قراءة في كتاب “وهكذا أصبح جاسوسا” للكاتب وليد الهودلي
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 05/09/23 | 12:55“الحذر واجب”
قرأت كتاب “وهكذا أصبح جاسوساً” للأديب وليد الهودلي (رواية، الطبعة الثانية، 171 صفحة، إصدار مركز بيت المقدس للأدب. من إصداراته: ستائر العتمة، الشعاع القادم من الجنوب، ليل غزة الفسفوري، أمهات في مدافن الأحياء، مدفن الأحياء، مجد على بوابة الحرية، أبو هريرة في هداريم، في شباك العصافير، منارات، النفق، ورواية “فرحة”) ووجدتها امتداداً لرواية ستائر العتمة.
في لقاءاتي بالأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال بالسنوات الأخيرة تردّد اسم الهودلي وكتبه كثيراً على ألسنتهم، منهم من قرأه قبل الأسر ومنهم بعده، ولكن كان شبه إجماع أنها كتب إلزاميّة لكلّ ثائر ومقاوم مقحم على الاعتقال.
يتناول الكتاب أساليب المخابرات في إسقاط المعتقلين، وذلك من خلال غرف العصافير وغيرها من الوسائل). العصافير (ص. 10)، وعصفور على الفيس بوك (ص. 19).
يحوي الكتاب عشرين قصة من عالم السجون، منها قصص مؤلمة ومنها المفرحة، منها القصص الغريبة والعجيبة، تحكي واقع السجن وسيّد الموقف هو الجهل و/أو الإهمال و/أو عدم الحذر و/أو الإيمان المفرط بالقدر.
كأنّي بوليد الهودلي يتمختر في السجون ليتصيّد الحكايا، كلّها واقعيّة، ليدقّ ناقوس الخطر ويقوم بدور المسحّراتي لينبّه المعتقل الفلسطيني لمكائد السجّان وحيله وألاعيبه، ويقولها بصريح العبارة في القصّة التي تحمل عنوان “صديق عمّي أعماني”: “واصل قلمي في الأسبوع الخامس هوايته في صيد الحكايات من الأقفاص الفولاذية، وأصرّ على أداء واجبه في تحري قصّة أخرى من النسيان”. (ص55).
نعم؛ لكلّ أسير قصّة وحكاية (ص. 6).
وجدت في الكتاب رسائل في التجربة الاعتقالية، توعوي بالأساس وكأنّي به يقول بأنّنا ندرس تاريخ وتجارب ما مرّ به الأوّلون كي نعيش واقع الاعتقال لنؤمّن مستقبل أفضل، فنحن نقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها من سبقنا، ورغم الوعي الأمني نتهاون وتنطلي علينا أساليب العدو ونقع ورسالته واضحة: إيّاك والثقة المطلقة بنفسك، وعلى المعتقل أن يعي ويعرف جيداً “منذ لحظة اقتلاعه من بيته إلى حين عودته، وما بينهما لا يمكن التعامل معه على أساس الثقة أو الضعف أو مرة وتفوت”.
يركّز الكاتب على معادلة قبول التسويات مع الاحتلال مقابل تسهيلات ومكتسبات آنية، مثل السفر أو تصريح عمل أو دراسة خارج البلاد أو علاج “ساعدنا نساعدك” المرفوضة جملةً وتفصيلاً فالتنازل مثل “المسبحة لمّا تُفرط”.
كما وينبّه الكاتب من استغلال المعلومات الحياتيّة والاجتماعية لابتزاز اعترافات واهية وشعاره: ” لا تثق بأحد في السجن، لا أقرباء ولا أصدقاء”.
نوّه الكاتب لأهميّة مواقع التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة وذكائها المفرط وسهولة اختراقها، وشعارك يجب أن يكون “لا خصوصيّة ولا أمان بعد اليوم”.
سمعت الكثير من الحكايات عن محاولات المحقّقين الإيقاع بالمعتقل بشتى الوسائل لإضعافه وانتزاع الاعترافات، يتناوب المحققون ويمارسون التمثيل المخادع ما بين محقق مهذب لطيف وآخر شرير، مثلها مثل مكر “العصافير”؛ خدعة إدخال متعاونين مع المحققين إلى الزنازين بحجة أنهم مناضلون تعرضوا للتعذيب، لعلهم يحصلون على معلومات من ذلك المعتقل وحين يفشلون في ذلك، ولا ينجحون بأن يأخذوا حقا أو باطلا، فيتبخّر هؤلاء العصافير من الزنزانة، وكما وصفت الأمر منى قعدان بسخرية سوداوية قاتلة “طارت العصفورة”.
كأنّي بصديقي وليد الهودلي ينادي بضرورة اعتماد ثقافة الأسر في المناهج الدراسية؛ فالاحتلال يطوّر باستمرار أساليبه لإسقاط جيل بأكمله، ويتوجّب علينا تحصين الجيل الصاعد بمضادّات حيويّة مانعة حتّى نقيه من خطر الإسقاط الأمني.
راق لي تناوله لطقوس اللقاء بالأسرى في سجن جديد (ص. 5) وطقوس استقبال الأسير الجديد (ص. 11) “على الداير يا شباب”.
وكذلك تصوير حياة المعتقل والأسر؛ حفلات العذاب، الهزّ، شبحة الضفدع، شبحة الحائط، شبحة الموزة. والله موجع يا صديقي! وعالم السجن ومصطلحاته؛ متسادا، البوسطة (تصوير البوسطة؛ جنازة مصفّحة (ص. 9)، الجنازة الحديديّة)، شِحرور، دوبير، البرش وغيرها.
قضيّة الإسقاط الأمني تلاحق أسرانا وتقضّ مضاجعهم فتناولها الأسرى الأصدقاء حسام زهدي شاهين في روايته “زغرودة الفنجان”، هيثم جابر في روايته “الشهيدة”، معتز الهيموني في روايته “سراج عشق خالد”، وعمار الزبن في مخطوطة روايته “ملائكة على أبواب جهنم” ووليد الهودلي يُمَوضعها في الواجهة.
ملاحظات لا بدّ منها؛
وجدت قصّة شُبّاك رقم (10) (ص. 59) دخيلة، لا تتلاءم والمجموعة.
وهناك خطأ فادح؛ BMC وليس PMC (ص. 131) وغيرها.
وسم الكاتب أو الناشر الكتاب وأطلق عليه اسم رواية، ولكني وجدته أقرب إلى مجموعة قصصية، أو نصوص سرديّة مفتوحة تناول فيها 19 قصة وحادثة، مباشِرة وواقعيّة موجعة، تنقصها الحبكة الروائية التي وجدتها في رواياته.
وحين أنهيت قراءة الكتاب ثانيةً جاءني ما قاله لي الأسير راتب حريبات خلال لقائي الأخير به: “كرّهونا العصافير، كنت في صغري أعشق العصافير وصيدها في البراري، وحين تعرّفت على عصافير آدميّة بتّ أكرهها، وخاصّة بعد تعرّفي على عصافير عوفر ومجيدو، نفس الخطأ يتكرّر، الوقوع مع العصافير، ولم يأخذ شبابنا العبرة ممّا كتبه الصديق وليد الهودلي في “ستائر العتمة”.
*** مشاركتي في ندوة اليوم السابع المقدسيّة يوم الخميس 31.08.2023