هندسة التغيير ” الهندرة ” كمفهوم وممارسة

تاريخ النشر: 09/09/14 | 11:09

في فضاء الحياة الإدارية المتجدد، نشأت مجموعة من النظريات الإدارية التي تعبر عن حصاد التجارب الإدارية السابقة وتلخص النافع منها وتستقي مصادر القوة والمنفعة منه، وتشطب القيم والممارسات والمفاهيم السابقة التي ثبت بالتجربة فشلها في التعاطي مع الواقع.

أحد هذه المفاهيم العصرية، هو مفهوم هندسة التغيير، أو ما يعرف باسم عملية الهندرة، فما هو هذا المفهوم وما هي طبيعته وتجلياته ؟ وما هي آليات تطبيقه بنجاح في عالمنا المعاصر ؟

مما لا شك فيه بأن العالم العربي بدأ يتوسع في فهم التجارب – ولو بإطارها النظري الفلسفي – ولكننا بحاجة ماسة اليوم إلى هضم هذه المصطلحات وقولبتها بشكل منظومة قيمية واعية وواعدة تصلح للبناء عليها في مواجهة الترهل الإداري والفساد والواسطة والمحسوبية والتضخم الوظيفي القائم على الولاءات والإكراميات ونحوها من سلبيات الواقع الإداري العربي العام.

مفهوم الهندرة الإدارية Business Reengineering هو البدء من جديد من نقطة الصفر وليس إصلاح وترميم ما هو قائم أو إجراء تغييرات تجميلية بل التخلي التام عن إجراءات وممارسات العمل القديمة، والتفكير بصورة جديدة مختلفة لتحقيق رغبات الزبائن والعاملين وتوجهات الإدارات المختلفة.

والهندرة مصطلح وهوية، حيث نشأ مصطلح الهندرة لأول مرة في عام 1992م بواسطة الكاتبان الأمريكيان مايكل هامر وجيمس شامبي عندما أطلقا أسم الهندرة كعنوان لكتابهما (هندرة المنظمات ) وعرفا الهندرة : بأنها إعادة التفكير بصورة أساسية وإعادة التصميم الجذري للعمليات الرئيسة بالمنظمات بهدف تحقيق نتائج تحسين هائلة في معايير الأداء الحاسمة مثل الخدمة والجودة والتكلفة وسرعة الإنجاز.

السؤال الهام هنا : لماذا هندسة التغيير ؟

منطقيا ينساب الجواب بأريحية : لكي تكون المؤسسات الحكومية والأهلية ومؤسسات الاتصال والتفاعل الخدماتي ناجحة في العالم العصري ( وفي ظل العولمة ) ستكون المؤسسات والمنظمات ملزمة بأن تعمل وتنتج بالمردود الأقصى في ظل وجود إدارة تتصف بالمعرفة والخبرة والمرونة والمبادرة

في هذا المجال، نرى أن الدراسات والإحصائيات هامة جداً ولها دلالاتها.. فأكثر المؤسسات نجاحاٌ في البيئة العالمية الجديدة هي التي تتميز بالإبداع والتنوع والمهارة في مواردها البشرية والتي تتفهم آلية السوق وتلبي حاجات ورغبات الزبائن وتوقعاتهم والتي تدار وفقاٌ لمبادئ: ” إعادة هندسة نظم العمل (Business Reengineering ) والجودة الشاملة “، وهي محاور هامة ليس هنا مجال التوقف عندها.

التغيير نحو الأفضل مطلب جذاب ومرغوب، ومطلوب نظريا من الجميع، فكيف يمكن لنا أن ننطلق به نحو الواقع ؟

بكل تأكيد، مسؤولية إسقاط الأفكار العامة وتسويقها وضبط البوصلة وتحديد المسارات والاتجاهات تتصل بوجود عنصر واحد فاعل، ألا وهو عنصر القيادة، وليس أي قيادة، بل قيادة التغيير التي تؤمن به وبجدواه وبانعكاساته وفوائده، ولديها الجاهزية لاتخاذ القرارات الصعبة، وتوجيه الكادر البشري ومصادر القوة لديها لتحقيق النجاحات المطلوبة من مثل هذه الخطوات التغييرية التي تعصف في البيئة والميول الفردية والجمعية في نهاية المطاف ولا ريب.

واجبات قيادة عملية هندسة التغيير متنوعة متعددة الاتجاهات، من أهمها :

أنها مسؤولة عن تسويق أفكار هندسة التغيير من أجل إدراك الحاجة الملحة إلى ضرورة تطبيقها في الواقع، وهذا معناه انخراط المجموع في العمل والإنتاج، إضافة إلى إشاعة وتعميم مفاهيم ومفردات وأفكار هندسة التغيير والجودة الشاملة في أوساط العاملين.

كما يناط بهذه القيادة الناضجة نشر الوعي بأهمية المشروع بالأبعاد الثلاثة الذي يبين تداخل الحق والواجب الخاص مع العام وانعكاس نجاح المشروعات على مصالح العمال أنفسهم ومصالح المؤسسة.

يتطلب هذا الأمر، التركيز على التدريب وتعزيز قيم وأخلاق الجودة حتى تصبح الجودة سلوكا ونمطا سلوكيا حركيا دائماً لدى الفرد، وهذا معناه ؛ إخراج العاملين من حالة السكون والرتابة والروتين وبالتالي تجفيف حالات مقاومة التغيير بكل أشكالها، وبالتالي خلق الحراك والمناخ واللحظة الملائمة للبدء بتنفيذ المشروع.

ينبغي الخطر الشديد هنا، واعتماد منهجية التطوير في التفكير والتخطيط عامة، تحت شعار واضح : التغيير عملية شاملة توافقية.

وحتى ينجح مشروع “هندسة التغيير ينبغي لنا أن نقوم بالاتي :

– التعامل بروح فريق العمل تخطيطا وتنفيذا.
– إنجاز العمل في مكانه وبقرار الفريق.
– برمجة آليات واضحة لدمج العمليات أفقياٌ ورأسياٌ.
– تنفيذ العمل في الزمن المحدد وبأسلوب يختزل الوقت والجهد والإنفاق المادي.
– اعتماد التخصصية الواعية والمنضبطة في التعيين والاعتماد عليها في الإنجاز.
– تغيير نمط الحوافز والعقوبات ليتوافق مع السياسة الجديدة للمنظمة أو المؤسسة وبناء على النتائج لا على شكل وحجم النشاط.
– اعتماد القرارات الإدارية وفق ميول ورغبات الزبائن.
– إتاحة الفرصة للعاملين للإبداع والابتكار في مجالات تخصصهم وضمن صلاحياتهم لخلق آلية عمل وإنتاج وإدارة تلائم العصر.

ولتحقيق هندسة التغيير الفعلية باختصار، يجب أن يكون شعار المنظمة أو المؤسسة: اليوم وغداً، وليس التفكير في الربح العاجل أو النجاح المرحلي المؤقت.

المستشار : د نزار نبيل الحرباوي

nezarnbeel

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة