لمثلهم الجنة تنادي

القدس هي “زهرة المدائن في فلسطين، ملكة تتربع على عرشها، تلبس تاج الفخر والوقار، يلمع فوق رأسها تزينه جبهات الساجدين والمستغفرين، وحناجر المرابطين حين تهتف لبيك يا اقصى لبيك… من بيت المقدس خرجنا عازمين الى بيت العز والشرف كان مقصدنا، الطريق ليست بعيدة لا تبعد عن بيت المقدس سوى 4 كيلو متر، حي شعفاط تعيش فيه عائلة الشهيد محمد ابو خضيرة الذي قتل بدم بارد… ليس هناك وصف لمرتكب هذه الجريمة الا انه ليس من بني البشر.. دخلنا الحي نبحث عن البيت، ليس هناك ضرورة لكثرة السؤال، فمعالم البيت تتحدث…هنا بيت الشهيد، خيمة… لافتات، صور… وتسمع انين جدران البيت من ملامح الحزن الذي توشح به الشجر والحجر من حوله… البيت بحلته العربية لكنه تعطر برائحة زكية لا يعرفها الى من فقد نفسا فاضت الى بارئها واتخذت مكانا عليا في الجنة، ويطبع الحزن همساته الحزينة اجواء عكسية… يكحل المكان بملامح التحدي والامل، في مدخل البيت كانت تجلس، تحمل حزنا يهد الجبال،عيناها براقتان تبث الحنين والشوق لمن رحل وتركها، ترسم على محياها ابتسامة حزينة، تقف بكل صلابة تستقبلنا بترحاب انها ام الشهيد محمد ابو خضيرة. جلست انظر الى تلك الام الواثقة بالله ثم بنفسها، تحمل في داخلها طاقة كامنة وإرادة وعزيمة وتوكل على الله، من اين جاءت هذه الام بكل هذه القوة والصمود ؟ قبل اسبوعين فقدت قطعة من كبدها، ودعت زهرة حياتها… يا الله ما ارحمك كيف لا وانت القائل :{ وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون } هذه هي المعادلة الربانية التي انتهجتها امهات فلسطين الصبر وغرس الشهادة في نفوس الابناء منذ نعومة اظافرهم.. هذه الاسئلة كانت تدور في راسي وتتجول بين خلايا التفكير وحجرات الاحاسيس والمشاعر الجياشة التي لولا صمود هذه الام الجبارة ما امسكت نفسي عن البكاء.
في هذه اللحظات تبدو الافاق المظلمة كانها باسمة مشرقة، ويتحول السكون الى نبرات مطربة، تنبعث من كل صوب، وحينئذ تتغنى النفس الواثقة المطمئنة لتقول : ما اكرمك يا الله.
لعلنا جميعا نسال الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا الشهادة، ولعل البعض يشترط على الله في دعائه اين تكون شهادته والمكان الذي يحب ان تفيض به روحه الى جوار ربها.. ولكن هنا في فلسطين المشهد مختلف لان الشهادة تمنح لصاحبها منذ ولادته، لان والدته توهب روح مولدها منذ ولادته الى خالقها، لذلك مفهوم الشهادة في فلسطين له طعم اخر، وله لون مختلف، يسالون المولى ان يرزقهم الشهادة ليصنعون حياة الناس وتؤمن مستقبلهم، فايقنوا في وعده وداوموا على سؤاله سبحانه ولكن الصانع للحياة الرافض للذل بحاجة الى ان يكون اقوى الناس واعبد الناس وخير الناس واغنى الناس اذ هو يجود بأغلى ما يملك وهي الروح.

لماذا احزن ابني شهيد ؟!
انني اعلم اني ابني شهيد، الان هو يترف ويترغد في نعيم الجنة، كيف لا وقد كان صائما في النهار وصلى القيام وذهب متوضأ الى المسجد ليصلى صلاة الفجر، ولماذا احزن ؟ وقد فاضت روحه الى بآريها وكيف لا افرح؟ وقد كان شعلة نور وهبتها لفلسطين وكيف لا استيقن انه في الجنة وقد كتب في اخر كلام له على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ( رمضان في الجنة اجمل ).

الله يرضى عليك يا محمد موعدنا الجنة…
تتنهد قليلا وتحبس الدمع في مقلتيها، وتبتسم ابتسامه ملئها الفخر والاعتزاز وتقول بروح التحدي والإصرار: فداك يا اقصى وفداك يا فلسطين لن نركع لن نخنع الموت او التحرير، والله يرضى عليك يا محمد وموعدنا الجنة

اشراقة أمل…
جميل ان نربي ابنائنا على القيم والمبادئ الاسلامية والاخلاق العالية، ولكن الاجمل ان نزينها بالعبادات كالصلاة والصوم والصدقات وقراءة القران وحب الوطن وطلب الشهادة لاجل الدين ولاجلك يا فلسطين… وما زال الجرح ينزف والظلام يشتد حلكة والعروس بتاجها تنتظر الفارس الذي سيحررها من اسرها، ونحن بعزمنا وهمتنا وثقتنا بالله نقول : هدي يا بحر هدي قربنا بعودتنا ودي سلامي ودي للارض الي ربتنا…

دانية خالد حجازي