حروب الخيال العلمي
تاريخ النشر: 26/12/14 | 9:12من الأساطير السياسية، أن الاتحاد السوفياتي لم يسقط بسبب حرب أفغانستان، وأن المنظومة الاشتراكية لم تتفكك بعدما أفلست بسبب أعباء الحرب الباردة، وأن رونالد ريغان لم يحسم الصراع مع «الشر» بإطلاقه «مبادرة الدفاع الإستراتيجية» أي حرب النجوم، بل السبب أفلام «حروب النجمة» (ستار وارز) و «المهمة المستحيلة» وعشرات العلامات التجارية التي سادت العالم من «كولا» إلى «أبل».
انه انتصار الثقافة المهيمنة، ونموذج هوليوود، والإعلام الاغراقي، والنموذج الغربي المتفوق. هنا كانت خطيئة كوريا الشمالية الكبرى، الهجوم الالكتروني على «سوني» وما تمثل هذه الشركة، ليس فعلة تمر مرور الكرام. الشركة اليابانية الاميركية، عملاقة عالم الترفيه، هي من القواعد الأولى والمحطات الأقوى في الحرب الاعلامية الثقافية، وفي خطوط الدفاع الأساسية عن المؤسسة الأميركية في عقول وقلوب العالم. وأيا كان المهاجم، كوريا الشمالية أم سواها، فهو اجتاز خطا أحمر، استنفرت رموز القوة الأميركية لمواجهته.
الحروب الالكترونية ليست جديدة بالطبع، وعمليات القرصنة يومية، والتحذير من مخاطرها موضة. القرن الحالي بدأ بمخاوف من كارثة بشرية في حال فشلت أجهزة الكومبيوتر بالتعرف إلى صفري الألفية. وقبل عام عطّل هجوم الكتروني غامض أجهزة الطرد المركزي الايرانية، وأبطأ البرنامج النووي.
في حالة كوريا الشمالية، دخلت الحروب الالكترونية منعطفاً جديداً. خصمان غير متكافئين. بيونغ يانغ، وعلى خطورة برنامجها النووي، تملك بضعة آلاف العناوين الالكترونية، الولايات المتحدة عندها مليارات العناوين. الانترنت وبروتوكولاتها امتياز أميركي. البنتاغون يخصص سنويا موازنات للحروب الالكترونية وسبل مواجهة مخاطرها، وقد تجاوزت هذا العام المليار ومئة مليون دولار.
الى يوم «سوني» الأسود، كانت عمليات الانترنت العسكرية محدودة، وغالبيتها للمراقبة والاستطلاع. الآن صارت سلاحاً هجومياً فتاكاً، ولو لم تعلن الجهات المتورطة مسؤوليتها مباشرة، وتركت ذلك لأهواء الإعلام والمحللين. إن توجيه بيونغ يانغ هجوما ضد شركة أميركية تعني الاميركيين كلهم، وتفرض عليها تغيير برامج يتابعها الاميركيون، ادى إلى خسارة أكثر من نصف المليار دولار تكبدتها الشركة بسبب عملية القرصنة، وما تبعها من اجراءات حماية الكترونية. بيونغ يانغ دخلت من باب المس بـ «نمط حياة الاميركيين».
بيونغ يانغ أطلقت مارداً من قمقم. ومنحته ذريعة مادية ومعنوية وأخلاقية، هو ليس بحاجة إليها، ربما. ومع ذلك، باتت واشنطن اليوم أكثر مناعة ضد الضوابط الممكنة والمعقولة لعقلنة استخدام قوة الانترنت، وأكثر حرية في مراقبتها، وفي تجاوز القوانين وسيادة الدول في هيمنتها الالكترونية.
في الرد على كوريا الشمالية الذي أوقف خدمات الانترنت فيها لعشر ساعات بصورة كاملة، استهدف المقرصنون خوادم صينية وعطلوها. واكتفى المارد الأصفر الذي يتقاسم نحو ثلث ثروات الكوكب مع الاميركيين، بالصمت. انتهاك واضح لسيادة الصين. ماذا يفعل الصينيون؟ قواعد الاشتباك لم تتبلور بعد. واشنطن وعلى لسان اوباما قالت انها سترد بصورة متكافئة على كوريا الشمالية، اي كان من المفترض ان تهاجم شركة انتاج سينمائي. أين تجدها، لا في الصين ولا في كوريا الشمالية، ولا في غيرها.
ما كنا نعتبره خيالاً علمياً بات اليوم حقيقة. دخلنا حروب المستقبل، إنها حروب غير متكافئة، نظيفة، لا دماء فيها، تنذر بفوضى مطلقة، نتيجتها الاولية: كوريا الشمالية واحد. أميركا واحد. العرب صفر، قبل المعركة، وخلالها، وبعدها.
منير الخطيب – السفير