موسكو وواشنطن وبينهما “التحالف”
تاريخ النشر: 19/09/14 | 11:44أعلنت موسكو مرات عدة خلال الأيام الأخيرة اعتراضها على استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما بتشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم «داعش»، خصوصاً في شقها المتعلق بسوريا. فروسيا، بالطبع، لا تؤيد هذا التنظيم الإرهابي، ولكنها تخشى أن تمتد الضربات الأميركية في سوريا إلى النظام السوري نفسه. ولا بد، هنا، من التذكير بأن روسيا كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى نجدة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بتزويده بطائرات «سوخوي» الحربية لدك مواقع «داعش» بعد استيلائه على الموصل مباشرة. ونفترض أنه لو كانت استراتيجية أوباما تتعلق فقط بالعراق، لكانت موسكو أقل اعتراضا على التحالف الدولي لمحاربة «تنظيم الدولة»، علماً انها تدعو حاليا إلى ضرورة وضع هذا الموضوع في إطار القانون الدولي عبر مجلس الأمن في الأمم المتحدة. ولا بد أيضا من التأكيد أن لدى موسكو الكثير من الهواجس من تنظيم «داعش»، خصوصاً بعد شريط «فيديو» قام فيه عناصر من هذا التنظيم، شاركوا في الاستيلاء على مطار الطبقة العسكري السوري، بتهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بهز عرشه والوصول إلى شمال القوقاز وتحريره»، وهو ما دفع السلطات الروسية إلى حجب هذا الفيديو عن مواقع الانترنت.
وتُظهر روسيا معارضة لافتة لاستراتيجية أوباما لمحاربة «داعش» داخل الأراضي السورية، معتبرة إياها بمثابة اعتداء على سيادة الدولة السورية. فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش أن مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» يتعين أن تجري على أساس احترام القانون الدولي وسيادة سوريا. وقال لوكاشيفيتش بهذا الشأن: «إن توجيه واشنطن أي ضربة إلى سوريا من دون موافقة مجلس الأمن الدولي سيكون عدواناً عليها، وخرقاً واضحاً للقانون الدولي». وأكد الديبلوماسي الروسي أن «المتطرفين في سوريا لا يختلفون عن أمثالهم في العراق». وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكثر وضوحاً بهذا الصدد، عندما شدد على «أنه لا يمكن محاربة الإرهاب في سوريا والمطالبة في الوقت نفسه برحيل الرئيس السوري بشار الأسد». وعبّر لافروف مباشرة عن مخاوفه من أن تقوم الولايات المتحدة بقصف مواقع سورية في سياق سعيها لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية». وطالب بعدم القيام بأي تدخلات خارجية، إلا بعد الحصول على موافقة حكومات الدول المعنية. وانتقد الوزير الروسي هذا التحالف، قائلا: «إن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي أُعلن عنه في قمة «الناتو» الأخيرة، لا يمكن أن يكون فعالا بسبب قيامه على أساس مصالح مجموعة معينة من الدول والعمل على تحييد الخطر في منطقة واحدة دون أخرى». وأضاف أن «الدول الغربية لم تهتم بمكافحة الإرهاب في سوريا بسبب انشغالها بخطة إسقاط نظام الأسد». كما ذكر أن «مكافحة الإرهاب تستدعي تخلي الغرب عن التمييز بين الإرهابيين وسياسة المعايير المزدوجة». في الوقت نفسه، شدد وزير الخارجية الروسي على «عدم إمكانية تبرير الإرهاب، داعيا إلى توحيد جهود المجتمع الدولي من أجل مكافحة أخطاره». هذه التصريحات توضح بجلاء المخاوف الروسية من تحركات أوباما العسكرية الحالية في المنطقة، خصوصاً أن موسكو نجحت في السابق في منع توجيه ضربات عسكرية أميركية إلى دمشق عبر «صفقة» السلاح الكيماوي المعروفة.
وعلى خلفية هذه المخاوف، تسعى روسيا إلى التنسيق مع إيران وسوريا، والصين أيضا، بشأن طريقة التعامل مع استراتيجية أوباما وتحالفه الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» في محاولة منها لوضع هذا التحرك في إطار مجلس الأمن الدولي. ومن المعروف أن هذا التنسيق يمثل هاجساً لواشنطن ومصالحها في المنطقة. ولذلك تبدو استراتيجية أوباما بالنسبة إلى تلك الدول، كما لو كانت تخلياً عن الأسلوب السابق المتردد، شبه «الناعم» بهدف الانتقال إلى أسلوب الحرب المباشرة المدعومة من صقور «البنتاغون» والمجمع الصناعي العسكري الأميركي.
بجانب تخوفها من الاستراتيجية الأميركية لمحاربة «داعش» في شقها السوري، تخشى روسيا أيضا من أن يتمثل الهدف النهائي لهذه الاستراتيجية في «قلب» المعادلات الإقليمية الحالية في المنطقة، بدرجة تُخرجها منها وتحصُرها في إطار الصراع داخل حدود القارة الأوروبية حول أوكرانيا. ويمكن رصد هواجس روسية أخرى، منها ما يتعلق باحتمال «تبخر» ما كان يتردد داخل روسيا وخارجها عن «انسحاب» الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وانتقالها إلى جنوب شرق آسيا. لقد كان هذا «الانسحاب» المحتمل أو الافتراضي يمثل فرصة لدول أخرى، مثل روسيا والصين، لملء الفراغ في تلك المنطقة وتعزيز وجودهما فيها، وذلك في إطار معادلة الصراع والتنافس بين هذه الدول على المصالح الجيوسياسية والجيواقتصادية.
إن ما يُصعب من الموقف الروسي تجاه التحالف الأميركي الدولي لمحاربة «داعش» يتمثل في موافقة دول المنطقة المشاركة فيه على الاستراتيجية الأميركية، وإن وُجدت بعض التباينات والتناقضات بينها. كما أن موافقة روسيا على قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بتنظيم «داعش» تستخدمه واشنطن حاليا لإعلان «حربها» على هذا التنظيم من دون الحاجة للعودة إلى الأمم المتحدة. وهو ما يُذكرنا بالموافقة الروسية على قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بليبيا، والذي استخدمه التحالف الأميركي ـ الأطلسي لمصلحته. وأخيرا، قد تؤدي الاستراتيجية الأميركية إلى تقسيم بعض دول المنطقة وإعادة صياغتها بالشكل الذي يخدم المصالح الأميركية، خصوصاً في ظل التضخيم الإعلامي المُتعمد لقوة «تنظيم الدولة». وقد تؤدي أيضا إلى تورط واشنطن مجددا، كما حدث في العراق وأفغانستان. ولكن من الواضح أن مبدأ «كل العالم يمثل حدود أميركا» لا يفارق واشنطن، سواء في عهد الديموقراطيين أو الجمهوريين، وسواء بحجة «داعش» أو غيرها. وهذا، بالطبع، «يُزعج» روسيا كثيرا، لما له من تداعيات على مصالحها القومية.
بقلم هاني شادي – السفير