سَميح رَوْضٌ حَوى كُلَّ زُهورِ الْأَدَبِ وَشَذاها بِإِلْفَةٍ وَمَحَبَّة
تاريخ النشر: 02/11/14 | 13:02سَميح رَوْضٌ حَوى كُلَّ زُهورِ الْأَدَبِ وَشَذاها بِإِلْفَةٍ وَمَحَبَّة/ محمود مرعي
حينَ نَتَحَدَّثُ عَنِ الشَّاعِرِ سَميحِ الْقاسِمِ، فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عن رَوْضٍ أَدَبِيٍّ فاحَ شَذا كُلِّ الْوَرْدِ مِنْهُ، جَمَعَ الْوُرودَ كُلَّها في إِلْفَةٍ وَلَمْ يَقْتُلْ وَرْدَةً لِيُتيحَ مَساحَةً أَكْبَرَ لِوَرْدَةٍ أُخْرى، بَلْ قَتَلَ مَنْ حاوَلَ قَتْلِ أَيِّ وَرْدَةٍ لِعَجْزِهْ عَنْ الْإِحْساسِ بِطيبِ شَذاها.
كَتَبَ سَميحٌ الشِّعْرَ الْعَمودِيَّ وَالتَّفْعيلِيَّ وَكَتَبَ النَّثيرَةَ، وَمَزَجَ بَيْنَ الْعَمودِيِّ وَالتَّفْعيلِيِّ، وَبَيْنَ التَّفْعيلِيِّ وَالنَّثْرِيِّ، وَاجْتَهَدَ وَجاءَ بِالْقَصيدَةِ بِصَدَرَيْنِ وَعَجُزَيْنِ.
تَشْتَمِلُ مَقالَتي عَنْ سَميحٍ عَلى أَرْبَعِ مَحَطَّاتٍ.
****
اَلْـمَحَطَّةُ الْأُولى:
شُبْهَةُ تَمَسُّكِ سَميحٍ بِالْأَصيلِ وَجُمودِهِ
لَمْ يَتَعَصَّبْ سَميحٌ لِنَوْعٍ ضِدَّ نَوْعٍ كَما فَعَلَ أَرْبابُ مَجَلَّةِ شِعْرٍ، حَيْثُ كانوا يَرْفُضونَ نَشْرَ الشِّعْرِ الْـمَوْزونِ لِـمُجَرَّدِ أَنَّهُ مَوْزونٌ كَنَوْعٍ مِنَ الْقَطيعَةِ مَعَ التُّراثِ وَزَعْمِهِمُ الْحَداثَةَ، رَغْمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُكَلِّفوا أَنْفُسَهُمْ عَناءَ اسْتِحْداثِ مُسَمَّى لِـ (قَصيدَةِ النَّثْرِ) وَنَقَلوا الاِسْمَ الْفَرَنْسِيَّ، وَقَدْ تَحَدَّثَ عَنْ رَفْضِهِهِمُ الشِّعْرَ الْـمَوْزونَ الْبروفيسورُ فاروقُ مَواسي في أَحَدِ مَقالاتِهِ، وَلَسْنا هُنا بِصَدَدِ الْـمُقارَنَةِ بَيْنَ أَدونيسَ عَلى سَبيلِ الْـمِثالِ، حَيْثُ دَعا في (الثَّابِتِ وَالْـمُتَحَوِّلِ) لِلْهَدْمِ وَالْبِناءِ عَلى الْأَنقاضِ، وَهِيَ دَعْوَةٌ هَدَّامَةٌ، وَتَخَيَّلْ أَنَّكَ مُؤْمِنٌ بِإِنْجيلِكَ أَنَّهُ كِتابٌ سَماوِيُّ تَتَعَبَّدُ بِهِ وِيَأْتي مَنْ يَقولُ لَكَ هذا تُراثٌ يَجِبْ هَدْمُهُ، وَالْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقُرْآنِ لا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ عادَ أَدونيسُ لِلْوَزْنِ وَأَقَرَّ بَعْدَ وَفاةِ شاعِرِنا مَحْمودِ دَرْويشٍ حينَ سُئِلَ عَنِ الْغِنائِيَّةِ في شِعْرِ دَرْويشٍ، فَأَجابَ: “كُلُّ شِعْرٍ عَظيمٍ إِنَّما هُوَ شِعْرٌ غِنائِيٌّ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ الْكَوْنَ كُلَّهُ إِلى نَشيدٍ، وَالْإِنْسانَ إِلى صَوْتٍ وَموسيقى”، وَيَكْفينا هذا الْإِقْرارُ مِنْهُ.
لكِنْ بِالْـمُقابِلِ نَجِدُ التَّوازُنَ وَالْعَقْلانِيَّةَ لَدى سَميحٍ، وَالْهُجومَ عَلى دُعاةِ الْهَدْمِ، وَعِنادِ الْجَهْلِ كَما يُسَمِّيهِ، فَفي لِقاءٍ مَعَهُ (الْقاسِمِ) أَجْرَتْهُ صَحيفَةُ “أَخْبارِ الْأَدَبِ” الْقاهِرِيَّةُ ـ اَلْعَدَدُ / 334 ـ 26 / 9 / 1999. رَدًّا عَلى سُؤالِ: “ما سِرُّ التَّمَسُّكِ بِالْإِيقاعِ الْقَديمِ؟ أَجابَ سَميحٌ: “اَلتَّمَسُّكُ بِالْإِيقاعِ الْأَصيلِ لَيْسَ عِنادًا، اَلْعِنادُ هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْاِدِّعاءِ السَّخيفِ أَنَّ الْأَوْزانَ الْعَرَبِيَّةَ قُيودٌ تُعَرْقِلُ انْطِلاقَ الشَّاعِرِ في مُغامَرَتِهِ الْفَنِّيَّةِ، وَهُناكَ “عَنيدونَ” ضاقوا بِاللُّغَةِ وَدَعَوْا إِلى نَسْفِها بِحُجَّةِ التَّجْديدِ. اَلْأَوْزانُ الْعَرَبِيَّةُ هِيَ أَكْبَرُ ثَرْوَةٍ موسيقِيَّةٍ في الْعَالَمِ، وَهِيَ أَداةُ حُرِّيَّةٍ بِلا حُدودٍ، وَاللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ هِيَ بِحَقٍّ كَما وَصَفَتْها “الْإِنْسايْكْلوبيدْيا” الْفَرَنْسِيَّةُ، أَكْثَرُ لُغاتِ الْعالَمِ غِنًى وَغِنائِيَّةً، أَمَّا الْـمُشْكِلَةُ الْحَقيقِيَّةُ فَهِيَ في عِنادِ الْجَهْلِ، ثُمَّةَ جَهَلَةٌ لا يُتْقِنونَ الْعَروضَ الْعَرَبِيَّ وَلا يَعْرِفونَ أَسْرارَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَعَ ذلِكَ فَهُمْ يُريدونَ أَنْ يُصْبِحوا شُعَراءَ هامِّينَ، وَقَدْ تَتَوافَرُ لَهُمُ الْـمَوْهِبَةُ الْجَيِّدَةُ، لكِنَّهُمْ يُكابِدونَ فَقْرًا مُدْقِعًا في أَدَواتِ الشِّعْرِ الْأُخْرى”، هذا الْكَلامُ رَأَى فيهِ الْأَديبُ فَخْري صالِحٍ إِنْكارًا مِنْ سَميحٍ لِلنَّثيرَةِ، بَيْنَما لا نَرى ذلِكَ، فَهُجومُ سَميحٍ لَيْسَ عَلى هذا النَّوْعِ الْأَدَبِيِّ، بَلْ عَلى الْجَهَلَةِ الَّذينَ يُريدونَ الْقَفْزَ مِنْ قَعْرِ الْبِئْرِ إِلى حافَّتِها دونَ سُلَّمٍ أَوْ حَبْلٍ، أَوْ أُولئِكَ الَّذينَ يَسْعَوْنَ لِلْهَدْمَ بِحُجَّةِ التَّجْديدِ، وَكَما يَقولُ سَميحٌ: لا يُتْقِنونَ الْعَروضَ الْعَرَبِيَّ وَلا يَعْرِفونَ أَسْرارَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَعَ ذلِكَ فَهُمْ يُريدونَ أَنْ يُصْبِحوا شُعَراءَ هامِّينَ.
وَفي لِقاءٍ مَعَهُ نُشِرَ في صَحيفَةِ “كُلِّ الْعَرَبِ” وَ “دَفاتِرَ ثَقافِيَّةٍ” / 4 / 7 / 1997. أَجْرى اللِّقاءَ مَعَهُ كُلٌّ مِنَ الْأُدَباءِ ـ محمد علي طه ـ د. نبيه القاسم ـ أنطون شلحت. يَقولُ سَميحٌ في مَعْرِضِ رَدِّهِ عَلى مَنْ يَتَّهِمُ الْعَروضَ الْخَليلِيَّ وَأَوْزانَهُ بِالْقُصورِ: “… وَأَرى فيها آفاقَ حُرِّيَّةٍ غَيْرِ مَحْدودَةٍ، عَلى عَكْسِ الْـمَقولاتِ الضَّحْلَةِ الرَّائِجَةِ في هذِهِ الْأَيَّامِ، عَنْ مَحْدودِيَّةِ هذِهِ الْأَوْزانِ وَقالَبِيَّتِها وَقُيودِها الْـمَزْعومَةِ جَهْلًا “، وَهُنا يَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِ الدُّكْتورِ عَبْدِ الَهادي حَبُّوبَةَ في تَقْديمِهِ لِكِتابِ “قَضايا الشِّعْرِ الْـمُعاصِرِ” لِنازِكِ الْـمَلائِكَةِ رَحِمَها اللهُ، حَيْثُ قالَ في الْـمُقَدِّمَةِ “وَلَعَلَّ في تَسْمِيَةِ الْأَوْزانِ بِالْبُحورِ ما يوحي لَنا بِالسَّطْحِ الْواسِعِ وَالْعُمْقِ الْهائِلِ، لِـمَنْ يُدْرِكُ كَيْفَ يَعومُ فَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ الْجَديدَ وَالْغَريبَ، فَضْلًا عَنِ الْـمَعْنى الْـمَعْروفِ”، وَقَدْ صَدَّرْتُ كِتابي “اَلْعَروضُ الزَّاخِرُ وَاحْتِمالاتُ الدَّوائِرِ” اَلْكِتابَ الثَّاني الصَّادِرَ عامَ 2004 بِكَلِماتِ شاعِرِنا الْقاسِمِ “اَلْأَوْزانُ الْعَرَبِيَّةُ، هِيَ أَكْبَرُ ثَـْرَوٍة موسيقِيَّةٍ شِعْرِيَّةٍ في الْعالَمِ وَهِيَ أَداةُ حُرِّيَّةٍ بِلا حُدودٍ”.
***
اَلْـمَحَطَّةُ الثَّانِيَةُ:
بَيْني وَبَيْنَ سَميحٍ (أَنا لا أَكْسِرُ الْوَزْنَ، أَتَحَدَّاكَ أَنْ تَجِدَ كَسْرًا)
كانَ ذلِكَ في الصَّيْفِ الْـماضي، حَيْثُ زارَنا شاعِرُنا سَميحٌ، في مَكاتِبِ صَحيفَةِ كُلِّ الْعَرَبِ، في النَّاصِرَةِ، وَكانَ بِرِفْقَتِهِ السَّيِّدٌ عِصامُ خوري، وَمَعي الزَّميلُ الْإِعْلامِيُّ سَعيدُ عَدَوي، وَوَجَدْتُها مُناسَبَةً فَأَهْدَيْتُهُ كِتابي (اَلتَّجْريبُ وَتَحَوُّلاتُ الْإِيقاعِ في شِعْرِ مَحْمودِ دَرْويش)، فَشَكَرَ سَميحٌ لِيَ ذلِكَ، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ أَنَّكَ تَهاوَنْتَ مَعَ مَحْمودٍ في قَضِيَّةِ الْأَوْزانِ، وَغَضَضْتَ الطَّرْفَ عَنْ كُسورٍ لَدَيْهِ، فَلِماذا؟
فَأَجَبْتُهُ: غَيْرُ صَحيحٍ، لَمْ أَفْعَلْ أَبَدًا، إِنَّما ذَكَرْتُ الْكُسورَ حَيْثُ وُجِدَتْ، لكِنْ ما رَأَيْتُهُ يُمَثِّلُ تَجْريبًا أَشَرْتُ إِلَيْهِ، وَيُمْكِنُكَ رُؤْيَةُ الْأَمْرِ بِنَفْسِكَ.
تَحَدَّثْنا كَثيرًا وَالْتَقَطَ لَنا السَّيِّدُ عِصامُ خوري صورَةً جَماعِيَّةً مَعَ الزَّميلِ الْإِعْلامِيِّ سَعيدِ عَدَوي، ثُمَّ قُلْتُ لِسَميحٍ مُمازِحًا: اَلْآنَ دَوْرُكَ، سَأَنْبِشُ شِعْرَكَ بَحْثًا عَنْ شَيْءٍ في الْأَوْزانِ لَدَيْكَ.
فَرَدَّ سَميحٌ وَهُوَ الْواثِقُ مِنْ نَفْسِهِ دَوْمًا: أَنا لا أَكْسِرُ الْوَزْنَ، أَتَحَدَّاكَ أَنْ تَجِدَ كَسْرًا، وَإِنْ وَجَدْتَ فَلَكَ كَذا وَكَذا. وَكُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ سَميحًا لا يوجَدُ كُسورٌ في الْوَزْنِ في شِعْرِهِ، فَرُبَّما كانَ يُغَنِّي قَصيدَتَهُ قَبْلَ نَشْرِها أَوْ إِلْقائِها. فَغِناءُ الشِّعْرِ وَالتَّنْغيمُ يَكْشِفُ مَواطِنَ الْخَلَلِ فيهِ إِنْ وُجِدَ.
وَمَرَّ الْعامُ وَانْتَقَلَ سَميحٌ إِلى جِوارِ رَبِّهِ وَحَتَّى الْيَوْمِ لَمْ أَفْعَلْ ما قُلْتُ لِسَميح.
****
اَلْـمَحَطَّةُ الثَّالِثَةُ:
إِيمانُ سَميحٍ بِالتَّجْديدِ الشِّعْرِيِّ وَمُمارَسَتُهُ
في حِوارٍ أَجْراهُ مَعَهُ الزَّميلُ عَلاءُ حُلَيْحِلٍ (مَنْشورٍ عَلى مَوْقِعِ قَديثا) حَوْلَ حُبِّ الْقاسِمِ لِـمَباني وَبُحورِ الشِّعْرِ الْكلاسيكِيَّةِ حَتَّى الْيَوْمِ، فيما تَرَكَها تَقْريبًا جَميعُ شُعَراءِ الْيَوْمِ!.
أَجابَ سَميحٌ: “طَبْعًا، طَبْعًا. وَهُمْ تَرَكوا الشِّعْرَ الْكْلاسيكِيَّ لَيْسَ لِأَنَّهُمْ يُريدونَ تَرْكَهُ بِلْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَوْعِبوهُ. أَقولُها بِصَراحَةٍ. لَمْ يَكْتَشِفوا عَبْقَرِيَّةَ الْأَوْزانِ الْعَرَبِيَّةِ. اَلْعَرَبُ فَقَطْ مَنْ يَمْلِكونَ هذِهِ الثَّرْوَةَ مِنَ الْإِيقاعاتِ. هذِهِ ثَرْوَةٌ موسيقِيَّةٌ هائِلَةٌ. صاروا يَقولونَ إِنَّها قُيودٌ. كَيْفَ تَقولونَ قُيودًا؟ هِيَ قَيْدٌ لِـمَنْ لا يَعْرِفُها. وَلكِنَّها أَجْنِحَةُ حُرِّيَّةٍ إِذا أَنْتَ اسْتَوْعَبْتَ الْأَوْزانَ وَصارَتْ جُزْءًا مِنْ تَكْوينِكَ الدَّاخِلِيِّ، مِنْ إِيقاعِكَ الدَّاخِلِيِّ، مِنْ نَفْسِكَ، فَهذِهِ أَجْنِحَةُ حُرِّيَّةٍ سَتَأْخُذُكَ إِلى أَماكِنَ لا تَتَخَيَّلُها. وَلكِنْ حَتَّى في الْأَوْزانِ الْكلاسيكِيَّةِ خَطَرَ بِبالي مَرَّةً أَنْ أُضيفَ شَيْئًا فَأَضَفْتُ. فَفي الْكلاسيكِيَّاتِ ثُمَّةَ صَدْرٌ وَعَجُزٌ في الْبَيْتِ الشِّعْرِيِّ. وَأَعْتَقِدُ أَنَّني رُبَّما في رِثاءِ حافِظِ الْأَسَدِ طَلَعَ مَعِيَ صَدْرانِ لِلْبَيْتِ فَأَبْقَيْتُهُما، ثُمَّ جاءَ عَجُزانِ فَأَبْقَيْتُهُما. وَتَكَرَّرَتْ مَعي أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. هذِهِ أَصْبَحَتْ إِضافَةً شَخْصِيَّةً لِلِكْلاسيكِ. اَلْأَوْزانُ الْكلاسيكِيَّةُ بِحَدِّ ذاتِها تَحْوي ثَرْوَةً، وَخَسارَةٌ خَسارَةٌ وُجودُ نَوْعٍ مِنَ التَّغْريبِ في تَعْليمِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. ثُمَّةَ غَزْوٌ فِكْرِيٌّ وَثَقافِيٌّ عِنْدَ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنَّهُمْ لا يَتَعَلَّمونَ الْعَروضَ في الْـمَدارِسِ. كَيْفَ سَيَسْتَوْعِبُ الطَّالِبُ الْـمُتَنَبِّيَ إِذًا عِنْدَما يَكْبُرُ؟ وَالْـمَعَرِّيَّ؟”، وَلاحِظوا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ تَعْبيرَ (إِضافَةٌ شَخْصِيَّةٌ)، لِاسْتِحْداثِهِ الصَّدْرَيْنِ وَالْعَجُزَيْنِ في الْقَصيدَةِ، فَلَمْ يَكُنْ جامِدًا وَرافِضًا لِلتَّجْديدِ، وَيَدُلُّ عَلى ذلِكَ أَكْثَرَ وَبِوُضوحٍ أَشَدَّ، جَوابُهُ عَنْ سُؤالٍ حَوْلَ التَّجْديدِ، فَفي حِوارٍ أَجْراهُ مَعَهُ الزَّميلُ وَديعٌ عَواوْدَةَ وَنُشِرَ في الْقُدْسِ الْعَرَبِيِّ، قالَ سَميحٌ في التَّجْديدِ: “أَنا بِطَبْعي مَلولٌ، هٰذا يَنْعَكِسُ عَلى تَجْرِبَتي.. لا أُحِبُّ التَّكْرارَ، أُحِبُّ الْـمُغامَرَةَ الْفَنِّيَّةَ وَأُمارِسُها عَلى مِزاجي وَبِكامِلِ حُرِّيَّتي وَأَحْتَرِمُ حِسَّ الآخَرينَ بِالْـمُغامَرَةِ الْفَنِّيَّةِ.. لِذٰلِكَ مِنَ الطَّبيعِيِّ أَنْ يَلْتَقي في تَجْرِبَتي الْـمَناخُ الكْلاسيكِيُّ بِالْـمَناخِ الْحَديثِ، اَلسِّرْيالِيَّةُ بِالْواقِعِيَّةِ الاِشْتِراكِيَّةِ.. هٰذِهِ شَخْصِيَّتي في الْحَياةِ..”.
وَلِذلِكَ في كَلِمَتي الرِّثائِيَّةِ لِسَميحٍ وَالَّتي نُشِرَتْ في مُلْحَقِ صَحيفَةِ كُلِّ الْعَرَبِ الْخاصِّ بِحَياةِ سَميحٍ وَسيرَتِهِ، وَالَّذي صَدَرَ بِتاريخِ 22 / 8/ 2014، وَكانَتْ كَلِمَتي نَثْرًا وَشِعْرًا، وَكانَتِ الْقِطْعَةُ الشِّعْرِيَّةُ الثَّانِيَةُ عَلى وَزْنٍ مُسْتَحْدَثٍ لي (اِسْمُهُ الشَّبيهُ) وَهُوَ وَزْنٌ مُؤَصَّلٌ في كِتابي (اَلْعَروُض الزَّاخِرُ وَاحْتِمالاتُ الدَّوائِرِ) قُلْتُ فيها:
أَتَتْكَ جَنى شَبيهي مُغامَرَتي .. وَحِمْلي أَنْتَ، إِذْ أَنْتَ ذاكِرَتي
إِلى أَيْنَ الْـمَسيرُ فَرِحْلَتُنا .. إِلَيْنا قابَ خَفْقٍ لِسارِيَتي
فَقِفْ لِقَصيدَةٍ رَيْثَ نُنْشِدُها .. فَما بَعْدَ الصَّدى غَيْرُ حاضِرَتي
أَتَتْرُكُنا وَلَمْ نَرْوِ غُلَّتَنا .. وَغَرْبُك عَيْنُ آني وَغابِرَتي
تَمَهَّلْ يا “مَلولًا” فَما هَدَأَتْ .. عَلى الْـمَحْمودِ عَيْني وَساكِنَتي
أَمَ انَّ الشَّطْرَ قَدْ هاجَ مُرْتَقِبًا .. لِلُقْيا الشَّطْرِ أَدْنى مُناسَبَةِ
وَكانَ وَكُنْتَ، قامَ وَقُمْتَ، مِثْلَ “أَنًا” .. تَراها الْعَيْنُ آحادَ واحِدَةِ
وَتُبْصِرُها النُّهى ثَمَّ واحِدَةً .. بِلا فَصْلٍ وَسَلْ كُلَّ قابِلَةِ
فَما ضَمَّتْ فِلَسْطينُ مُخْتَلِفَيْـ (م) ـنِ مُؤْتَلِفَيْنِ في النَّبْضِ أَوْ رَأَتِ
كَمِثْلِكُما اشْتِعالًا بِقُبْلَتِها .. وَمِثْلِكُما اقْتِسامًا هَوا رِئَةِ
**
اَلْـمَحَطَّةُ الرَّابِعَةُ:
هَلْ يوجَدُ كُسورٌ في شِعْرِ سَميحٍ؟
كُنْتُ وَما زِلْتُ مُقْتَنِعًا بِسَلامَةِ الْوَزْنِ في شِعْرِ سَميحٍ، وَلَمْ يَحْدُثْ أَنْ صادَفْتُ لَدَيْهِ خَلَلًا في وَزْنِ أَيِّ قَصيدَةٍ اطَّلَعْتُ عَلَيْها، لكِنْ خِلالَ هذا الْأُسْبوعِ، وَقَعَ أَمْرٌ ما أَثارَ شُكوكي لَيْسَ في سَميحٍ، بَلْ فيمَنْ يَنْسَخونَ شِعْرَ سَميحٍ وَيَنْشُرونَهُ عَلى الشَبَكَةِ، فَقَدْ يَنْشُرُ مُحِبٌّ لِسَميحٍ وَبِحُسْنِ نِيَّةٍ، لكِنَّهُ يَجْهَلُ الْوَزْنَ وَاللُّغَةَ وَيَقَعُ في خَطَأِ النَّقْلِ، زِيادَةً أَوْ نَقْصًا، فَيَكونُ مَرْجِعًا لِلنَّاقِلينَ عَنْهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهذا ما حاوَلْتُ أَنْ أُقْنِعَ نَفْسي بِهِ عِنْدَ نَشْرِ قَصيدَةِ سَميحٍ (بَوَّابَةُ الدُّموعِ)، وَذلِكَ لِكَوْني مُتَأَكِّدًا مِنْ سَلامَةِ الْوَزْنِ في شِعْرِ سَميحٍ، أَمَّا هذِهِ الْقَصيدَةُ فَقَدْ وَجَدْتُ فيها خَلَلًا في الْوَزْنِ، فَعُدْتُ لِلْبَحْثِ عَنْها عَلى الشَّبَكَةِ وَوَجَدْتُها كَما هِيَ أَمامي لِلتَّدْقيقِ، تَشْتَمِلُ عَلى خَلَلٍ، وَنُشِرَتِ الْقَصيدَةُ في صَحيفَةِ كُلِّ الْعَرَبِ، عَدَدِ هذا الْيَوْمِ في الصَفْحَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَكْتَفي بِجُزْئِها الثَّاني، حَيْثُ وَقَعَ الْخَلَلُ:
أَحْبابُنا.. خَلْفَ الْحُدودْ
يَنْتَظِرونَ حَبَّةً مِنْ قَمْحِهِمْ
كَيْفَ حالُ بَيْتِنا التَّريكْ
وَكَيْفَ وَجْهُ الْأَرْضِ.. هَلْ يَعْرِفُنا إِذا نَعودْ؟!
يا وَيْلَنا..
حُطامَ شَعْبٍ لاجِئٍ شَريدْ
يا وَيْلَنا.. مِنْ عيشَةِ الْعَبيدْ
فَهَلْ نَعودُ؟ هَلْ نَعودْ؟!
يَظْهَرُ الْخَلَلُ واضِحًا في قَوْلِهِ (كَيْفَ حالُ بَيْتِنا التَّريكْ)، فَالْقَصيدَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلى تَفْعيلَةِ (مُسْتَفْعِلُنْ) وَلا يُمْكِنُ دُخولُ (فاعِلُنْ) كَشَكْلٍ مِنْ أَشْكالِ (مُسْتَفْعِلُنْ)، وَحَتَّى في بَحْرِ الرَّجَزِ مَنَعوا أَنْ يَجيءَ الضَّرْبُ مَطْوِيًّا مَقْطوعًا (مُسْتَفْعِلُنْ تَسْقُطُ فاؤُها بِالطَّيِّ وَتَسْقُطُ النُّونُ وَتُسَكَّنُ اللَّاُم بِالْقَطْعِ فَتَبْقى صورَةُ التَّفْعيلَةِ (مُسْتَعِلْ) عَلى وَزْنِ (فاعِلُنْ)، حَتَّى لا يَتَداخَلَ الرَّجَزُ بِالسَّريعِ، وَحَتَّى لَوْ سَلَّمْنا بِالْجَوازِ فَإِنَّهُ جَوازٌ يَكونُ في تَفْعيلَةِ آخِرِ السَّطْرِ الشِّعْرِيِّ وَلَيْسَ في أَوَّلِ تَفْعيلَةٍ، وَيُمْكِنُنا التَّخْريجُ بِاعْتِبارِ دُخولِ الْخَزْمِ هُنا أَيْ الزِّيادَةُ عَلى أَوَّلِ السَّطْرِ الشِّعْرِيِّ، كَقَصيدَةِ مَحْمودِ دَرْويشٍ (بِطاقَةُ هُوِيَّةٍ) الَّتي مَطْلَعُها (سَجِّلْ أَنا عَرَبي) فَكَلِمَةُ (سَجِّلْ) زائِدَةٌ عَلى مَتْنِ الْوَزْنِ في أَرْبَعَةِ مَقاطِعَ، وَلا تُحْسَبُ ضِمْنَ التَّقْطيعِ، وَفي الْـمَقْطَعِ الْخامِسِ جاءَتْ جُزْءًا مِنْ صُلْبِ الْوَزْنِ. كَذلِكَ قَصيدَةُ الشَّاعِرِ الْـمَرْحومِ تَوْفيقِ زَيَّادٍ (أُناديكُمْ) حَيْثُ زادَتِ الْفِرْقَةُ الَّتي غَنَّتْها حَرْفَ الْواوِ قَبْلَ (أَبوسُ الْأَرْضَ) فَصارَتْ (وَأَبوسُ الْأَرْضَ) كَما سَمِعَها الْجَميعُ، وَهِيَ في الدِّيوانِ (أَبوسُ الْأَرْضَ)، لكِنْ يَظَلُّ الْأَمْرُ في حالِ سَميحٍ مُلْتَبِسًا حَتَّى نَقِفَ عَلى كُلِّ أَوْزانِهِ وَهَلْ وَرَدَ الْخَزْمُ لَدَيْهِ في غَيْرِ هذا الْـمَوْضِعِ، أَمْ أَنَّ ناشِرَ الْقَصيدَةِ سَقَطَ مِنْهُ سَهْوًا حَرْفُ الْفاءِ أَوِ الْواوِ، وَيَكونُ صَوابُ السَّطْرِ (فَكَيْفَ حالُ بَيْتِنا التَّريكْ) أَوْ (وَكَيْفَ حالُ بَيْتِنا التَّريكْ) فَبِأَحَدِ الْحَرْفَيْنِ يَسْتَقيمُ الْوَزْنُ.
(نَصُّ كَلِمَةِ الشَّاعِرِ مَحْمودِ مَرْعي في النَّدْوَةِ الْأَدَبِيَّةِ عَنْ الشَّاعِرِ سَميحٍ الْقاسِمِ في مَدْرَسِة الْفرَنْسيسْكانِ في النَّاصِرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 31/10/2014).
محمود مرعي
مقطع القصيدة كما وردَ في ديوان سميح القاسم مُغاير لما كتبتهُ أنت ونقتلته من أحد المواقع. والمقطع الأصلي يقول:
أَحْبابُنا.. خَلْفَ الْحُدودْ
يَنْتَظِرونَ حَبَّةً مِنْ قَمْحِهِمْ
وقطرةً مِن زيتِهِم.. ويسألون
كَيْفَ حالُ بَيْتِنا التَّريكْ
وَكَيْفَ وَجْهُ الْأَرْضِ.. هَلْ يَعْرِفُنا إِذا نَعودْ؟!
يا وَيْلَنا..
حُطامَ شَعْبٍ لاجِئٍ شَريدْ
يا وَيْلَنا.. مِنْ عيشَةِ الْعَبيدْ
فَهَلْ نَعودُ؟ هَلْ نَعودْ؟!
والسؤال الآن هل يوجد خلل في الوزن؟
أشكرك أخي قارئ على ملاحظتك
والمقطع الذي نشرته أنا هكذا هو منشور على الشبكة وفي عدة مواقع
وقد نشر في عدد الجمعة من كل العرب أيضا بحذف السطر الذي أضفتَه
وفي مقالي ذكرت (لكِنْ خِلالَ هذا الْأُسْبوعِ، وَقَعَ أَمْرٌ ما أَثارَ شُكوكي لَيْسَ في سَميحٍ، بَلْ فيمَنْ يَنْسَخونَ شِعْرَ سَميحٍ وَيَنْشُرونَهُ عَلى الشَبَكَةِ، فَقَدْ يَنْشُرُ مُحِبٌّ لِسَميحٍ وَبِحُسْنِ نِيَّةٍ، لكِنَّهُ يَجْهَلُ الْوَزْنَ وَاللُّغَةَ وَيَقَعُ في خَطَأِ النَّقْلِ، زِيادَةً أَوْ نَقْصًا، فَيَكونُ مَرْجِعًا لِلنَّاقِلينَ عَنْهُ مِنْ بَعْدِه).
الوزن مع السطر الذي أضفته يستقيم
ولك جزيل الشكر