مات …… والأعمار بيد الله !
تاريخ النشر: 21/12/10 | 7:26بقلم: يوسف جمل
وقع الخبر على أهل القرية الوادعة الهادئة الوديعة البديعة كوقع الصاعقة وساد الذهول والحزن والأسى على الجميع فقد عرف بمقدار حب الناس له واحترامهم وتقديرهم لشخصيته ولما له من الأثر الطيب في النفوس من خلال عمله ودوره وأفضاله على الجميع فقد قضى عشرات السنين من عمره في موقعه يؤدي رسالته المقدسة بتفانٍ وعطاء ما لهما مثيل.
يحبه الجميع ويحترمونه ولا تكاد تكون مناسبة في البلدة إلا وتجده بين أوائل المدعوين وأوائل الحضور, الجميع يصافحونه بحرارة ويحيونه بشدة وحب ولا تنجح العيون في إخفاء المشاعر نحوه ومن أحبه الله حبب فيه خلقه ورضي عنه الجميع صدقاً لا مداراة ولا مجاراة.
نجح منذ بداياته الأولى في الدراسة رغم قسوة الظروف وضيق الحال وثابر واجتهد وتعب وكد حتى عرف عنه الطيبة ودماثة الأخلاق والتنقل من نجاح إلى نجاح في صباه وشبابه ورجولته.
وكان ابناً لعائلة كثيرة الأولاد والأعداد وبسيطة الحال والأحوال لكنه لم يعرف اليأس سبيلا إليه فاشتغـل وعمل وتعلم وتقدم حتى أصبح المعلم الأول في قرية صغيرة نائية في سفوح جبال وتلال هذا الوطن.
وما أن انتشر الخبر في أرجاء القرية حتى رأيت الناس يركضون ويهرولون إلى بيته ليستطلعوا حقيقة الأمر وصدق الخبر المحزن , حتى تجمع كل من في القرية صغاراً وكباراً بجانب بيته المعروف للجميع, فما من أحد لم يدخله أو يلجأ إليه لحاجة أو ضرورة في طلب المساعدة في رسالة بلغة لا يتقنها ولا يجيدها أو في استشارة بخصوص دراسة ولده أو في استعارة كتاب أو مادة أو في مشاورة في أمور الدنيا والدين أو باستنارة وقت الشدة أو المحن أو في مشورة بخطبة أو زواج أو في تسيير الأمور العالقة في ما بين العباد وعلاقتهم ببعضهم البعض .
الجميع في محيط البيت وفنائه وحديقته يجلسون يحاولون استيعاب الحدث, كل بطريقته, هذا يصرخ وذاك يبكي, هذا يتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة وهذا يردد لا حول ولا قوة إلا بالله وذاك يقول إنا لله وإنا إليه راجعون, هذا يضع رأسه بين يديه ويطرق بوجهه إلى الأرض وذاك يروح ويجيء وذاك يجلس بصمت وهدوء, كل من في الحضور يحاول أن يستوعب ما حدث.
والأولاد طلاب المدرسة الصغار يقفون في زاوية من ساحة البيت وفي جوانب الطريق مجموعات مجموعات لا يتكلمون إلا كلمة هنا ووشوشة هناك والألم يعتصر الجميع.
لقد كان بالنسبة للجميع ليس مجرد مدير مدرسة إنما كان الأب والأخ والصديق والرفيق والجار والمختار والرئيس والقائد والمساعد والقارئ والكاتب والمفكر والمؤازر والموجه والمرشد والعالم والمتعلم والمدرس والسباق إلى كل خير.
وفي المدرسة وقع الخبر على الجميع بشكل لا يوصف فقد ذهل الجميع عندما وصلت سيارة الإسعاف إلى المدرسة, لا لتنقل طالباً وقع في درس الرياضة وكسرت قدمه ولا لتنقل مدرساً أعياه المرض والتعب ولا لحالة من الحالات الطارئة المعتادة من عالم الطلاب والمدارس وإنما لتحاول مساعدة وإسعاف وإنقاذ ذلك الذي كان على الدوام هو الذي يتصل ويسارع لدعوة الإسعاف لغيره، ذلك الذي قضى حياته وهو يعطي ويمنح ويهب ويساعد بكل ما يستطيع والذي وكأنه أبى إلا أن يموت في ساحة الكفاح والنضال والعطاء.
ومن عجيب الأمور أن يصل الجميع إليه ولكن بعد فوات الأوان, بعدما رجعت النفس المطمئنة إلى ربها راضية مرضية.
وحمل على الأكتاف في موكب بهيج وحضور كبير ضم كل من عرفه من أبناء قريته والقرى المجاورة والعيون تدمع والقلوب تحزن والمصاب أليم جلل.
مات مدير المدرسة وانتهت هذه الصورة الطيبة الفريدة !
وبقي طيب الذكر والذكريات والأثر وما تبقى في نفوس البشر من هذا الإنسان .
مشكور أستاذ يوسف على المقال الرائع .
مهنة التعليم أو التدريس هي من المهن الصعبة والشاقة والتي تتطلب الجهد الكبير .
هي مهنة أناس جاهدوا ونذروا أنفسهم من أجل الوصول لمجتمع متكامل يحوي: طبيب مهندس قاضي محامي عالم شاعر رياضي نجّار بنّاء كهربائي وغيره الكثير .
بدون هذا الإنسان المعطاء سنجد أنفسنا نعيش في ظلام وجهل كبير . تماماً مثل القرون الوسطى التي كانت تعيشها اوروبّا .
وبرغم المجهود والتعب والسهر الذي يرافق ذلك البطل والجندي المجهول طيلة حياته , إلّا أنه يسعد ويفرح ويدمع أيضاً عندما يصادف طبيباً مهندساً أو يسمع عن عالما أو مبدع , كان يقوم بتدريسه صغيراً .
سنجد جميع هؤلاء يتحدثون عن فضل الله أوّلاً وبعده ذلك المعلم
ستجد المجتمع كاملا يتحدث عن ذلك البطل وستبقى ذكراه طيبة بإذن الله .
تنويه : هنا أتحدث عن المعلم كل معلم .
رحم الله كل من ترك ذكرى جميلة وموعظة حسنة وعلم مفيد لجميع الأجيال .
قيل كلام كثير في وصف المعلم المخلص.الذي احب مهنتهه واحب طلابه .
قال الشاعر..قم للمعلم وفيه التبجيلا….كاد المعلم ان يكون رسولا
طوبى للانسان الذي يخلص بوظيفته.والذي يعمل بكد لرفعة ابناء مجتمعه.
استاذي الكريم الاخ يوسف…مقالتك رائعة.سلمت اناملك وحياك الله وجمل
ايامك بالسعادة والعطاء.انك يا استاذي الكريم بمقالاتك الهادفة تخط سطور
من الذهب العتيق في تاريخ ادبنا العربي.
جميل ان يعبر كل فرد من المجتمع عامة عن شكره وتقديره لكل من يساهم في تربية وتعليم الأجيال على مدار السنين وهو ما زال حيا, فبكلمته هذه تعطيه اكتفاء ورضى بأن هناك من يقدر….فترفع معنوياته ويزداد عطائه. قد تقولون بأنه يأخذ معاشا شهريا وهذا عمله وواجبه….ولكن الا تعلمون بأن الكلمة الطيبة لها سحر عظيم، لا تنسى، في القلوب والنفوس…!!!!
احييك يا استاذ يوسف على مقالتك الهادفة …فرسالة التعليم أروع واقدس رسالة, فمن أداها من مدير ومعلم بتفان وأمانة واخلاص سيبقى صدى لأعماله وستنحت ذكريات خالدة في أذهان طلاب كانوا صغارا ثم كبروا والى العلا والرقي والتقدم وصلوا بفضلهم….فبارك الله بكل مربيي الأجيال على حسن صنيعهم من أجل رقي وحضارة مجتمعنا….