في كلّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ
تاريخ النشر: 03/01/15 | 20:33المال مال الله، و ما بين يديك ليس من احتيالك على الرزق؛ بل هو من عند الرزاق. فلو كنت تتقاضى الف دينار و عرض لك محتاج و أعطيته دينارا واحدا( من مال الله الذي أنت مستأمن عليه)، فهل تشعر بانتكاسة في حالتك المادية؟ أغلب الظن أن لا، إنما هذا الدينار يعني الكثير لمعدم محتاج.
فالحرص الشديد على امتلاك الكثير قد يجر الى ما لا تحمد عقباه، و خاصة اذا كان جمع المال هو شغل المرء الشاغل. فلربما جنت جناية على الفرد و ذهب هو و ما جمعه.
ولو كانت الأرزاق تأتي على الحجا / لهلكت من جهلها البهائم
***
و الحرص في الرزق و الأرزاق قد قسمت / بغيٌ، ألا إن حرص المرء يصرعه
السعي نحو الرزق مطلوب، بل مشروع ولا ضير في ذلك، انما ما يحبذ هو الانفاق من هذا المال( مال الله) في وجوه الخير قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا شراء.
عرضت إحدى محطات التلفزة الامريكية قصة مؤثرة في ولاية كاليفورنيا بطلاها موسر و متشرد. المتشرد يحمل ورقة كتب عليها عبارات تحث المارة على التبرع بما تجود به أنفسهم. توقف الموسر الشاب و حيا المتشرد بكلام طيب، و أخبره بأنه سيمنحه مئة دولار أمريكي. لم يستوعب المتشرد ذلك، ويكأنه في غفلة تحول دون تصديق الخبر. أمام هذا المبلغ السخي- في نظر المتشرد- فقد ذرفت عيناه، و طلب من الموسر أن يسمح له بمعانقته، و تم ذلك.
أتخذ الموسر مكانا قصيا، و راقب المتشرد، بل وثّق ذلك بكاميرا التصوير. أسرع المتشرد الخطا و غاب وسط حانة قريبة، ما جعل الموسر يضرب أخماسا بأسداس. و ما هي الا لحظات حتى خرج المتشرد محملا بالطعام، ميمما وجهه نحو متشريدن آخرين في متنزه قريب منه، و بدأ بتوزيع الطعام على كل من يصادف في ذلك المكان. و ما هي الا هنيهة، حتى حياه الشاب الموسر ثانية من خلفه، شاكرا له حسن الصنيع، و طالبا منه المسامحة على سوء الظن به حال دخوله الحانة، ظنا منه أنه لم يلج ذلك المكان إلا لصرف المبلغ على ما يخامر العقل.
المتشرد بار بوالديه المريضين. كانت له مهنة يعتاش منها و تكفيه المسألة، لكنه أمام معاناة والديه لم يجد بداً من المكوث في البيت يخدمهما و يمرّضهما. فترك العمل و تفرغ لوالدٍ اتلفه السرطان، و أم هدّ حيلها الفشل الكلوي. أما و قد قضيا الآن، فقد وجد نفسه بلا مأوى و بلا مصدر رزق يقيه برد الشتاء و زمهريره.
الموسر الشاب” جوش” شكر صنيع المتشرد” توماس” ووعد بأن ينشر حالته على الملأ لتكون مثلا حيا لما يفعله البعض من المتشريد و المتسولين. ووعد كذلك بحثّ الآخرين على التبرع لهذا الشخص الذي يكدّ على الكثير ممن لم يجد له مصدر رزق أو مأوى. فهل عاد عصر الصعاليك الشرفاء كأمثال عروة بن الورد و شاعر الأزد- الشنفرى، و تأبط شراً و السليك بن السلكة؟
الموسر سيبتاع هاتفا نقالا للمتشرد، ليكونا دوما على تواصل.
بقلم يونس عودة- الاردن