قبور وهمية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية
المحامي علي أبوهلال
تاريخ النشر: 08/11/22 | 10:55لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بالطرق القديمة التي استخدمها منذ عشرات العقود الماضية لتسهيل وشرعنة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها، بل لجأ مؤخرا إلى انشاء قبور وهمية لليهود لا توجد فيها موتى لتحقيق هذه الغاية السياسية الكولونيالية الاستعمارية التي تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
فقد تم الكشف مؤخرا عن قبور وهمية يزرعها الاحتلال في مساحات مختلفة من أراضي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى في مدينة القدس، وذلك بتوزيع حجارة ضخمة، ويضعها بشكل متلاصق ومتوازي لتظهر وكأنها “مقابر”. وذلك لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
وذكرت مؤسسات حقوقية وناشطون مقدسيون أن أراضي بلدة سلوان تزرع فيها القبور منذ سبعينات القرن الماضي، وتزداد وتتوسع رقعتها مع مرور الوقت، وتتوزع هذه الأيام في عدة مناطق أبرزها حي وادي الربابة، وادي حلوة، هضبة سلوان، الحارة الوسطى، الصلودحا. وأضافت هذه المصادر أن سلطات الاحتلال شرعت خلال الأشهر الأخيرة بتحويل قطعة أرض كانت تستخدم كموقف للمركبات إلى مقبرة بوضع “القبور الوهمية”، وقامت خلال هذه الفترة بزراعة القبور الوهمية وتوسيع مقبرة ما تسمى “مقبرة السامبوسكي اليهودية في قطعة أرض تقع بين حي وادي حلوة ووادي الربابة، وبدأت أعمال تسوية الأرض ووضع الأتربة الحمراء ووضع الحجارة الضخمة في المكان، إضافة الى تعليق يافطة باللغتين العربية والعبرية تحمل اسم المقبرة، وتهدد بفرض غرامات مالية في حال لقاء النفايات في الموقع.
ويذكر أن زراعة القبور كانت قد بدأت في منطقة “الصلودحا” والحارة الوسطى في سلوان، ببناء قبور فيها بشكل متفرق وموزع على مساحة الأرض، أما مع بداية الألفية شرعت بزراعة القبور في منطقة وادي الربابة، ثم امتدت زراعة القبور في مناطق أخرى وصولا الى حي وادي حلوة “حيث يتم العمل الآن”.
وأوضح نشطاء مقدسيون أن زراعة القبور الوهمية في الأراضي، هي وسيلة تتبعها المؤسسة الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية لمصادرة ووضع اليد على الأراضي الفارغة والمسطحات في القدس، وتحديدا في بلدة سلوان، وبالتالي منع السكان من الانتفاع بالأراضي واستثمارها والبناء فيها، وعرقلة تطوير الأحياء المقدسية. وذكروا أن زراعة الأراضي بالقبور الوهمية، هي وسيلة لمصادرة الأرض، وبالتالي لا يمكن الاعتراض على ذلك قانونيا”. وتحاول سلطات الاحتلال من خلال زراعة القبور الوهمية ادعاء وجود حضارة لها في الموقع وتجمع سكاني في قديم الزمن، وبالتالي ترويج للراوية وتغيير التاريخ، وخنق المعالم العربية في القدس، خاصة محيط البلدة القديمة. وفي الوقت الذي تمدد وتوسع رقعة القبور الوهمية تقوم بتضييق الخناق على مقابر المسلمين، وتزيل شواهد هذه المقابر وتحويل بعضها لحدائق.
ولا بد من الإشارة إلى أنه بعد العام 1967 واحتلال القدس، استولت سلطات الاحتلال على عشرات الدونمات الإضافية من الأراضي، وحولتها إلى مقابر ومدافن يهودية حديثة، وأخرى مستحدثة لم تكن من قبل، ولم تكن تحوي شواهد أو بقايا عظام موتى، وذلك لخدمة الاستيطان والتهويد. وعلى مدار سنوات ماضية، نفذ الاحتلال عمليات تزييف كبيرة للتاريخ والآثار والجغرافيا والمسمّيات العربية الإسلامية بالقدس، في سبيل شرعنة القبور اليهودية الوهمية واصطناع منطقة يهودية مقدسة. ويُشرف على تخطيط وتنفيذ زرع القبور الوهمية كل من بلدية الاحتلال، وما يسمى بـ” سلطة تطوير القدس”، ووزارة البناء والإسكان، وو”سلطة الآثار”، و”جمعية إلعاد” الاستيطانية، و”سلطة الطبيعة والحدائق القومية”، و”جمعيات وشركات الدفن اليهودية”. كما أن الأراضي التي تزرع فيها القبور الوهمية تم مصادرتها بعد احتلال القدس واعتبرت ضمن أملاك الغائبين.
وعلى مدار السنوات الماضية حُولت ملكيتها لجمعيات استيطانية ولسلطات حكومية ومحلية، ومنطقة القبور الجديدة في سلوان عبارة عن موقف لمركبات السكان منعوا من استخدامها لتبدأ تلك المؤسسات زراعة القبور فيها. ومع بناء الحجر الأول اعترض السكان مطالبين بإظهار ترخيص البناء، فتم وقف العمل لفترة مؤقتة ثم استكملت جمعيات الاحتلال أعمالها وانتقلت للأرض الملاصقة وتم تسويتها وزراعة القبور فيها دون الحصول على التصاريح بدعوى أنها كانت مقابر لليهود ويتم الآن إعادة تأهيلها. وتعتبر المقابر الوهمية بعد ذلك مكانا مقدسا لا مجال للنقاش فيه ولا حاجة للتراخيص ولا دخول جدال الملكية، وفي المقابل السلطات ذاتها التي تبني قبورا وهمية تهدم قبورا حقيقية لمسلمين بعد نبشها وبناء حدائق فوق رفاتهم.
إنها طريقة قديمة جديدة تستهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس لتغيير طابعها وهويتها العربية والإسلامية، ولاستكمال عملية تهويدها وزرعها بالمستوطنات وبالمستوطنين، بما يخالف القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة حرب تستوجب المسؤولية الجنائية الدولية، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.