوفّر معطيات حول ذلك. وتعتمد الدول الحديثة على نتائج وتبصّرات الدراسات الديمغرافية لوضع سياسات ترمي إلى ترشيد وتحسين حياة مواطنيها ومواطناتها. إسرائيل هي حالة يذهب فيها الاهتمام بالديمغرافيا إلى حدّ الهوس، وَيَرْتَهِنُ بطبيعة النظام الاستعماريّ الاستيطانيّ، وتُسخّرها لحاجاتها ومصالحها وتطلّعاتها، وتعتبرها مصدر رهاب من نوع يمكن أن أسميه “ديمغرافوبيا”.
الاستعمار الاستيطانيّ والهوس بالديمغرافيا:
نظام الاستعمار الاستيطانيّ هو نوع خاصّ من الاستعمار مختلف عن الاستعمار الكلاسيكيّ. فهو يأتي ليبقى. وهو مبنيّ أساسًا على مبدئيْن هما المَحْو والإحلال. مَحْوُ كلّ ما هو أصلانيّ وإحلال ما هو إستعماريّ على الأرض. ذلك في الأمور الرمزيّة كأسماء المدن والقرى والأماكن والشوارع، والأمور الثقافيّة كاللّغة وغيرها، لكن أولًّا وأصلًا يسري ذلك على العنصر البشريّ، إذ يهدف هذا النظام إلى التخلّص من وجود السّكان الأصليين، والاستيلاء على الأرض، وإحلال المستعمِرين مكانهم.
إنشغلت الصهيونيّة منذ بداياتها بالعنصر السكانيّ. في اختيارها لفلسطين، دونًا عن كلّ الخيارات التي عرضها عليها العالم، لتحقيق مشروعها الحداثيّ بدعوى وشرعيّة لاهوتيّة. روّجت لمقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، مقولة ترمي إلى محو شعب بتاريخه وحضارته. أخذت المرحلة الأولى شكل عمليّات تطهير عرقيّ ممنهج ارتكبتها القوّات الصهيونيّة. ذروتُها إبّان الحرب وخلال العام 1948 إذ قامت بالمجازر (دير ياسين، الطنطورة، الدهامشة وغيرها) وبتهجير وترحيل أهل البلاد، وأوقعت بهم النكبة. وبالنتيجة أفرغت المدن الفلسطينية من أهلها ومحت عن وجه الأرض مئات القرى. ولا زالت النكبة والتهجير مستمريْن، فهما ليسا حدثًا واحدًا، بل بِنْيَة مستمرة. على الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل بقي حوالي 15% فقط من مجمل السّكان العرب قبل ذلك. فيما استولى المهاجرون اليهود على بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم، ونهبوا مكتباتهم الشخصيّة وأرشيفاتهم. واستمرّت الهجرة اليهوديّة إلى البلاد واستمرّت سياسات استجلابهم الممنهجة، وفي المقابل استمر ارتكاب المجازر لدفع العرب للتهجير (مجزرة كفر قاسم، 1956، مثالًا) واستمرّت سياسات التّهجير والتّرحيل المباشرة (حالة قريتيْ إقرث وبرعم، والقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، والشيخ جرّاح، نماذج)، وتلك المقنّعة على هئية تضييق الخناق وسبل العيش الكريم، مما اضطر ويضطر حالة من الهجرة المتواصلة لأفراد وأسر كاملة من شرائح معينة.
تضع الدولة هدفًا أعظم لها هو الحفاظ على أكثريّة يهوديّة طاغية، وعلى أساس هذا الهدف فقد اتّخذت سياسات متناقضة اتجاه المجموعتين القوميتين، اليهود والفلسطينيين. وقع موضوع التكاثر الطبيعيّ والإنجاب ولا زال يقع في محور هذه السياسات والخطابات، بمعنييْها، وعلى النحويْن المُضمر والمُعلن.
تقوم الدولة بمساعٍ ممنهجة للتحكّم والسيطرة على تركيبة السكان فيما يتّسق وهدفها الأكبر هذا. في مقابل تشجيع اليهود على الإنجاب والتكاثر، هنالك محاولات لتحديد إنجاب الفلسطينيين. “مراكز الأم والطفل” التي أقامتها الدولة في القرى والمدن العربيّة خلال العقدين الأولين لقيامها كانت إحدى آليات تحديد إنجاب العرب. هدفها المعلن كان تقديم الخدمات والرعاية للأم والطفل/ة، لكن هدفها المضمر كان تحديد إنجاب النساء العربيات بواسطة “تثقيفهن” وتوفير وسائل منع الحمل لهن، ليس بالضرورة بحسب رغبات النساء أنفسهن وتفضيلاتهن. حتّى التعليم وما استلزمه من فتح مدارس وخدمات في القرى والمدن العربية وفق التزايد الطبيعيّ للسكان بعد قيام الدولة جُيّر لأمور كثيرة في خدمة المؤسسة وتطلّعاتها، وفيما يتعلق بموضوع المقالة المحوريّ فقد هدف توفيرها إلى خفض الإنجاب لديهنّ. ليس هذا تخمينًا أو تحليلًا بل معطيات وتصريحات موثّقة في أرشيفات حول قرارات الوزارات واللّجان المختصّة.
جنبًا إلى جنب، فإنه ليس سرًّا أن إسرائيل تحتل مكانًا رياديًّا في طبّ الإخصاب والولادة، والعيادات والتكنولوجيا والعلاجات المتقدّمة من أجل الإنجاب في حالات صعوباته وإن هو لم يحصل بشكل طبيعيّ. وهي تقدّم العلاج لمواطنيها بالمجّان، إجمالًا. إن الرابط والربط قويّان بين فرع طبّ وعلاجات الإخصاب والولادة وبين الهاجس الديمغرافيّ لإسرائيل. يأخذ المواطنات/ون العرب هذه الخدمات “بالعروى”، كما في الفلسطينيّة الدارجة! بمعنى أنهم كسبوا/ن الخدمات الموجودة والتي لم تُطوّر وتبرمج من أجلهم بالأصل، لكن لم يصل عُري المؤسسة بعد إلى الجهار بذلك في قانون أو بغيره، وهو ما لم تتورع منه في قوانين أخرى ذات صلة بالديمغرافيا وحياة الناس كقانون المواطنة، وقانون لمّ الشمل.
مخصّصات الأولاد والتي يدفعها التأمين الوطنيّ للأسر شهريًّا بحسب عدد أولادها دون سنّ الثامنة عشرة هي الأخرى رمت إلى تشجيع الإنجاب لدى اليهود. لن أدخل هنا في تفاصيل تحديد قيمتها والتغيرات التي طرأت عليها، سأكتفي بالتذكير بأنها مساعدات وتسهيلات موجّهة بالأساس لقطاع اليهود المتدينين (الحريديم) والذين ينجبون عددًا كبيرًا من الأولاد. تقع مخصّصات الأولاد في قلب النقاش في النقاشات المتكررة داخل الأكثرية اليهودية حول إسهام هذه الفئة أو عدم إسهامها للدولة مقابل التكاليف التي تصرفها الدولة عليها في مناحي الحياة الكثيرة. علاوة على ذلك، ثمّة حقوق ومعونات وامتيازات في السّكن والتعليم ومناحي الحياة المختلفة تقرن ما بين الأولاد والقوميّة، وعبر قناة الخدمة بالجيش بشكل مباشر وغير مباشر، مضمر ومعلن. مرة أخرى، تنسحب مخصّصات الأولاد على المواطنين الفلسطينيين “بالعروى”. ومرة أخرى يقرن الخطاب العنصريّ بين هذه المخصّصات وبين “الرّحم العربيّ”، ويدعو إلى التفكير بالسيطرة على الأمر بواسطة “تقليص المخصّصات للولد الثالث، وإلغائها للولد الرابع، وفرض غرامة على المولود الخامس”، ويقرن عمليًّا بينها وبين الأطفال العرب غير المرغوب بمجيئهم إلى الحياة في إسرائيل. وإذا ما هم/نّ جاءوا، فهم/نّ يَخبرون المواطنة في تدريجها الأخير بعد المهاجر/ة اليهوديّ/ة الأخير/ة المناوب/ة، بل والمهاجر/ة الكامن/ة بقوّة هويّته الدينيّة وبقوّة القانون، عمليًّا يخبرون مواطنة خاوية ، مشروطة، مُرْتَهَنَةً لسياق استعماريّ استيطانيّ.
المستوى اللّغويّ
ليس “الرّحم العربيّ” و “الشريحة السكانيّة الإشكاليّة”، والتساؤل عن “تقليص وإلغاء المخصصات”، وعن “فرض غرامة” والتصريح الكامل أعلاه إلّا بعضًا من ترسانة التعابير والمصطلحات والمفردات التي تبتدعها العقليّة العنصريّة في كلّ ما يتعلّق بالديمغرافيا. فالمعجميّة المستخدمة في توصيف أمور الإنجاب وعدد الأولاد لكلتا الفئتين القوميّتين، العرب واليهود، كانت دائمًا انتقائيّة ومغايرة تجاه أقليّة الوطن مقابل مجموعة الأكثريّة اليهوديّة المهاجرة إليه. لتوصيف ومقاربة قضايا ديمغرافيّة متعلقة بالفلسطينيين تستخدم أيضًا المصطلحات “تهديد ديمغرافي”، “مشكلة ديمغرافية”، “خطر ديمغرافي”، “عائلات كثيرة الأولاد”، “وتهويد الجليل” و”تهويد النقب”، “وخطّة السبع نجوم” وغيرها. بينما “عائلات مباركة الأولاد”، “ومصلحة ديمغرافيّة”، و”تهويد الجليل” و”تهويد النقب”، و”خطّة السّبع نجوم” وغيرها عند الحديث أو الكتابة عن الأكثريّة اليهوديّة عامة والفئة متزمّتة التديّن (الحريديم) خاصة والتي يفوق معدلُ إنجاب الأم الواحدة فيها معدلَ الإنجاب لدى المرأة الفلسطينيّة في أراضي 48. وينسحب الأمر على “تهويد” المنطقة المراد هندستها ديمغرافيًّا، بما فيها المثلث الشماليّ واستحداث بلدة “حريش”، بما لهذه الهندسة من أبعاد على الجغرافيا والديمغرافيا والثقافة والاقتصاد والتاريخ وغيرها.
ليس المستوى اللّغويّ بريئًا وساذجًا، إطلاقًا. إنّه مشبع بالأيديولوجيا والسّياسة ومُتْخَم بالعنصريّة والفاشيّة في هذه الحالة. ولهذا التوجّه معانٍ وأبعادُ على المواطنة كما يخبرها هؤلاء في مجالات الحياة كافة، بما فيها خدمات الطبّ والصّحة، وعلى مكانتهم الهشّة في الدولة إجمالًا.
الاحتفاء بتعادل معدل الإنجاب
مؤشرٌ وتجلٍّ آخران على الرهاب الديمغرافي المذكور نجده أيضًا في الاحتفاء بتعادل معدل الإنجاب بين المرأة العربية والمرأة اليهودية في العام 2017. كان المعدل يومها 3.17 مولودًا/ة لكل منهما. ورغم إشارة الإحصائيّات منذ الستينيّات إلى انخفاض متعاقب في معدل إنجاب النساء العربيات، إلّا أن هذه الإحصائيّة تحديدًا حظيت باحتفاء خاصّ، بما في ذلك في الإعلام العبريّ. كنت وافقت على إجراء مقابلة معي لبرنامج تلفزيزني بصفتي العلميّة – سوسيولوجست، بعد تردّد شديد ووسط تحذيري للمعدّ والصحفيّ والمخرج من احتمال اجتزاء أقوالي. جاءت موافقتي على المقابلة تمامًا لأُسمِع الصّوت العلميّ المغيّب والتحليل المتكامل لانخفاض معدل إنجاب النساء العربيات، بما في ذلك عبر إبراز التحوّلات الثقافيّة الداخليّة للمجتمع الفلسطينيّ، ولفهم احتفاء الإعلام والمؤسسة الإسرائلييْن بالتعادل المذكور في سياقهما. وحصل ما خشيتُه، إذ اختزل الإعدادُ مشاركتي وحذف تشديدي على وضع الظاهرة والمعطى الإحصائيّ واحتفاء المحتفين به، وتحليلي السوسيولوجي للسيرورات والعوامل الخارجيّة والداخليّة في السّياق العامّ.
إزهاق أرواح الفلسطينيين
لا يمكن فهم تعامل الشرطة وأجهزة الأمن مع الفلسطينيين والعنف المجتمعيّ والجريمة المنظمة في العقدين ونيّف الأخيرة بمعزل عن الشأن الديمغرافي. منذ أن قتلت شرطة إسرائيل ثلاث عشر شابًا فلسطينيًا من مواطنيها في أكتوبر 2000 خلال تظاهرات انتفاضة الأقصى اعتبر التاريخ فارق في علاقة الدولة وسياساتها تجاههم، إذ تصاعد وتسارع نهج اليد الخفيفة لقوات الأمن على الزّناد عند الحديث عن الشباب الفلسطينيين. في المقابل، تفاقم العنف المجتمعيّ والجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطينيّ في الداخل إزاء إهمال الشرطة ومؤسسات الدولة له وعدم أخذها مسؤوليتها في تأمين الأمن الشخصيّ والمجتمعيّ، بل وكشفها علانية عن عدم قدرتها على معاقبة المتورطين نظرًا للخدمات التي يقدمونها لأجهزة الأمن.
تزامنت السيرورات والتغيرات القطريّة في العقد الثاني للألفية الثالثة مع تحوّلات إقليميّة على مستوى المنطقة. الثورات العربيّة وما صحبها من عنف وقتل ممنهج في مراحلها المختلفة، ومن ثمّ ما آل إليه بعضها من حروب أهليّة كشفت هشاشة الأنظمة العربيّة وضعفها، وشهدت حالات تنكيل وقتل تقشعرّ لها الأبدان، أضافت بالتالي عوامل محفّزة ومساعدة للتّعامل مع المواطنين العرب بهذا النّهج. فدم العربيّ رخيص! يحضر البُعد الديمغرافيّ هنا بكامل عنصريّته وبشاعته.
يتغلغل هذا الفكر بالتلميح والتصريح المؤسساتيّ، سواء في المناهج التعليميّة التي لا تقيم شأنًا للعربيّ/ة، وفي الإعلام الذي لا يتعامل معه/ا إلّا من منظور التهديد الديموغرافيّ والأمنيّ المتخيّل أو الكامن الذي يشكّله على الدولة والأكثريّة العبريّتيّن، وفي القرارات، والسّياسات، وبواسطة تصريحات المسؤولين والقيادات المختلفة، سواء ب”زلّات لسان” تكشف عمق وتجذّر هذا التوجّه العنصريّ أو بنهج رتيب يميّز بعضهم ويشكّل “علامتهم التجاريّة”. هؤلاء الأخيرون في تزايد مطّرد يواكب التحوّلات الحاصلة في الأوساط اليهوديّة، والتي في خضمّها مسائل ديمغرافية أيضًا داخل فئاتهم المختلفة وبصعود اليمين الجديد وتسيّده، صعود يتغذّى فيما يتغذّى من تفاقم قوى اليمين عالميًّا، ومن علاقات التحالف بل التّبني التي تحظى بها إسرائيل من الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتّحدة وبريطانيا.
من مظاهر تغلغل الفكر العنصريّ شعبيًّا نداءات قطاعات من الجماهير اليهوديّة “الموت للعرب” في ملاعب الرياضة وفي المظاهرات والأحداث المختلفة وفي الحيّز العام عامّة، دون سائل ومُسائلة ودون حساب وعقاب رادع. وهو الأمر ذاته الذي شهدناه في هبّة الكرامة، في أيّار 2021، وما جرى في اللّد من اعتداء جماعيّ ليهود على السّكان العرب ومقتل أحدهم، وعلى شاب عربيّ في “بات يام” وغيرها، وفي أم الفحم. في كلّ الحالات المذكورة سُرّح المتهمون إن هم اعتقلوا، وأغلقت الملفات لعدم توفّر أدلة!
المبدأ، التّفاقم، والتّصاعد
إنّ التّصريح العنصريّ المذكور لبروفسور يرأس قسمَ جراحة القلب في مستشفى سوروكا جنوبَ البلاد، ويداوم في صندوق مرضى عام، أفضل ما يكون فهمه في سياقه الأوسع، سياق النظام الاستعماريّ الاستيطانيّ ومبادئه وآلياته، والصهيونيّة وموقع الشأن الديموغرافيّ فيهما، وما يأتي عنهما من رهاب تركيبة السكان والذي أسميته “ديموغرافوبيا”، وللدّقة رهاب أهل البلاد، وما يُشتق من هذين النظاميْن وينجم عنهما من عنصريّة وفاشيّة، بعضها مقنّع مضمر وبعضها سافر معلن. إنّ السيرورات والتحوّلات القطريّة والإقليميّة والعالميّة تُفاقم تُصاعد وتُسارع هذا التوجّه. أمام هذه السيرورات والتّحوّلات ومستوياتها المتضافرة دخلنا في مرحلةِ ما أسميتُه تعرّي الدولة، ومعها تعرّي أربابها، ربابنتها، وزبانيها، وهو دخول في مرحلة خطرة من المجاهرة بالعنصريّة والفاشيّة.
جزيل الشكر على الاهتمام بالموضوع وعلى نشر المقال في “موقع بقجة”.