تحليق عابر لطيور الذاكرة 17: ضباط وأطباء في آلة القمع!

د.سامي الكيلاني

تاريخ النشر: 05/11/22 | 11:42

تجعلك الحياة الاعتقالية بكل تفاصيلها، بما فيها عمليات التنقل بين سجن وآخر، ترى أنماطاً متعددة من الجنود والضباط وحتى الأطباء الذين يشكلون براغي صغيرة منقوعة بالحقد والكراهية والعنصرية. من ضمن هذه الأنماط هناك الكثيرون الذين يتصرف الواحد منهم في كل لحظة بعدوانية وحقد ليؤذيك بأية طريقة، بسبب أو بدون سبب، تصرفاته تجعلك تشك في أن يكون هناك أي جانب إنساني في شخصيته، تعجز عن إقناع نفسك، حتى في لحظات التفكير الإنساني، بأنه كان في يوم من الأيام ابناً لأب وأم، أو أباً لولد أو بنت، أو زوجاً لامرأة، أو أنه كان في يوم من الأيام طفلاً في الروضة أو ولداً في المدرسة يعرف البراءة وينط ويلعب. لا يمكن أن تتخيل له صورة غير صورة القاتل الذي يبحث عن أية فرصة ليمارس القتل، وإن لم تتوفر له فرصة القتل الحقيقي لأسباب خارجة عن إرادته فإنه يفرغ حقده بكل صورة وصورة وفي أية مناسبة تلوح.

ومن هذه الأنواع القليل من يقول لك حين يجد الوقت مناسباً: أريد أن أقضي فترة خدمتي بأقل الأضرار الممكنة، أنا لم أحضرك إلى هنا، ولا أعرف لماذا أحضروك، مهمتي أن أقوم بالحراسة حسب القانون، ويقصد طبعاً أنه لن يرحمك إذا خالفت القانون. وهناك نوع نادر، لم أقابل إلاّ واحداً منه، ومن حقه أن يذكر، ومن الواجب الإنساني أن أذكره رغم أنه الاستثناء الشديد الذي لم تطحنه آلة القمع، ذلك النوع الذي يرغب في أن يسمع قصتك ويستغرب جداً حين يعرف تفاصيل الاعتقال الإداري، ويعلن لك بصريح العبارة: هذا ظلم، ولكنني لست جريئاً إلى الحد الذي يجعلني أرفض الخدمة العسكرية.

ضباط!

(1)

يوم الإفراج، يوم الحرية المنتظر، يوم لقاء الأحبة بعد طول غياب بالنسبة لكل واحدٍ من الذين سيفرج عنهم، وبالنسبة لي إضافة إلى ذلك فهو اليوم الذي سأرى فيه طفلتي التي جاءت إلى هذا العالم قبل ثلاثة أسابيع ولم أرَ حتى صورة لها. حمدنا الله أنهم قد أخرجونا من الأقسام مبكراً، ذلك يعني أننا سنصل بيوتنا دون أن تضيع علينا ليلة أخرى في محطة انتقالية في الظاهرية أو الخليل كما يحدث مع الذين يخرجون في وقت متأخر، إذ يجدون أنفسهم في ساعات المساء على مثلث عراد ولا يستطيعون الوصول إلى بيوتهم. سارت الأمور بشكل جيد، دققوا في ملفاتنا جيداً، تأكدوا من تواريخ الإفراج، سلّمونا أماناتنا، كان كل شيء جاهزاً للانطلاق في الساعة الواحدة. بدأت أرسم صور الطريق، وأتخيل من ينتظرني، وطريق العودة إلى البيت والحواجز التي سنمر عنها. صعدنا إلى الباص، قال الضابط المسؤول عن الملفات والأمانات لسائق الباص أن كل شيء جاهز وأن باستطاعته أن يغادر.

طال انتظارنا، الساعة الثانية، سألنا أحدَ الجنود متى سيغادر الباص، كان على ما يبدو طيباً فذهب وسأل السائق فذهب الأخير إلى ضابط شاب وتحدث معه. جاء الضابط إلى الباص وبدأ بالصراخ “من الذي يسأل عن سفر الباص؟ من سيفتح فمه سأكسر رأسه، هل هناك رجل ليسألني عن الباص؟ وبطريقة مفتعلة وبلغة عبرية، سهلة طلب من أحد الجنود أن يسجل رقم أحد المعتقلين (في أنصار “3” أنت مجرد رقم لا اسم) وأن يذهب ليفحص إن كان هناك أمر اعتقال إداري جديد لهذا المعتقل. عشنا حالة من القلق تضامناً مع هذا الزميل، كنا شبه متأكدين من أن الأمر مفتعل وأنه لا يعدو حرب أعصاب، رغم ذلك قلقنا، فمن يدري؟ ما أصعب أن يأتيك أمر بتمديد اعتقالك وأنت على بعد خطوة من الحرية، تمديد الاعتقال الإداري لفترة أخرى بشكل عام أمر صعب، ولكن هذا النوع أصعبه، وكان قد حدث مع أكثر من حالة بإنزالها من “باص الحرية” وإعادته إلى المعتقل ليقضي فترة ستة شهور أخرى. يبدو أن هذا الضابط يعرف هذا الجانب وقرر أن يودعنا بهذه الطريقة. ذهب الضابط بنظاراته الغامقة ووجهه الحاقد وبقينا في الباص ننتظر التحرك خارج البوابة الرئيسية. أخيراً، تحرك الباص في الرابعة والنصف. ضاع يوم آخر بعيداً عن البيت والأهل لأننا سألنا متى سيتحرك الباص.

(2)

عندما دخلنا أنصار “3” كانت أزمة المياه أكثر المشاكل الحياتية اليومية حدة، ينتصب بجوار كل قسم خزانا بلاستيك أسودان مرتبطان بمجموعة من الحنفيات داخل القسم، وتتم تعبئة الخزانات بواسطة صهريج. قضينا الكثير من أوقات الظهيرة عطشى. لكن حبنا للون الأخضر جعلنا نضحي ببعض المياه لأجل رؤية هذا اللون وسط الرمال الممتدة حولنا. تحرك بعضنا سريعا، جهزوا بقعاً صغيرة من الأرض ولو بحجم رقعة الشطرنج عند الأبواب الخلفية للخيام، زرعوها بالعدس والحمص والفول، إذ أحضر عمال المطبخ من المعتقلين بعض البذور بجيوبهم. في قسم (7) زرعوا بذرة بطيخ وتعهدوها، نمَت النبتة وطرحت ثمرة كبرت الثمرة وقلوب المعتقلين تراقبها أكثر من عيونهم، عندما اقترب موعد القطاف نقل نزلاء القسم إلى قسم جديد وأصبحت تلك الثمرة موضوعاً للذكريات مقرونة باسم من زرعها، طار الاسم من الذاكرة، معذرة أيها الاسم الذي صنع الحكاية والرمز. ملأتني تلك المربعات الخضراء نشوة، لم ينجح “كتسعوت” في المهمة التي صمم من أجلها، لم يقتل فينا بذرة الحياة، هذا ما كانت تقوله لنا تلك المربعات الخضراء. تذكرت البيوت في مخيمات اللاجئين التي زرتها، أكثر ما يسرّ البال أن ضيقها الشديد لم يمنع ساكنيها من تدبير مكان كافٍ لغرس دالية أمام البيت لتعرّش وتملأ الجو اخضراراً.

يبدو أن أحد الضباط كان أذكى من غيره، عرف سرّ الأخضر، رأى نبتة قرب سياج الأسلاك الشائكة المحيطة بالقسم، كانت النبتة تتسلق الحبل الذي تشد إليه الخيمة. جاء الضابط إلى باب القسم وطلب شاويش القسم وأمره أن يخلع النبتة، جادله الشاويش مدافعاً عن النبتة بشدة، وفي النهاية أصر الضابط على مطلبه فرفض الشاويش المعتقل أن يقوم بهذه المهمة.

عندما حان موعد العدد، دخل الضابط ومعه الجنود المسلحون بالغاز وخلفهم الجنود المسلحون بالبنادق وخلف الجميع السيارة التي تحمل رشاش 500. انتهى العدد لكن الضابط والجنود لم يخرجوا، اتجه ذلك الضابط إلى صف الخيام، ثم عاد بعد قليل وهو يحمل النبتة المقتلعة وخرج من القسم يتبعه الجنود. نهض المعتقلون وبقيت جالساً في مكاني في الساحة حيث يقتضي رقمي. تذكرت رواية “قوس قزح” التي قرأتها قبل شهر أو شهرين من مغادرة سجن جنيد، وربما في الاعتقال الذي سبق هذا الاعتقال، تختلط التواريخ الاعتقالية في كثير من الأحيان لانعدام المميزات التي تميز يوماً عن يوم أو سجناً عن سجن، تذكرت صورة ضابط الاحتلال النازي وهو يحمل الطفل الوليد من رجليه ويطلق النار على رأسه أمام أمه المعتقلة التي ولدته في الليلة الماضية أثناء اعتقالها بعد مخاض عسير.

(3)

نقلت من النقب إلى معتقل الظاهرية، مكثت ستة أيام دون أن أدري سبب نقلي، واكتشفت بعد ذلك أن النقل تم لألتقي أستاذاً أمريكياً بعثته الجمعية الفيزيائية الأمريكية للتحقيق في حادث ضربي لمدة ساعة ونصف وبشكل مبرحٍ ومتواصل على نقطة تفتيش دير شرف بين طولكرم ونابلس. وبعد أن وصل الخبر من أحد الزملاء إلى الجمعية الفيزيائية، شكراً له، إضافة إلى النداء العاجل الذي وجهته منظمة العفو الدولية (أمنستي) عن ذلك الحادث وعن الاعتقال الذي تم في الليلة التي تلته، وعبرت فيه عن قلقها على صحتي. قلت في نفسي لا بأس، إنهم لا يريدون لهذا الأستاذ الأميركي أن يرى هذا المعتقل العسكري في النقب أو يتعبوه في الوصول إلى هناك، كما أن الوصول إلى الظاهرية سيتيح لي فرصة أن يزورني الأهل، وهذا ما تم، فعوّض عني كل التعب والقلق الذي سببه النقل غير المبرر. بعد زيارة الأستاذ الأمريكي في الظاهرية لم تتم إعادتي إلى أنصار (3)، نقلت إلى معتقل عناتا العسكري، ومن عناتا إلى الفارعة، ومن الفارعة إلى عناتا، ومن هناك إلى النقب. عندما وصلت الفارعة تمنيت أن تستمر سلسلة التنقلات لتصل بي معتقل مجدّو العسكري لأرى أخي المعتقل هناك، ولكن الأمنية لم تتحقق.

في الطريق من عناتا إلى الفارعة، كنا معصوبي الأعين كالعادة، سكتنا حتى مضى وقت كافٍ لنخرج من معسكر عناتا لأن التدابير الأمنية تقضي الدخول إليه والخروج منه دون أن يرى المعتقلون شيئاً، مضى وقت طويل، تحدثنا مع أحد الجنود أننا جئنا من النقب إلى الظاهرية ومن هناك إلى عناتا مفتوحي الأعين، فلماذا تبقى العصبات على أعيننا؟ تحدث معنا شخص بصفته الضابط، لم نستطع التفاهم معه بالعبرية أو العربية، تحدثت معه بالإنجليزية، حاولت استعمال المنطق لإقناعه، لكنه بقي مصراً على موقفه “أنا أريد هكذا وعليكم السكوت”. أثناء الحديث قال له أحد المعتقلين أنني مدرس جامعي، فعاد إليّ وقال “يا أستاذ، إذا شرحت لأحد طلابك مسألة مرتين ولم يفهمك، ألا تقول له حمار؟” صارت أمنيتي أن أرى هذا الذي يعتبر نفسه أستاذاً، ويطالبنا بأن نكون تلاميذه المطيعين، وأن نفهم من المرة الأولى أن علينا أن نفعل ما يريده لأجل الرتبة التي على كتفه، وإلاّ فنحن من الحمير؟ قرر الجميع نزع العصبات دفعة واحدة وليفعل ما يريد. قلنا لأحد الجنود الذي اعتقدنا من صوته أنه ألطف الجميع ما ننوي فعله، فأخبر الضابط على ما يبدو. عاد الضابط وبدأ يفاوضنا على السماح بنزعها، كان شرطه أن نجلس هادئين طيلة الرحلة. نزعنا العصبات وهرعت ببصري أبحث عن ذلك الذي يعتبر نفسه أستاذنا ويفترض أن نكون تلاميذه المطيعين، كان يبدو صبياً أصغر من طلابي الذين أدرّسهم، ما زال الشعر الأشقر الناعم يملأ مساحات كبيرة من ذقنه التي أطلقها.

أطباء وعلاج

(1)

منذ التقيته وعشت معه في الخيمة نفسها وأنا أرى ألماً في عينيه. كانت عيناه صغيرتين، ربما ضاقتا من كثرة تحمله للألم. عندما تبدأ نوبة الألم في معدته بسبب القرحة كان يجلس على “برشه”، يلف نفسه بالبطانيات ويبدأ بالتدخين رغم أن التدخين يزيد الطين بلة، استفسرت منه عن عدم ذهابه إلى الطبيب، قال إن ذلك لن يفيد لأن الطبيب في أحسن الأحوال سيعطيه حبة دواء أو حبتين والكثير من النصائح، ماذا يأكل وماذا لا يأكل، وكأنه يتحدث مع نزيل فندق بوسعه الاختيار من قائمة طعام. ما أصعب هذه النصيحة “كل كذا واترك كذا” خاصة حين يطرحها طبيب احتياط يأتي للخدمة في هذا المكان لشهر ويمضي، يريد أن يلقي عن كاهله خدمة الشهر بأية طريقة كانت ويمضي هارباً من هذه الصحراء. سبب آخر يمنعه من الذهاب إلى العيادة ورؤية الطبيب ويجعله يفضل انتظار العلاج الذي سيرسله أهله مع المحامي رغم أن الانتظار ربما يطول ويطول، سينقل الصليب الأحمر الرسالة من علي إلى أهله، سيحمل الأهل الدواء إلى المحامي، سينتظر المحامي دوره في الزيارة، عندما يزور المعتقل سيسلم العلاج للإدارة والتي ستسلمه حين يحلو لها الأمر إلى العيادة ليفحصه الطبيب ويقرر إن كان سيدخله إلى السجن أم لا، وإن وافق سيصل الدواء إلى صاحبه و”عيش يا قديش”. روى لي حكايته مع السبب وعيونه تتفجر من الألم الحالي والحقد الدفين. في إحدى الليالي جاءته نوبة ألم حاد، حاول أن يتحمل، لكن الألم كان فظيعاً، أحس وكأن سكاكين تقطع معدته، ذهب شباب خيمته إلى شاويش القسم وأيقظوه، ذهب الشاويش إلى البوابة وتحدث مع الحارس، تحدث الحارس مع الضابط فوافق الضابط على نقله إلى العيادة، حمله اثنان من رفاقه ممدداً على “المشتاح” إلى العيادة، وضعوه على الأرض في انتظار الطبيب. جاء الطبيب بعد انتظار يفرك عينيه، يبدو أنهم أيقظوه من نوم عميق، اقترب من المشتاح ودون أن ينحني ليرى المريض سأله: هل تؤلمك معدتك كثيراً؟ وحين أجابه علي بنعم، قال الطبيب: لن تموت هذه الليلة، تعال غداً صباحاً. ثم تحدث إلى جنود الحراسة أن يعيدوا علياً إلى قسمه.

(2)

معتقل الظاهرية شقيق معتقل أنصار “3” التوأم. ولدا معاً وتربطهما سلسلة طويلة من الحكايات. أثناء الفحص الروتيني عند دخولي قادماً من أنصار قلت للطبيب: إنني بحاجة إلى مرهم للبواسير، قال إن عليّ أن أسجل لرؤيته بعد أن أدخل للسجن. في اليوم الأول لم يحضر الممرض، وفي اليوم التالي حضر وسجلني للمراجعة. جاء دوري بعد يومين، خرجنا إلى العيادة، كنا حوالي عشرة معتقلين، وقفنا في صف أمام العيادة، المفروض أننا مرضى نحتاج العلاج، جاء جندي وأمرنا أن ندير وجوهنا للحائط وأن نقف صامتين وألاّ نقرفص واختتم أوامره بشتيمة وفرقعة بهراوته على الحائط وعلى القضبان الحديدية لباب قريب ومضى. بعد حوالي الساعة فتح الباب وخرج الطبيب المنتظر، استرقت النظر لأراه، كان غريب الشكل، قميصه خارج من خصر بنطاله، شعره طويل حتى الكتفين، بدأ بمناداتنا واحداً واحداً، يدخل الشخص ويخرج بعد دقائق معدودة، انتظرت دخولي بفارغ الصبر لأخلص من هذا الصلب في مواجهة الحائط. دخلت وشرحت حالتي، قال إن الدواء الذي احتاجه غير موجود، وحين يتوفر في العيادة سيرسلونه إليّ. خرجت للعودة إلى الخيمة، لكني فوجئت أن من سبقوني ما زالوا يقفون في مواجهة حائط آخر، أوقفني الجندي إلى جانبهم. عندما أصبحنا خمسة سمعت صوت الطبيب في الساحة يضاحك مجندة، بدأنا نتذمر ونتساءل متى سنخلص من هذا الصلب. إنها عقوبة بدلاً من العلاج، سمع همسنا ضابط فجاء وهدد وتوعد إن سمع صوتنا مرة أخرى. سأله أحدنا: متى سنعود إلى الخيام؟ أجاب أنه هو الضابط هنا وأننا سنعود عندما يقرر هو ذلك، وختم حديثه بشتيمة. كان الطبيب المرهق من الكشف على خمستنا يمازح المجندة ويتحرك في الساحة، عندما شعرت بصوته قريباً منا فكرت أن أشكو له حالنا عساه يتدخل مع الضابط، اعتقدت أن الطبيب لا يقبل أن يتم التعامل مع مرضاه بهذا الشكل، ناديت بحذر: دكتور. كان جوابه شافياً وافياً بالعبرية الفصحى “تستم إت هبي” والتي تعني “سكر فمك”. أنّبت نفسي بشدة لأنني فكرت أن آخذ عسلاً من دبور أو دبساً من قفا النمس.

(3)

شرح محمد مشكلته الصحية أمام طبيبة من الصليب الأحمر جاءت لزيارة المعتقل وقمت بترجمة مشكلته إليها فأضافتها إلى سابقاتها في الملف الذي امتلأ بالشكاوى. ما فهمته أن الهواء يتسرب من رئته إلى فراغ القفص الصدري مما يسبب له ألماً، وقد أجرى عملية قبل أن يعتقل وكان المفروض أن يتابع طبيباً، وربما يحتاج إلى عملية أخرى، وأضاف أنه قد شرح هذا الوضع لطبيب المعتقل منذ فترة والذي وعد بإرساله إلى المستشفى ليراه طبيب مختص ويجري له الفحوصات اللازمة، و”هاي وجه الضيف”. انتقل محمد إلى قسم آخر ولم أعلم شيئاً من أخباره.

بعد حوالي الشهر نقلت إلى القسم الذي نقل إليه محمد، سألت عنه فقال لي أحد الأصدقاء أنه نقل إلى المستشفى في الصباح، فرحت لأجله، لكن فرحتي أجهضت في آخر النهار حين عاد وروى ما حصل معه.

نقل إلى المستشفى في سيارة إسعاف عسكرية تحت حراسة اثنين من الشرطة العسكرية، طيلة الطريق انصبّت عليه شتائمهم وعلى شعبه. في المستشفى قالوا له إنه جاء إلى العيادة الخطأ وأنه من المفروض أن يذهب إلى قسم آخر، أو أنهم عينوا له موعداً لإجراء العملية. أخلط أحياناً بين قصته وقصة سامي، ففي السجن تتشابه الحالات كتشابه الأيام، المهم أنه عاد دون علاج. في طريق العودة تحولت شتائم الحراس إلى ضربات على وجهه وهو مكبل اليدين. قال له أحد الحارسين: “لماذا يرسلونك للعلاج؟ مثلك لا يستحق إلا الموت، بودي لو أقتلك”.

عندما عاد محمد إلى القسم أقنعه الزملاء أن يقدم شكوى، جاءه ضابط واستمع إلى روايته وسجلها ومضى.

بعد أكثر من شهر أفرج عني وعنه في اليوم ذاته، خرجنا من المعتقل دون أن يذهب محمد إلى المستشفى ودون أن يعرف مصير شكواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة