بجانب أبي

تاريخ النشر: 04/01/15 | 14:59

: قصَّة ُ ” بجانب أبي ” – للأطفال – للأدبيب الشاعر الأستاذ ” سهيل إبراهيم عيساوي ” تقعُ في 28 من الحجم الكبير، إصدار دار الهدى ع. زحالقة – كفر قرع، تدقيق لغوي الأستاذ ” صالح أحمد ” ووضعَ الرسومات الداخليَّة وصورة الفلاف من الوجهين الفنانة التشكيليَّة ” قيتنا نتئيل “.
سأقومُ في البدايةِ باستعراض هذه القصَّةِ وبعدها سأدخلُ في الدراسة والتحليل.
تتحدَّثُ القصَّة ُعن عائلةٍ وديعةٍ تعيشُ بحبٍّ وسلام وانسجام وتناغم… وقد كتبت هذه القصَّة ُ بشكل وطابع سرديٍّ وعلى لسان بطل القصَّةِ ( الطفل الصغير) الذي يريدُ الجلوسَ دائما بجانب أبيهِ أثناء تناول الطعام مع جميع أفراد العائلة… وكان والدُهُ يفرضُ روتينا ونظاما شبهَ صارم على العائلةِ في كيفيَّةِ الجلوس وتناول وجبات الطعام، فالعائلة تجتمعُ كلها وتجلسُ على طاولةٍ واحدةٍ (الأب والأم والأولاد )، لكي تحلَّ البركة ُ ويشتدَّ عودُ الإلفةِ ( كما جاء في القصَّة ). فعندما تنادي الأمُّ وجبة الإفطار جاهزة يا أولاد يتدافعُ الإخوة ُ الأطفال إلى المقاعد.. وكان بطلُ القصَّة ( الطفل ) يجلسُ بجانب أبيه على المائدةِ.. وبشكل بديهي وتلقائي يتذمَّرُ باقي الأخوة من هذا التصرُّف وهذه الأنانيَّة. فتقولُ الأمُّ لهذا الولد: غدا يجلسُ أخوك بجانب أبيك..والأبُ بدورهِ يبتسمُ إبتسامة جافة. وفي اليوم التالي يمتلىءُ وجهُ الأخ الآخر سرورا وبهجة ً لأنَّ دورَهُ سيكونُ في الجلوس بجانبِ الوالد بدلا من أخيهِ.. لكنَّ بطلَ القصَّةِ يعملُ على إفسادِ رغبةِ أخيه – ويقول الطفلُ كما جاءَ في القصَّةِ : ( لكني أفسدُ عليه فرحته الكبيرة ). حيث يلصق كرسيَّهُ بجانب كرسي أبيهِ ( صفحة 7 ) متجاهلا نيَّة ورغبة أخيه الكبير في الجلوس بجانب الأب وضاربا بعرض الحائط أحلامَهُ الورديَّة.
وفي اليوم التالي يحاول الأخُ الصَّغيرُ الإستحواذ َعلى مكان أخيه ليجلسَ بجانب الأب فيقطبُ ( بطلُ القصَّة ) جبينهُ ويعبسُ وينشرُ أشرعة َعبوسِهِ ( تشبيه بلاغي جميل ) ويدفعُ بصحنهِ جانبا ويأخذ بالصراخ والضَّجيج وترتطمُ قدمَاهُ بالأرض الصَّلبةِ فينزعجُ الوالدُ ويضمُّه ُ إلى حضنهِ.. وفي اليوم الذي بعده يحضرُ الأخُ الكبير مبكرا قبل إنتهاءِ أمِّهِ من إعدادِ الطعام ويجلسُ بجانب مقعدِ الوالد..وأمَّا الطفل بطلُ القصَّة فيلمَحُهُ ويرمقهُ بنظرةٍ حادَّةٍ وغاضبةٍ تكادُ تخترقُ جسَدَهُ الغضّ..ويرجعُ بسرعةٍ إلى غرفتهِ دون أن يتفوَّهَ بأيَّةِ كلمةٍ.. فتأتي أمُّهُ لاسترضائِهِ فيعرضُ عنها ويبتعدُ، وكانَ متأكدًّا في قرارةِ نفسهِ أنَّ أباهُ لن يبدأ بتناول طعامهِ إذا لم يشاركهم هو فرحتهم..فينتظرُ في غرفتِهِ على أحرّ من الجمر لأنهُ جائعٌ وعطشان.. وبعد لحظاتٍ يأتي الأبُ فيضمُّهُ إلى صدرهِ بحنان ويجلسهُ برفق إلى جانبهِ..وأمَّا الأخُ الأكبر الذي كان جالسا في البدايةِ بجانب الوالد وأقصيَ من مكانهِ بسبب أخيهِ الأصغر الأناني فيتمتمُ بصوتٍ خافتٍ بصعوبة يُسْمَعُ: ( دائما هو بجانب أبي، أفهمُهُ، لقد سحقتُ تطلعاتِهِ، وأبي يبتسمُ بصمتٍ غامض – ” صفحة 15 ” ).
وفي اليوم الآخر الذي يليهِ يُغيِّرُ الأبُ موقِعَهُ ومكانهُ على المائدةِ إلى جانب إبنتِهِِ الصَّغيرةِ التي توسَّلت إليهِ أن يجلسَ بجانبها مرَّة ً واحدة ً فيرقُّ ويحنُّ قلبُ الأب الكبير. فيقولُ الطفلُ بطلُ القصَّة لأبيهِ : ( ” أنا غاضبٌ منكَ، فتشيحُ الأختُ الصغيرة ُ بوجهها المنتفض عنهُ ويستصعبُ على الأب ابتلاع وهضم طعامهِ فيجلسُ بجانب إبنهِ الطفل بطل القصَّة. وفي اليوم الذي بعدهُ تحاولُ الأمُّ خلط َ الأوراق فتجلسُ بجانب زوجها (الأب) فيضربُ الطفلُ عن الطعام ويخاصمُ المعالقَ ويغلق فمَهُ جيدا ويلوذ بالصَّمتِ الطويل المُطبق ويذرفُ دموعَهُ اليتيمة َ التي تتدحرجُ على خدَّيهِ بخفةٍ وكأنها ( الدمعات) تلقي بتحيَّةِ الصَّباح على المائدة. ويقولُ الطفلُ – كما جاءَ في القصَّةِ :(“..كم أنا بارعٌ بذرف عبراتي المجانيَّة ! – صفحة 18) فتكتمُ الامُّ غيضَها المؤَجَّل وترضخُ لمبتغى وهدفِ طفلها الأناني وتأخذ لها مكانا آخر فيجلسُ الطفلُ بزهو واعتزاز بجانب أبيهِ…وبعد ذلك يحفظُ جميعُ أفرادِ العائلةِ مكانَ جلوس هذا الطفل عن ظهر قلبٍ إذا تأخرَ أو غابَ عن البيتِ أو انشغلَ بألعابهِ وقصصِهِ وترتيب غرفتهِ.. فلا يتجرَّأ أحدٌ من إخوتهِ الأطفال أن يجلسَ مكانهُ أو أن يسترق النظرَ إلى كرسيِّهِ الشَّاغر ( فكأنهُ ملكٌ شخصي لهُ مُسَجِّلَ على إسمهِ) والويلُ الويلُ لمن يجرؤُ على مخالفةِ رغبتِهِ من سخطهِ وغضبهِ.
وفي نهايةِ القصَّةِ يتحدَّثُ الطفلُ ( البطلُ)عن نفسِهِ فيقول: (” أعترف لكم وأصارحُكم القول: أنني أجلسُ على مائدةِ الطعام حتى لو أعرضَ الجوعُ عني، أتظاهرُ بتناول الطعام، أحَرِّكُ الصَّحنَ يمينا ويسارا، تُقبِّلُ الملعقة ُ ثغري، وأقولُ الحمد للهِ شبعتُ، المهمُّ ضمنتُ حقيَ المقدسَ..إلخ – صفحة 23 ). وكانَ إذا ما شعرَ هذا الطفلُ بالظمأ يطلبُ من الآخرين ( الإخوة أو الأم ) إحضارَ كاس من الماء وبإلحاح، ليشغلهم قليلا ويضللهم عن مُرَادِهِ وما يُضمِرُهُ في قلبهِ ( كما جاءَ على لسانهِ بقلم كاتب القصَّة) حتى يظنَّ الجميعُ أنهُ إتكاليٌّ وكسولٌ ومتعجرفٌ ومغرورٌ ولكن في الحقيقةِ هُوَ يفعلُ كلَّ هذا لأنهُ يخشى أن يخطفَ ويأخذ َ أحدٌ من أفرادِ العائلةِ مكانهُ العزيز والأثير بجانب أبيهِ على المائدةِ.
وفي الكثير من الأحيان لا يروقُ لهُ نوعُ الطعام الذي تعدُّهُ أمُّهُ فيتظاهرُ بالرَّغبةِ في تناولِهِ، وكانت أمُّهُ تعدُهُ بطبخةٍ في اليوم التالي أفضل منها وتصدقُ بوعدِها، والمهمّ أن يبقى جالسا بجانب أبيهِ ومستحوذا على هذا الكرسي، فيقولُ : (” فأتظاهرُ برغبتي بتذوِّق الأرز، أو العدس، أو السمك…فتقولُ أمَّي:هذا غير ممكن الآن، غدا إن شاءِ الله أعدك ! وتقسمُ أغلضَ الإيمان..وفي الغد تمتثلُ وتفي الأمُّ لوعدِهَا الحرِّ. ثمَّ أتمنى طبخة أخرى لم تدر بخلدها. ويبقى المهمُّ أني جلستُ بجانب أبي ( كما جاءَ في القصَّةِ على لسان الطفل )…وتنتهي القصَّة هنا وبهذه الجملةِ التي تنضحُ بالأنانيَّة وحبِّ الذات.
تحليلُ القصَّة : هذه القصَّة ُ كتبت للأطفال ولجميع الأجيال كما يبدو وهي مقتضبة ٌ وصفحاتها قليلة من ناحييةِ الحجم ولكنها مكثفة وغنيّة ٌ بمواضيعها وأهدافِهَا ومضامينمها ( من ناحية الكيف – الفحوى والهدف )… والقصَّة ُ إجتماعيَّة ٌ أسريَّة بحتة ٌ وتتطرَّقُ إلى الجانبِ النفسي والسلوكي للطفل وللجوِّ الأسري وعلاقةِ الأطفال مع الأهل ( الأب والأم )، وخاصَّة أثناء تناول الطعام (على المائدة المشتركة).. فمعظمُ الاطفال الصغار إن لم يكن جميعُهم يُحِبُّون الإستحواذ َعلى كلِّ شيىء لهم مثل:الألعاب،حنان الأهل ( الأب والأم والعائلة جميعها)، الهدايا والمال والشراء والسفر وحتى في الجلوس على المائدةِ أو قرب التلفزيون..إلخ. فهذا الطفلُ النرجسي ( بطل القصَّة ) الذي يحُِبُّ نفسَهُ كثيرا ويريدُ لوحدِهِ فقط الجلوسَ بجانب الأب ولا يسمحُ لغيرهِ من الإخوةِ بالجلوس في هذا الكان كانت لدى إخوتهِ أيضا نفسُ النزعاتِ والرَّغباتِ الأنانيَّةِ وأرادوا أن يزاحموهُ على هذا المكان والكرسي الأثير…وفي كلِّ عائلةٍ وكلِّ بيتٍ قد نجدُ هذه الظاهرة أو ما يشابهها، وهذا الشيىءُ طبيعيٌّ وبديهيٌّ يحصلُ ويحدثُ عندَ جميع الأطفال حيث تكوُن عندهم رغبة ُ التمَّيُّز والإستحواذ على كلِّ شيىءٍ وأمر). وفي القصَّةِ يُبرزُ الكاتبُ حنانَ ومحبَّة َ الأهل ( الأب والأم ) لأولادِهم وكيف أنَّ الوالدَ يحبُّ جميعَ أولادِه ِ وأرادَ لأولادِهِ الآخرين أيضا أن يجلسوا بجانبهِ،وخاصَّة إبنته الصغيرة،ولكنَّ الطفلَ الأنانيَّ والمدللَ (البطل) عملَ المستحيلَ وقامَ بكلِّ الوسائل ليبقى متمسِّكا ومالكا لهذا المكان بجانب والدهِ.. وكيف حاولت الأمُّ أن تجلسَ بجانب زوجها ( الأب )..ربَّما لتلهي الطفل المدلل وأيضا لكي تمنعَ حدوثَ النزاع والخلاف بين هذا الطفل وإخوتهِ بسبب الكرسي الشاغر الذي يريدهُ لنفسه ِ فقط هذا الطفل، ولكنها أخفقت في أسلوبها وطريقتها حيث أضربَ الطفلُ عن الطعام والشراب بالرغم من شدَّةِ جوعهِ وعطشه فاضطرَّت الأمُّ إلى الرُّضوخ ِ لرغبةِ ابنها الطفل المدلل…وهذه القصَّة ُ- كما ذكرَ أعلاه – تعكسُ أجواءَ كلِّ عائلةٍ وخاصَّة أثناء تناول الطعام على مائدةٍ واحدة… وتعكسُ الجوَّ الدافىء والمحبَّة والسكينة التي تغمرُ هذه العائلة والوضعَ الطبيعي الوديع ( رغم محاولاتِ وتصرفاتِ الطفل المدلل الساذجة التي بدرت منهُ وكان بإمكانها تعكير الجو لفترةٍ قصيرة )…والذي يجبُ أن يكونَ في كل عائلةٍ سليمةٍ ومتماسكة. وتُظهرُ القصَّة ُ تصرُّفَ الأمّ والأب الحكيم تجاهَ حالةٍ من حالاتٍ ونزواتِ أحدِ الاطفال الأنانيَّة والتي ترمي إلى الإستحواذ على كلِّ شيىء..وقد تختلفُ رغباتُ وأنانيَّة الأطفال عن بعضهم بعضَ الشيىء.. فمنهم من يرضى ويقتنعُ بكلمةٍ طيبة دافئة، ومنهم على العكس فيكونُ عنيدا ويعمل المستحيلَ حتى يأخذ وينالَ مبتغاهُ وما يريدُهُ… ولهذا يجبُ على الأهل التصرُّف بحكمةٍ وعقلانيَّةٍ في التعامل مع أطفالهم وأن يتعاملوا مع كلِّ طفل حسب عقليتِهِ ورغبتهِ وحاجاتِهِ وبالشكل السليم والمنطقي والمدروس وبشرط ألا يكون هنالك في نهجهم وطريقةِ وأسلوبِ تعاملهم مضرة ً لهُ نفسيًّا وسلوكيًّا ولا تحدث انعكاسات سلبيَّة ووخيمة من تلبيةِ وتنفيذ تلك الحاجات للأطفال – حاضرا ومستقبلا…وحتى يسودَ الهدوءُ وجوُّ الإلفةِ والمحبَّة والسكينة والوداعة الطبيعي وسط العائلة.
وأريدُ الإشارة َ أنَّ الكاتبَ قد تطرَّقَ هنا إلى جانبٍ وموضوع واحد وهام في سلوكِ وتصرُّّفاتِ ورغبات الأطفال ( رغبة الإستحواذ على كل شيىء – (مثال على ذلك رغبة الطفل الأناني في الإستحواذ على الكرسي والجلوس بجانب الوالد). وهنالك جوانب وأمورٌ عديدة غير هذا الجانب والموضوع قد تحتاجُ إلى صفحاتٍ طويلة وإلى قصص أخرى غير هذه القصة للكتابةِ عنها بتوسُّع ولمعالجتها كما يجب ( سواء من قبل الكاتب سهيل عيساوي أو غيره )، مثل: موضوع الغيرة والحسد بين الأطفال الإخوة، وخاصَّة إذا كان هنالك طفل ما مدلل ومقرب من أهلهِ كثيرا ويكونُ الوحيدَ في العائلة فعندما يولدُ طفلٌ وأخ جديد في العائلة ويبدأ ويزدادُ إهتمامُ الأهلُ بهذا المولودِ القادم الجديد فستبدأ غيرة ُ الطفل الكبير الشديدة وربَّما يحاولُ إيذاءَ أخيهِ الصغير الذي ما زال في الرضاع أو في أول مشيهِ لأنهُ يريدُ كلَّ شيىء لهُ فقط ( الحنان والدلال والألعاب وغيرها..).. وهذا الأمرُ موجودٌ في كلِّ مجتمع وفي كل بيت، والكاتبة ُ والأديبة والشاعرة الكبيرة المرحومة سعاد بولس دانيال – رائدة قصة أدب الأطفال محليًّا- قد تطرقت لهذا الموضوع بإسهاب في قصَّتها ( الجنين)1 – للأطفال.. وهي من الروَّاد الأوائل الذين كتبوا أدبا وقصصا للأطفال على الصَّعيد المحلي.. وكانت قد درست موضوع علم النفس دراسة أكاديميَّة وتعرفُ نفسية َ الطفل ومشاكله وحاجاته جيِّدأ وكيفية التعامل معه والكتابة لهُ ونوعيَّة المواضع والأسلوب الذي يجب أن ينتهجَ ويتبع في قصص الاطفال.. وأنا بدوري أعتبرُهَا أوَّلَ كاتبةٍ وأديبةٍ في مجال قصص الأطفال، ولكنها لم تأخذ حقها بعد.. حتى بعد وفاتها من الشُّهرة والإنتشار -2…..وأستغربُ كيف لم يدخلوا كتبَهَا وقصصَهَا للأطفال في المناهج التدريسيَّة، وهناك قصصٌ للأطفال مستواها أقل بكثير من مستوى كتاباتِها وقصصها قد أدخلت ضمن المناهج التدريسيَّة للأطفال محليًّا. وأنا الكاتبُ والناقدُ الوحيد الذي كتب عن مؤلفاتِهَا وأعمالها الأدبيَّة. وهنالك أمورٌ أخرى أيضا هامَّة، مثل : الخوف والإنطواء وعقد النقص التي يعاني منها قسمٌ من الأطفال لأسباب عديدة قد تكون نفسية أو بسبب إعاقات وتشوهات جسديَّة…وغيرها..إلخ.. يجبُ الكتابة عنها.
وعودة إلى القصَّة وبإختصار شديد :هذه القصَّة لغتها جميلة ٌ وسلسة وعذبة ومفهومة..ونجدُ الكاتبَ يدخلُ الكثيرَ من الفواصل للفصل بين كلِّ فكرةٍ وفكرة وموضوع وموضوع آخر في نفس الجملة…ويستعملُ الكثيرَ من التعابير المُنَمَّقة والمصطلحاتِ البلاعيَّةِ والتوظيفات الأدبيَّة الجديدة أو المستهلكة وهي مفهومة من خلال موقعها في الجملة، مثل الجمل التالية :
( ” ضاربا بعرض الحائط أحلامَه الورديّة – صفحة 7 )… أي غير مهتم ومكترث.
( إسترجاع حقه المهضوم والمسلوب – صفحة 9 ).
( يتحسَّسُ دمعة يتيمة في ميناء عينيهِ بكبرياء الصغار ونفقتهم – صفحة 9).
.. وإنهُ لتعبيرٌ بلاغيٌّ جميل.
( ولا أكترثُ ولا أتزحزحُ قيدَ أنملة – صفحة 9 )
( ويحاولُ أخي الصغير الإستخواذ َ على مكاني – صفحة 10 ).
( لقد سحقت تطلعاته – صفحة 15 ).
( تشيحُ أختي بوجهها المنتفض عني – صفة 16 ).
( كرسي الشَّاغر – صفحة 21 ).
( وأنشر أشرعة َ عبوسي – صفحة 10 )… وإنَّهُ لتشبيهٌ جديد وجميل لم يستعمل من قبل.
وهنالك بعضُ الصفحاتِ في القصَّةِ نجدُ في كلِّ صفحة جملة واحدة فقط طويلة وتقعُ في عدة أسطر وفيها الكثيرُ من الفواصل، ونجدُ صفحات أخرى في القصَّة يوجدُ فيها جملٌ أقصر..والجملة قد تكون من سطرين أو أكثر وفيها العديد من الفواصل أيضا… فمثلا :
( صفحة رقم 9 فيها جملة ٌ واحدة طويلة مكونة من أربعة أسطر وفيها خمس فواصل ).
و(صفحة 10 مكونة من جملةٍ واحدة من أربعة أسطر وفيها 8 فواصل ).
و (صفحة 12 كلها عبارة عن جملةٍ واحدة مكونة من أربة أسطر وفيها سبعة فواصل )… إلخ.
وأخيرا : هذه القصَّة ُ ناجحة ٌ وَمُمَيَّزة ٌ وفيها كلُّ مقوِّمَاتِ وأسس القصَّةِ الإبداعيَّةِ الثقيفيَّة الهادفة للأطفال.. وقد أدخلَ فيها الكاتبُ بعضَ التقنياتِ الجميلةِ والمحبَّذة…والقصَّة ُ سرديَّة ٌ ( لا يوجدُ فيها حوارٌ بين الأبطال ) وكتبت على لسان الطفل ( بطل القصَّة) الذي يتحدَّثُ ويعطي نماذجَ من سلوكهِ وتصرفاتهِ في البيت وبين أهلهِ وأخوته، وبشكل خاص وأدقّ أثناء جلوس افراد العائلة على مائدةِ الطعام…وربَّما بشكل مقصودٍ وفنيٍّ صاغ الكاتبُ القصَّة َ على هذا النمطِ والشكل السردي وبلسان البطل… فعندما يقرؤُها أيُّ طفل يُحِسُّ ويشعرُ بشكل تلقائيٍّ كأنهُ هو البطلُ صاحب القصَّةِ الذي يتحدَّثُ عن نفسِهِ ويريدُ الإمتيازَ والسيطرة َ والإستحواذ لنفسِهِ على كل شيىء – كالمعاملةِ الخاصَّةِ لهُ فقط من قبل الأهل والجلوس دائما بجانب الأب وغيره.. إلخ. والقصَّة ُ واقعيَّة من صميم الواقع وقد تحدثُ في كلِّ أسرةٍ وعائلة ٍ – كما ذكرت سابقا – ولا يوجدُ فيها فانتازيا وخيال على عكس قصص الأطفال الأخرى التي كتبها سهيل سابقا.. بَيْدَ أنَّهُ يوجدُ فيها عنصرُ التشويق والإثارة والأسلوب المنمَّق واللغة السلسة والشائقة التي تجذب القارىء والمستمع وتحركُ مشاعرَهُ ولواعجَهُ الذاتيَّة سواء كان صغيرا أو كبيرا -3.. ويدخلُ الكاتبُ بعضَ المصطلحات الأدبيَّة والإستعارات البلاغيَّة المحفزة والتي تنعشُ الذوقَ والعقلَ وتحركُ التفكيرَ وتطربُ الأذنَ والنفس والوجدان وتحفزُ كلَّ قارىء على الإستمرار في متابعةِ القراءة…قراءة الصفحاتِ الأخرى من القصَّة دون توقف، وخاصَّة في بعض المشاهد الدراميَّةِ على لسان الطفل، فمثلا : عندما يُضربُ الطفلُ عن الطعام والشراب رغم جوعِهِ وعطشهِ الشَّديدين لأنهُ لم يجلس بجانب والدِهِ.. فالقارىءُ أو بالأحرى الطفل الذي يتابعُ قراءَة َ القصَّةِ يتشوَّقُ ويتلهفُ إلى معرفةِ ماذا سيحدثُ بالضبط مع الطفل ( بطل القصَّة) فيما بعد..هل يحدثُ لهُ مكروهٌ؟..هل ستسُوءُ صحتهُ ويذهبُ إلى المستشفى..إلخ…ولكنَّ الأبَ يرضخُ لرغبةِ طفلِهِ فيجلسهُ بجانبِهِ ويعودُ الفرحُ والهدوُء والأجواءُ الطبيعيَّة ُ للأسرةِ والعائلة. فالكاتبُ يعرضُ هنا جانبا نفسيًّا من حياةِ الطفل وانعكاسا وتصرفا نبعَ منهُ بشكل بديهي وتلقائي لكي يُحَققَ مَآربَهُ وأهدافهُ الشخصيَّة الضيِّقة، وذلك عندما يتظاهرُ الطفلُ بالكسل ويطلبُ من الآخرين أن يجلبوا لهُ كأسَ الماء ليشربَ..وغير ذلك من الأشياء والأمور البسيطةِ التي يستطيعُ القيامَ بها بنفسهِ وبكلِّ سهولةٍ..لقد إصطنعَ كلَّ هذا حتى يبقى محافظا على على كرسيِّهِ ومكانهِ بجانب والدهِ..وهذا ما يحدثُ للكثيرين من الأطفال..أي يتظاهرُ البعضُ منهم بالمرض (التمارض والكسل والخمول والأنانية والإتكال على الآخرين وغير ذلك حتى ينالوا هدفا وحاجة شخصيَّة ما من الأهل وربَّما تكونُ تافهة أحيانا ).. فالطفلُ ( كل طفل ) عندما يقرأ هذه النصوص سينسجمُ بالتأكيدِ مع تلك المشاهد والأحداثِ ( في القصََّة ) وسيتخيَّلُ نفسَهُ أنهُ هو ذلك الطفل ( بطل القصَّة ) وقد حدثَ معهُ بالضبط أو ما يشابهُ الذي حدثَ في القصَّةِ مع هذا الطفل الأناني في الكثير من الأمور والمواقف الشخصيَّةِ وسط أجواء العائلة، ومفادُ وهدفُ كلِّ هذه التصرفات من منطلق الأنانيَّةِ ولتلبيةِ رغباتِهِ ومطامعهِ الضيَّقة وللحصول على حاجة معيَّنة.
والكاتبُ يدخلُ في هذه القصَّةِ شيئا من العاداتِ والمعتقداتِ التي كان يؤمنُ ويتمسَّكُ بها المجتمعُ العربي كثيرا قبل عشراتِ السنين عندما كان النسيجُ الإجتماعي أقوى وأمتنَ مِمَّا هو عليه اليوم بين الأسر، مثل جلوس جميع أفراد العائلة على طاولةٍ واحدةٍ أثناءَ تناول الطعام في كلِّ وجبة وليس كل شخص لوحدة ( في الصباح والمساء) لكي تحلَّ البركة ُ وينتشرَ الخيرُ في العائلةِ والبيت. واليوم لقد تقلصت مثل هذه العادات ولا يلتزم بها الجميع فلا نجد جميعَ العائلات العربيَّة تجلس سويَّة على مائدةٍ واحدة أثناء تناول الطعام.
وفي النهاية : نهنىءُ الكاتبَ والشاعرَ والمؤرِّخ الأستاذ سهيل إبراهيم عيساوي على هذا المؤلف ( قصة بجانب أبي – للأطفال ) ونتمنى لهُ العمرَ المديدَ والمزيدَ من الإصداراتِ الإبداعيَّةِ في شتى المجالات.

حاتم جوعية

HATEMJ022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة