اللون الأزرق في رواية “عداء الطائرة الورقية” لخالد حسيني
بقلم: د. صافي صافي
تاريخ النشر: 06/05/23 | 19:34
صدرت الرواية بالعربية عن دار دال للنشر والتوزيع/ سوريا/ دمشق في 368 صفحة من القطع المتوسط سنة 2003، بترجمة منار فخر الدين فياض. حازت الرواية على جوائز عديدة في سان فرانسيسكو، جائزة الحياة من مؤسسة الثقافية المسرحية الأمريكية، وتنويه المكتبة الأمريكية. هي الرواية الأولى للحسيني أفغاني الأصل، أمريكي الجنسية، وأصدر بعدها عدة روايات (ألف شمس مشرقة 2007، ورددت الجبال الصدى2013، صلاة البحر 2018). اعتبرت هذه الرواية من أكثير الكتب مبيعاً، حيث بيع منها سبعة ملايين نسخة، وتم ترجمتها إلى لغات عدة، وأنتج فيلم تحت العنوان نفسه عام 2007.
خالد حسيني، هو كاتب وطبيب أفغاني أمريكي، ولد في 1965 في كابول، انتقل وعائلته إلى إيران، حيث كان يعمل والده في سفارة أفغانستان في طهران، وفي أواسط السبعينيات حصل والده على وظيفة في باريس، وبسبب الغزو السوفييتي، حصل على حق اللجوء السياسي في أمريكا. حصل على بكالوريوس أحياء 1988، ثم أنهى دراسة الطب 1993، وكانت هذه الرواية نقطة تحول في حياته. عمل مبعوثا للنوايا الحسنة للأمم المتحدة لشؤون اللاجيئن، وساعد في أعمال خيرية في أفغانستان.
إن أي تلخيص للرواية هي قراءة بحد ذاتها، وقد مر الكثير من الكتاب والنقاد في سرد قصة الأخوين غير الشقيقين أمير وحسن، فالأول أمّه بشتونية، بينما أمّ الثاني هازارية فقداهما بعد ولادتهما، الأولى ماتت، والثانية هربت مع المغنين والراقصين، وأرضعتهما “سكينة” (حسن وأنا رضعنا من الصدر نفسه: 21)، أبوهما سارق بالمعنى الوارد في الرواية، فهو مغتصب، وكاذب. يعيش حسن في قصر برجوازي في “وزير أكبر خان”، شمالي كابول، ويخدمهما علي وابنه حسن. عاشا معا، وطيّرا الطائرات الورقية معا، “ومشينا خطواتنا الأولى على المرج نفسه، وتحت السقف نفسه نطقنا بكلمتنا الأولى، كلمتي الأولى كانت بابا، كلمة حسن الأولى كانت أمير، اسمي: 21″، وتعرض حسن للتنمر والغيرة من قبل أمير، الذي كان يشعر بحنو خاص من أبيه. فازا بمسابقة الطائرة الورقية، وكما كان حسن بارعا في المقلاع، والتقاط الطائرات الورقية الساقطة. عاصف ألماني الأمّ أفغاني الأب (أشقر ذو عينين زرقاوتين)، هتلري الثقافة، يتنمر على الأطفال خاصة حسن، وفي يوم الفوز في مهرجان الطائرات الورقية الشتوي، راح حسن يلتقطها، وهناك حشره عاصف وأصدقاؤه، وتم اغتصابه. جبن أمير في الدفاع عن حسن، وبدأ بنصب المكائد لحسن، حيث كانت فرقتهما، إذ اتهمه بسرقة الساعة وبعض المال اللذين حصل عليهما كهدايا في عيد ميلاده. جاء الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، ليحسم هجرة البرجوازيين إلى باكستان، ثم أمريكا. عاش أمير في أمريكا، وأنغمس في حياتها وثقافتها، حتى أنه تزوج من ابنة الجنرال (إقبال تاهيري) التي كانت قد هربت من أبيها، وعاشت مع أفغاني مدة شهر.
تصل رسالة من رحيم خان، صديق والد أمير، تفيده بعلاقة أبيه مع زوجة علي، وأن حسن أخوه، وأنه مات، وترك صبيا اسمه (يعني الرونق والصفاء المشوب بالحمرة، واللطافة، والعزة).
يعود أمير إلى أفغانستان وقت طالبان، ويجد أن يخدم عاصف أحد أذرع طالبان، حيث اعتبر صبي عاصف، يرقص، ويغتصبه أيضا. تدور معركة بينهما، كاد أمير أن يفقد حياته، لولا المقلاع الذي ورث مهارته من أبيه، فيفقأ عين عاصف، ويهربان إلى الباكستان، ويعودان إلى أمريكا. هناك يطيّران الطائرة الورقية بحرية.
سأتناول الرواية من زاوية اللون الأزرق الواردة فيها، فكثر حتى أنه يعتبر من ملامح الرواية الرئيسية. فاللون الأزرق يعني: الطاقة والإثارة والنشاط، والهدوء والسكينة، فهو يرتبط بالسماء الصافية والسلطة، والثقة والكرامة. ويُشير إلى النظافة، والقوة، والذكاء، والخيال الواسع، والإلهام والحساسية، والحكمة والاستقرار، والإيمان، والتفاني والحنين، والمسؤولية، والوفاء، والصدق، والأمان الداخلي. والعيون الزرقاء حاسدة، بينما يرتديه الأطباء والممرضون. والدم الأزرق هو دم العنصريين تجاه الآخرين، فهو دم الفاشست.
في الرواية يشير إلى الحرية والإنطلاق، بعيدا عن القمع والكبت، ويتجلى بشكل أوضح في علم الولايات المتحدة، في مستطيلها الأزرق الذي يتحوي على 51 نجمة بعدد ولاياتها، فاللون الأحمر يعبر عن البسالة والصلابة، والأبيض يشير إلى الطهارة والنقاوة والصفاء والبراءة، أما الأزرق فيشير إلى اليقظة والمثابرة والعدالة.
أما علم أفغانستان، ففيه الأخضر والأحمر والأسود، ولم يشر إلى تلك الألوان إلا لماماً، وبصورة متفرقة، غير مركزة.
الطائرة الورقية تشير إلى الانطلاق في السماء الزرقاء، ومهرجان الطائرة الورقية هو تقليد سنوي شتوي، فتوصف مرحلة الملكية في أفغانستان، قبل العام 1978 بالحرية والإنطلاق، فأبو أمير هو من رجالات الدولة، وكان رجل أعمال أرستقراطي، وممثل دبلوماسي في عديد الدول. عاش أمير هذه المرحلة في شمال كابول، ومنذ الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وبعد حكم طالبان، انتهى هذا التقليد، وفي بداية الرواية وفي نهايتها، تظهر الطائرات الورقية الحمراء (الخطوط الأفقية في العلم الأمريكي، بأذيال زرقاء (مربع الولايات المتحدة)، تحلق عالياً في السماء، وترقص فوق الأشجار.
عندما اشتركا أمير وحسن في مهرجان الطائرات الورقية، وأسقطوا آخر طائرة نافستهم، كان لونها أزرق، ركض حسن لجلبها تعبيرا عن النصر والغلبة، وقعت في زقاق، فإذا بعاصف يحاصره هو ورفيقاه، كان بعينيه الزرقاوتين، وبنصف دمه “الأزرق” (أفغانيا ألمانيا)، يحاول ابتزاز حسن، وتنتهي باغتصابه. حمل حسن الطائرة الورقية، مكسور الخاطر، مغتصب، والدماء تنساب نقاطاً على الثلج الأـبيض، فتسود. سلمها لأمير، الذي شهد اغتصابه دون أن يدري، وحملها كعلامة نصر مشوبة بالهزيمة، والجبن، ظلتا ترافقاه طيلة حياته، مرة شعوراً بالغيرة من حسن، ومرة أخرى بالندم، ومحاولة التكفير عن الذنب.
قام أمير، بنصب مكيدة لحسن، فأخفى ساعة اليد الزرقاء، وبعض المال، تحت مخدة حسن، ملصقا به تهمة السرقة، فما كان من حسن إلا الاعتراف بذلك، حبا ووفاء لصديقه أمير، فيقرر الأب “علي”، الهازاري أن يرحل، رغم فقره، وتشوه وجهه، ومشيته العرجاء. حزن الأب كثيراً، فهو ابنه من “صنوبر”، زوجة علي التي تصغره ب 19 عاما.
حين رحل أمير إلى أمريكا، والتحق بالجامعة، واختار تخصصه (اللغة) بحرية، امتلأ المدرج عند التخريج، ب “الأرواب” الزرقاء، والفتيات يصرخن ويتعانقن ويبكين فرحاً، وهو كذلك مثلهم يتشح بالأزرق، لون المحيط الهادي، المتسع إلى آخره، فهو حلم الطفولة الذي رآه في الأفلام.
في أمريكا، يتعرف على صديق أبيه القديم (الجنرال تاهيري)، وبعدما عرف أن أمير مهتم بالكتابة، اختلف حول مواضيعها، هل هي حول القصص الإبداعية أم التاريخية لأفغانستان، وحين سلم عليه الجنرال، كانت عيناه الزرقاوتان شاحبتين، ربما بسبب غربته، وفقدانه لقب الجنرال الذي حصل عليه في أفغانستان. يعجب أمير بابنة الجنرال (ثريا)، وحين تقدم لخطبتها، ارتدى بزّة زرقاء بلون البحر.
بناء على اتصال صديق أبيه من باكستان (رحيم خان)، ليعود، ويأخذ معه (ابن أخيه حسن)، رأى الطائرات الورقية الحمراء بذيول زرقاء في سان فرانسيسكو، وحين وصل أفغانستان، كانت الطرقات مليئة بالدراجات الهوائية، والريشكوزات (الدراجات النارية) تنفخ دخاناً أزرق، تدور في متاهة الطرق والأزرق الضيقة. رأيت مشهداً مؤثرا حين عادت “صنوبر” أم حسن، الهاربة منذ ولادته مع الراقصين والمغنين (الغجر ربما)، التي تخلت عن زوجها وابنها، ومارست الدعارة، انقلب لون السماء من الأزرق الساطع إلى الأرجواني.
عاد أمير إلى الملجأ الذي كان فيه ابن أخيه حسن، وكانت السماء، سماء أفغانستان تتوق للحرية والانطلاق، واسعة زرقاء. علم أمير من مدير الميتم، أن أحدهم أخذه لخدمته، وأشياء أخرى، فظهر إليه، رجل ضخم، بلحية عظيمة، منفذ حكم الإعدام بالزانيات والزانين في الملعب، بين الشوطين، ظهر بمسبحته الزرقاء الفيروزية، فإذا به عاصف، الأفغاني الألماني، المغتصب لوالده، طفلا كذلك. طلب أمير أن يرى ، فأوتي به مع حارس، يحمل ستيريو، خلفه طفل، يرتدي الثياب التقليدية بلون الزفير الأزرق. خلع عاصف نظارته السوداء، ليتعرف عليه أمير، وطلب من أمير أن يخلع لحيته الصناعية، وكانت عينا عاصف زرقاوتين قاتلتين، مصبوبتين على عيني أمير.
تجري معركة بالأيدي من طرف عاصف، بينما أمير مستسلم لضرباته، حتى أصيب في كل أنحاء جسده، في شفته (مثل شفة أخيه حسن الأرنبية)، وفي عينه، وفكه. كاد أن يموت، كانت عيناه منتفختان ومزرقتان، لولا مهارة باستخدام المقلاع مثل أبيه، فصوب كرة نحو عاصف لتستقر في عينه اليسرى.
يتمكن أمير أخيرا، من الحصول على تأشيرة من السفارة الأمريكية في باكستان،لابن أخيه ، وفي غرفته العلوية في الولايات المتحدة، يعرفانه على غرفته، وسريره بشراشفه، مطبوعا عليها طائرات ورقية ملونة، تطير في سماء زرقاء نيلية.
ياتي الجنرال وزوجته على العشاء، فيتعرفا إلى ، وتهديه كنزة زرقاء. في الخارج، في الحديقة، حيث الأفغان يمارسون طقسهم المعتاد، يشتري أمير طائرة ورقية، ويعيد اللعبة مع ، محاكاة لدوره في طفولته مع أبيه حسن. إنهما يعودان إلى الحرية من جديد.
فازت الرواية بعدة جوائز، لكن ورغم توق خالد حسيني للحرية التي يراها من خلال كونه من الطبقة الأورستقراطية، المتنفذة أيام الحكم الملكي، ومن خلال مثاله الأعلى أمريكا، فهناك بعض الأسئلة:
1- هل كان سيكتبها، لو عرف نهايات المشهد في أفغانستان، فطالبان عادت؟
2- هل ما زال يرى في أمريكا شعارا للحرية والانطلاق إلى العالم الواسع، بعد احتلال دولا أخرى بعد أفغانستان؟
3- هل ما زال يرى في الحكم الملكي، اللون الأزرق، أفقا واسعاً للطائرات الورقية؟
4- كيف وفق بين ذوي الدم الأزرق، والحريات التي ليس لها حدود في بين البحر والسماء؟
مقتطفات من الرواية حول اللون الأزرق:
· “اتصل بي صديقي، رحيم خان من باكستان، وطلب مني أن أذهب لأراه، ….، ذهبت لأمشي بجانب بحيرة سبريكلز، ….، نظرت لللأعلى، ورأيت زوجاً من الطائرات الورقية، حمراء بأذيال زرقاء طويلة، تحلق عالياً في السماء، ترقص فوق الأشجار عند النهاية الغربية للحديقة فوق طواحين الهواء، تحلقان جنبا إلى جنب، كزوج من العيون تحرسان سان فرانسيسكو، المدينة التي أسميها الآن وطني” (ص11)
· “عاصف الأشقر، (ولد للأم ألمانية، وأب أفغاني)، ذو العينين الزرقاوين، حكم كل الأولاد الآخرين: 47).
· “الهدية الثانية التي أهداني بابا إياها (في عيد ميلاده)، كان ساعة يد، بزجاج أزرق وعقارب ذهبية” (كانت الهدية الأولى دراجة: 110).
· “في ذلك الصيف، سنة 1983، تخرجت من الثانوية وعمري عشرين سنة، كنت أكبر خريج يرمي قبعته في ملعب الفوتبول، أذكر أني أضعت بابا بين زحمة العائلة، وفلاشات الكاميرات، والأردية الزرقاء، …، فتيات بالأزرق، يصرخن ويتعانقن ويبكين: 136”
· “أول مرة رأيت فيها المحيط الهادي، كنت سأبكي، كان ضخما وأزرقا كما في شاشات السينما في طفولتي: 141).
· “تبادل (الجنرال تاهيري) القبل، وصافح يدي بيديه الاثنتين، أتمنى لك التوفيق في الكتابة، قال وهو ينظر إلى عيني تماما، عيناه الزرقاوتان الشاحبتان، لم تظهرا شيئا مما يفكر فيه:146”. (عندما لفتت انتباهه ابنته ثريا).
· “وصلنا إلى بيت التاهيري المساء التالي، ليتقدم والدي لخطبتها (ثريا) رسميا، …، كنت أرتدي بذة زرقاء بلون البحر:171)”
· “رأيت زوجا من الطائرات الورقية، حمراء بأذيال زرقاء، تطيران عاليا فوق الأشجار على الطرف الغربي من الحديقة: 194” (في سان فرانسيكو).
· “كانت الطرقات مليئة بركاب الدراجات الهوائية، متجولين، ريشكوزات تنفخ دخانا أزرق، كلها تدور في متاهة من الطرقات والأزقة الضيقة، بائعون ملتحون يلفون أنفسهم بأغطية خفيفة من جلد الحيوان، يبيعون مظلات مصابيح، سجادات، …: 197” (حين عاد إلى أفغانستان).
· “أفلت حسن يدها، وطار خارج البيت، ذهبت وراءه لكنه كان سريعاً جداً، رأيته يركض على التلة حيث كنتما تلعبان، أقدامه تركلان غيوما من الغبار، تركته، جلست مع صنوبر كل اليوم، بينما انقلب لون السماء من الأزرق الساطع إلى الأرجواني: 211” (حين عادت أم حسن (صنوبر) إلى ابنها).
· “السماء كانت واسعة وزرقاء:262” (في أفغانستان).
· “مسبحة بحبات زرقاء فيروزية: 273” (مسبحة عاصف).
· “فتح الباب، ودخل الحارس، يحمل ستيريو- ميكسر على كتفه. خلفه طفل، يرتدي بيرهان-تومبان بلون الزفير الأزرق: 276” (عندما أحضروا له (عاصف) سهراب).
· “جاءوا بالطفل، …، ثم خلع نظارته وصب عينيه الزرقاوتين القاتلتين على عيني: 278” (عندما التقى بعاصف لاسترداد الطفل).
· “كانت عيناي منتفختان ومزرقتان: 300” (وهو في المشفى أمام المرآه في بشاوار).
· “كانت السماء زرقاء خالية من الغيوم:348” (بعد أن انتقل سهراب من العناية المكثفة إلى الغرف).
· “كان مطبوعا على الشراشف طائرات ورقية ملونة تطير في سماء زرقاء نيلية: 353” (غرفة سهراب في أمريكا).
· “أتى الجنرال وكالا الجميلة على العشاء، … أعطته كنزة زرقاء:355” (أعطت حماته الكنزة لسهراب).