موموتارو – طفلُ الخوخ الأحمر
تاريخ النشر: 16/03/15 | 13:16عَيْنَاها مثلُ ثِمارِ اللّوزِ، شَعْرُها أملسُ طويلٌ يطيرُ مع النّسماتِ أحياناً. خُصلةٌ بيضاءُ إلى أعلى، وخُصلةٌ رماديّةٌ تبعثَرَتْ على كَتِفِها الأَيسرِ. مَنْ هي؟
عجوزٌ أنيقةٌ جميلةٌ. جَلَسَتْ وَحْدَها تغسِلُ ملابسها وملابسَ زوجِها عندَ شاطئِ النَّهْرِ، تعصِرُها في الماء بعد أن تدعَكَها بيَدَيْها وهي تغنّي:
” يا زوجي يا حبيبي، سأعود وفي جَيْبي حبّةٌ من الخوخِ العجيبِ، جاءَتْ بها الأَسماكُ يا قريبي، قالت لي إنّها من نصِيبي، لكنّها هديتي لكَ يَاحبيبي.”
حمَلتِ العجوزُ الملابسَ النَّظيفةَ في سلَّتِها، وضعَتْ فوقَها حبَّةَ الخوخِ الحَمْراءَ التي سَبَحَتْ في مياه النهرِ آلافَ الأَميالِ، حتَّى استقَرَّت بينَ يديْهَا، وعادَتْ مسرورةً إلى بيتِها.التقتِ العجوزُ زَوْجَها العجوزَ عند سَاحةِ الدار، جاءَ يَحملُ بينَ يديه قِطعاً من الأَخشابِ
كانَ قَدْ قطّعَها بِمنجلهِ،وهمَّ بإشعالِها في موْقِدِ الّنارِ، ليطردَ البردَ القارسَ،
ففاجأتهُ زوجتُهُ بحبَّةِ الخوخِ الحمراءِ، حَجْمُها بحجمِ رأسِ الفيلِ، أوبطنِ الزَّرافةِ!
قدّمتِ العجوزُ هديّتَها لزوجِها والابتسامة تَعْلُو شفَتَيْها، وعيناها اللّوزيتانِ تَتَراقَصانِ من الفرَحِ. هَمَّ العجوزُ يبْحَثُ عن سِكّينٍ كبيرةٍ ليقطعَ بها حبّةَ الخوخِ الكبيرةَ.
وكانَتِ المفاجأةُ العجيبةُ،
فقد انقسمَتْ حَبَّةُالخوخِ إلى نصفَْينِ.
وَمِنْ قلبِها خَرَجَ طفلٌ جميلٌ، رائحتُهُ كرائحَةِ الخوخِ، ولَونُهُ يميلُ إلى الحمرةِ، يداهُ مفتوحتانِ كَمَنْ يَبْحَثُ عن حضنٍ يعانقُه.-
ما هَذا؟ يا اللّّهُ، يا كريمُ! لم يُصدِّقِ العجوزُ ما رأَتْهُ عيناهُ.طفلٌ وسيمٌ في بيتِهِ؟! هديّةٌ من زوجَتِه؟! أَمْ إنَّها هديّةُ اللَّه إِليهمَا معاً؟!
جاءَتْ مغلَّفةً بحبةِ الخَوْخ! لأَنَّ العجوزْينِ لَمْ يَنْجِبا أَطفالاً، فَقدْ مَلأَ الطفلُ بَيْتَهُما بالفرحِ والحَياةِ، واختارَا لهُ من الأَسماءِ اسْماً جَميلاً،
موموتارو!
فَقَدْ كانَ الطفلُ الصَّغيرُ قويّاً! أَقْوى مِنْ كلِّ الشَّبابِ، يَرْفَعُ الطاولات والخزائنَ، كَأَنَّهُ يرفعُ ريشةَ عُصْفورٍصَغيرٍ! عَضلاتُهُ مشدودةٌ، قوية وصلبةٌ.مَضَتِ الأَيامُ، وصَار الطفلُ يافعاً، وقرَّر أَنْ يَهْجُرَ البيتَ إلى جزيرةِ الشياطين. سأَلَهُ أَبَواه : عَلامَ؟
فقال: سأُقاتِلُ الشّيطانَ والعفاريتَ! مَنْ سرقوا من الفلاحِينَ أَموالَهُم ومحاصِيلَهُمْ.-
أُمّي، أُمّي! اصنَعِي لي قليلاً من الفطائِرِ محشوّةً بفاكهةٍأُحبُّها، فاكهةِ الدُّخْنِ، يا أُمِّي.
في الغابة، التقى موموتارو بقردٍ وكلبٍ وبطائر حَجَلٍ.
سَأَلَهُمْ عن الطّريق المؤديةِ إلى جزيرةِ الشّياطين. طَلَبَ القرْدُ فطيرةً من فطائرِ الدُّخْنِ،
كي يَدلُّهُ على الطريقِ. ضَحِكَ الكلبُ ساخراً وحذَّر موموتارو أَنْ لا يأخُذَ بِنَصيحَةِ القرْدِ،
فَيضِلََّ الطّريقَ. لكنَّ موموتارو كَسَبَ صداقَتَيْهِما سريعاً،وانضَمَّ طائرُ الحَجَل إِليهما قاصدينَ جزيرةَ الشياطين، بعدأن تمتَّعوا بالفطائِرِ اللذيذَةِ.
قَطَعَ موموتَارو وَأَصْدقاؤه الثَّلاثةُُ الغاباتِ والصَّحَارى،ساروا مسافاتٍ طويلةً حتى وَصَلُوا الشّاطئَ الأُرْجُوانِي.ركِبُوا قارباً شراعيّاً وَأَبْحَروا بهِ صَوْبَ الشّرقِ.
القردُ يحرِّك شراع القاربِ، والكلبُ يُجدِّف بالمجدافِ، أمّا طائرُ الحَجَلِ فَقَد حلّق فوقَ الغيوم، يراقِبُ البحر الهائجَ، بحثاً عن جزيرةِ الشياطينِ.
زقزقَ طائرُ الحَجَل بصوتٍ عالٍ، وحطَّ فوق رأسِ موموتارو، وقال:
هاهيَ ذي جزيرةُ الشّياطِين قد بَدَتْ أَمامَنا، على بُعْد ميلين ونِصْفِ،
كما إنّي أَرى الشّيطانَ في مَمْلَكَتِهِ والعفاريتَ تحيطُ به، تَحرسُهُ وتعتنِي به كأَنَّه مَلِكُ الزّمانِ.
أَرى أيضاً سوراً كبيراً يحيطُ بالجزيرةِ، ولِلسّورِ بوّابَةٌ حديديّةٌ قد أُغلِقَت أَبوابُها.
وَصَلَ القاربُ إلى الجزيرةِ، فَنَزَلَ الثّلاثةُ مِنْهُ.
انطَلَقَ القردُ يتسلّقُ بوابةَ الجزيرةِ بسرعة البرقِ، واستطاعَ أَن يَفْتَحها،
فَدَخَلَ موموتارو يرافِقُهُ الكلبُ الأَمينُ، وطائرُ الحَجَلِ يحوِّمُ في الجوِّ، فوق زملائِهِ الثَّلاثَةِ.
هجمَ موموتارو بِسَيْفِهِ على العفاريتِ، إنقضَّ طائرُالحَجَل عليْهِم بمنقارِهِ،
أما القِرْدُ فقد خَدَشَهُم بأظافِرهِ، والكلبُ عضَّهُمْ بأسنَانِهِ.
دَارَتْ معركةٌ حاميةٌ بين موموتارو وأَصدقائِه من جهةٍ،
وبين العفاريتِ ومَلكِهمْ من جِهَةٍ ثانيةٍ، تعلَّم بَعْدَها العفاريتُ دَرْساً بليغاً في الأَخلاق.
اسْتَسْلَمُوا جميعاً وطلبوا العَفوَ من موموتارو، وأَعادوا الجواهِرَ والأَموالَ التي سَرَقوها من الفلاحينَ.
فرحَ موموتارو وأَصدقاؤُه الثّلاثةُ، وعَفَوْا عن العفاريتِ،
حَمَّلوا الجواهَر والدّنانيرَ في قاربِهِم وأَعادُوها مَعَهُمْ إلى أَصْحابِها.
وعاشَ النّاسُ في قريتِهم في أَمانٍ وسلامٍ.
ومن يومها والكلبُ يحرسُ ليلَ نهارَ بيوت النّاسِ من العفاريتِ التي تَسرِقُ،
بيْنَمَا يمازِحُهم القردُ بحركاتِهِ الفرحة،
والحَجَلُ يَلْعَبُ في الحقولِ مسروراً