المتباكون على المناخ متآمرون عليه
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 08/11/22 | 17:54لا شك أن الكون في خطر، وأنه بات يواجه تحدياتٍ كبيرةً ومصيراً صعباً قاسياً، فالمتغيرات متسارعة، والتبدلات المناخية مطردة، وتقلبات درجات الحرارة مربكة، وارتفاع مستوى حرارة البحار والمحيطات وذوبان جليدها ينذر بكوارث كبيرة وفيضاناتٍ مدمرةٍ، ونسبة الكربون في تزايدٍ مستمر، وثقب الأوزون في اتساعٍ دائمٍ، والتلوث يطغى على أغلب مدن العالم، وقد أخذ يزحف إلى القرى والأرياف البعيدة، والغازات السامة المنبعثة من عوادم السيارات ومداخن المعامل والمصانع تكاد تجعل الحياة مستحيلة، والمياه الجوفية باتت ملوثة، وفيها ترسبات كثيرة عجيبة وغريبة، بما لا يجعلها صالحة للشرب وحتى للري والخدمة، والآثار المترتبة على تدخل الإنسان في شؤون الكون خطيرة، والأمراض المستجدة والأوبئة المفاجئة أكبر من قدرته على التصدي لها ومواجهتها.
لا ننكر كل هذه المخاطر وغيرها، ولا نستخف بها أو نقلل من شأنها، ولا نستهين بنتائجها أو ندعي السيطرة عليها، ولا نطالب قادة دول العالم بتركها وعدم مواجهاتها، أو الاستسلام لها والهروب من أمامها وعدم العمل للتصدي لها أو التقليل من أخطارها، فهذه مسؤولية سكان الأرض من البشر، الذين قاموا على مدى أكثر من ثلاثة قرون مضت بإفساد الحياة على ظهر وجوف الكوكب، فقد جعلوا منه كوكباً فاسداً قاتلاً، مثقلاً بالأمراض والأوبئة والمخاطر والتحديات، وقد كان نظيفاً نقياً أخضراً يانعاً، منعشاً صحياً، معتدلة حرارته ولطيفة أجواؤه، وغنيةً أرضه وسخيةً سماؤه.
اليوم يجتمع أغلب قادة دول العالم للمرة السابعة والعشرين في قمة المناخ، لمناقشة كل هذه التحديات وغيرها، واقتراح أفضل الحلول لها، وتوفير الميزانيات اللازمة لمختلف الأبحاث العلمية لضمان التوصل إلى أفضل الحلول للتخلص من العيوب والمشاكل، أو لإجراء التعديلات وتحسين الأداء والتخفيف من الآثار المدمرة للانبعاثات الغازية للمصانع والمعامل والسيارات، ولحث دول العالم على الكف عن إجراء التجارب النووية، ودفن المخلفات النووية في جوف الأرض أو في أعماق البحار والمحيطات.
وصل إلى شرم الشيخ بمصر أغلب قادة دول العالم للمشاركة في أعمال القمة، ملوكاً ورؤساء وأمراء ورؤساء حكوماتٍ وآخرين، وكان في استقبالهم جميعاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للدلالة على أهمية القمة، التي تناقش أزمات الكون كله وتحديات المناخ المستجدة، وقد بدت عليهم الجدية الكبيرة والمسؤولية العالية، وسبق وصولهم تصريحاتٌ كثيرة ووعودٌ كبيرة، وكان ممثلوهم قد أعدوا جيداً للقمة وحضروا لمختلف مواضيعها، لضمان نجاحها وتحقيق أفضل الإنجازات المرجوة.
قد لا أرغب في الحديث عن النقاشات التي جرت في جلسات قمة شرم الشيخ، لأنها لم تختلف أبداً عما جرى في مثيلاتها السابقة، التي ناقشت نفس القضايا وبحثت في ذات العناوين، وحضرها قادة أعظم الدول وأكبر زعمائها، حيث لا يوجد أدنى تغيير إلا في الوجوه الحاضرة والشخصيات الممثلة لدولها، ولو أن تغييراً قد طرأ خلال السنوات الماضية، أو تحسناً ملموساً شعر به سكان الأرض، ما كنا لنسمع الأصوات العالية لممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغيرهم، الذين يحذرون من الارتطام الكبير والسقوط المدوي لكوكب الأرض.
المتابع لجلسات القمة يجد أن قادة دول العالم قد انشغلوا عن هموم الكوكب بهمومهم السياسية، فعقدوا على هامش القمة عشرات اللقاءات الخاصة، لمناقشة العلاقات الثنائية والمشاكل البينية، بعيداً عما يشكو منه سكان الأرض ويعاني منه كوكبهم الصغير، وكأنهم قد وجدوا في قمة المناخ فرصةً للتلاقي والحديث والتآمر والتخطيط، وبناء الأحلاف وتشكيل الكتل، وقد كان حرياً بهم أن يركزوا جهودهم فيما جاؤوا إليه واجتمعوا من أجله، بدلاً من إصدار المواقف وإطلاق التهديدات ضد دولٍ بعينها وحكوماتٍ تشاركها القمة وتتعاون معها.
الحقيقة التي يجب أن نعرفها هي أن المجتمعين في قمة شرم الشيخ، وإن تغيرت وجوه بعضهم، لموتٍ غيبهم أو استقالةٍ حرمتهم، أو إقصاءٍ وعدم انتخابٍ منعهم، هي أنهم هم أنفسهم سبب هذه المخاطر والتحديات، وأنهم مسؤولون عما يجري في هذا الكون من خرابٍ وفسادٍ، وأنهم يتحملون المسؤولية الكبرى بجشعهم وطمعهم، واستئثارهم وأنانيتهم وسياساتهم التي ستقود حتماً إلى انفجار الكون وانتهاء الحياة فيه.
فقادة الدول الكبرى المجتمعين في شرم الشيخ، هم الذين يجرون التجارب النووية ويلوثون الأرض والسماء، ويعدمون الحياة في البحار والمحيطات، ويتسببون بمصانعهم في تلويث الأجواء وتخريب البيئة، وهم الذين يفرضون الحصار على الدول والشعوب، ويحرمونهم من فرص الدراسة والأبحاث العلمية لتطوير الحياة والنهوض بمستوى العيش في بلدانهم، مما يتسبب في تأخر بلادٍ كثيرة وحرمانها من النمو الطبيعي، إضافةً إلى سياسات العقوبات الاقتصادية الجماعية المدمرة لحياة الدول والشعوب، الأمر الذي يتسبب في تراجع فرص تخليص البلاد من عوامل التلوث وأسباب عدم التقدم.
العالم ليس في حاجةٍ فقط إلى العمل على السيطرة على حرارة كوكبه، ومحاربة كل أشكال التلوث والتغير المناخي السلبي، بقدر ما هو في حاجةٍ إلى تغيير السياسات الاستعمارية للدول الكبرى، وتبديل أولوياتها القائمة على الجشع والطمع والسيطرة والاستعلاء والتحكم، والعمل على ترسيخ مفاهيم العدالة والمساواة والتعاون، ومنع الظلم والتغول والاعتداء، والتخلي عن سياسات الاحتلال والاستعمار التي نشأوا عليها قديماً، وحافظوا عليها حديثاً لكن مع تبديلٍ في الأشكال وتغييرٍ في الوسائل والأساليب.