إسعافات أولية للزيجات المريضة
تاريخ النشر: 06/01/15 | 16:30مقدِّمة: يحارُ كلُّ إنسان ٍ عندما يطَّلعُ على ارتفاع ِ نسبةِ الطلاق ِ في شتَّى المجتمعاتِ والبيئات ففي كلِّ عام ينفصلُ الملايين من الأزواج والزوجات عن بعضهم بعضا إمَّا بسسب الطلاق الرَّسمي( الشرعي والديني والقانوني) أو العاطفي. وأمام هذا الفيض المتدفق من حوادث الطلاق عكفَ عددٌ من عُلماءِ النفس والإجتماع والطبِّ على البحث عن علاج وترياق ٍ ناجع يقي المجتمعات من هذه الآفة والطامة ويقضي على الجرثومةِ التي تنشرُ السُّم في عروق الزَّواج. إنَّ بعضَ حالتِ الطلاق أحيانا لها ما يُبرِّرُهَا. ولكن من ناحية أخرى هنالك عددٌ من الزيجاتِ المهدَّدةِ التي يمكنُ بعثُ الحياةِ فيها وإغنائِها بمرور الأيَّام.
وكما أنَّ الدراية َ الكافية بالإسعافِ الاوَّلي الطبِّي يمكنُ ان ينقذ شخصا مشرفا على الغرق أو مصابا بضربةِ شمس أو لسعةِ ثعبان فكذلك الدّراية النفسيَّة بالإسعافِ الاوَّلي النفسي يُمكنُ أن تنقذ زواجًا مريضًا ( زواجا مليئا بالمشاكل المتفاقمة المُعَقَّدة والمهدد بالإنفصال والطلاق ).
والخطواتُ اللازمة لمساعدةِ الزَّوجين وإعادتهما إلى الحياةِ الزوجيَّةِ السَّليمة ورجوع المياه إلى مجاريها سهلة وممكنة. والخطواتُ التي يجب أن يتبعهَا كلُّ زوج يُعاني من خلافاتٍ ومشاكل مستعصية مع زوجتِهِ هي:
1 – قرِّرْ أنّكَ تريدُ لزواجكَ الإستمرار والبقاء:
يجب على الرَّجل أن يتخذ قرارًا واعيًا بالإستمرار في الزَّواج ثمَّ عليهِ المبادرةِ في إدخال التحسيناتِ على حياتِهِ الزّوجيَّة. وكلمة ” الرَّغبة ” أو ” القرار ” في أمر كهذا كانت تبدو غير محبَّة، ولكن على الإنسان اليوم في عصرنا هذا المتحضر والمتطوِّر ( فكريًّا وعلميًّا وتيكنيلوجيًّا ) أن يجرِّبَهُمَا من أجل امتلاك القوَّة على محاولةِ الإحتفاظ بالزّواج. لقد ذكرَ أحدُ خبراءِ علم النفس إنهُ في تاريخهِ الطويل بإصلاح ذات البين، وجدَ أنَّ هنالكَ أشخاصًا عديدين لم يُحاولوا قد أن يلزموا انفسَهم بالمحافظةِ على الزّواج. بل أننا نجدُ الكثيرين من الأشخاص لا ينظرونَ إلى الزواج منذ البدءِ نظرة ً جدِّيَّة ً بل ينظرون إليهِ نظرة ً عارضة ً وكأنّهُ بضاعة تباعُ وترَدُّ وليسَ شيئا وأمرًا مصيريًّا وكيانا ورابطا أبديًّا مقدَّسا.” سأتزوَّجُ وإن لم يعجبني رفيق دربي سأطلِّقهُ !. بهذا المفهوم الرَّجعي والخاطىء. هكذا تقضي شهورٌ قليلة من الطلاق ويُشرَّدُ الأطفال.لكن شيئا من الرَّويِّةِ والتعقل يكفي أن يعيدَ الإزدهار والسَّعادة والتألُّق إلى الحياةِ الزَّوجيَّة.
2 – أقِم الحوارَ مع شريك حياتِكَ:- يقولُ الخبيرُ النفسي الذي اهتمَّ في معرفةِ أسباب حالات الطلاق وكيفيّة علاجها: ” قلَّما رأيتُ زواجًا متداعيَ الأركان إلاَّ وكانَ انعدامُ الحوار فيه سببا من أسباب المشاكل، فعندما تلاشَى تلكَ الخيوط الهشَّة ُمن التَّراحم والتفاهم والتخاطب والحوار الودِّي بين الزّوجين، لا تعودُ الرسائلُ الدقيقة من القلب إلى القلب. فالحوار البناء شيىءٌ هامٌّ في الحياة الزوجيَّة. وحبَّذا لو دوَّنَ كلُّ واحدٍ من الزَّوجين على الورق حقيقة مشاعرهِ عن المواضيع الهامَّة في الحياةِ الزوجيَّة: كالحُبِّ والحياِة والأطفال. ثمَّ يتبادلُ الزَّوجان ما دوَّناهُ وكتباهُ وحاولانِ المناقشة َالهادئة ووضع الحلول ومحاولة التفاهم ( هذا الأمر متبع عند الشعوب المتحضرة ). ويستطيعُ أيٌّ من الزوجين أن يجرِّبَ طريقته الخاصَّة التي يبتكرها لخلق الحوار، كأن يخرج الزوجان مثلا بعد العشاء للنزهةِ حيث يناقشان مشاكل اليوم. وهنا لا بدَّ من التأكيد على ضرورة التَّمتُّع بحسِّ الإصغاء فالتشبُّث بالمواقف والتعنُّت والتشنج الفكري كثيرًا ما يُؤَدِّي إلى جمود الاوضاع مِمَّا يحولُ دون تلقِّي الشَّارات والنتائج الإيجابيَّة المطلوبة.
3 – تَحاشَ التَّظاهر بعواطف مفقودة:- إنَّ الصِّدقَ في إبداءِ المشاعر كثيرًا ما يُؤَدِّي إلى الحيلولة دون تداعي الحياة الزوجيَّة. فقد تكونُ موجاتُ للشعور بالمهانةِ أو الغيض في التفاصيل الدقيقة للحياةِ الزّوجيَّةِ، وهذه لا يشتركُ فيها الإثنان في كثير ٍ من الحالات ومع ذلك قد نجدُ الزوجَ أو الزوجة َ لمثل هذه المنغصات. فإذا امتلكَ أحدهما الشَّجاعة َ يتظاهرُ كلٌّ منهما بأنهُ لا وجود للأسس الكافية لقول مشاعرهِ وترجمة أحاسيسهِ بصراحةٍ وبلا خجل فإنَّ الآخر قد يستطيعُ إزالة َ أسباب الشَّكوى وعندها تزولُ الجراحُ ويبدأ الزواجُ سيرَهُ على طريق الشِّفاء. وبدلا من الإستمرار في أكذوبة التَّحايل وتصنُّع المتعةِ والسَّعادةِ في الحياةِ الزَّوجيَّة لجأ الزوجُ أو الزَّوجة ُ إلى الصِّدق، وعندها أخذت متاعبهما ومشاكلهما في الزوال.
4 – تعرَّف على حقيقةِ أعمالك التي تُنفرُ شريكَ حياتِك: كثيرا ما يُلقي الزَّوجُ أو الزَّوجة ُ تبعة ما اعترى حياتهما الزَّوجيَّة على كاهل الطرف الآخر. وقد دلَّت البحوثُ والدراساتُ على أنَّ هذا الزَّوج أو الزوجة يَوَدَّان بالفعل استمرار الأوضاع السَّيِّئة في مثل هذه الحالات. وقد يكونُ الزَّوجُ بطبيعتِهِ إنسانا لا يتقنُ طريقة َ التعبير والإفصاح عن مشاعرهِ الحقيقيَّة فإذا ما مرضت زوجتهُ أغدقَ عليها من الحنان الشَّيىء الكثير وصارَ يُحسنُ التعبيرَ. وعندئذ تكثرُ الزَّوجة ُ من التصنُّع والتظاهر بالمرض بصورةٍ تلقائيَّة لكي تبقيَ زوجَها منكبًّا عليها على الدَّوام وقريبا منها يعاملها بمنتهى الرِّقةِ والحنان والإنسانيَّة وبدون أن تدري تصبحُ الزَّوجة ُ فريسة ً دائما لعلل بدون سبب مرضيٍّ. والعِبرة ُ هنا هي أنََّّ على الزَّوجين اللذين يتعرَّضان إلى حالةٍ صحيَّةٍ مماثلةٍ أن ينظرا مليًّا إلى أوضاعهما ويُحاولا التَّعرُّفَ على الأعمال المنفرة غير الصَّحيحة التي يقومُ بها الطرف الآخر بدون قصدٍ منهُ مِمَّا قد يُؤَدِّي تدريجيًّا إلى انقباض شريكهِ وتعاستِهِ ويأسِهِ.
5 – ضَعْ أسامَ الحياة في زواجك:- في كثير من الأحيان تتلاشى وتسوءُ العلاقات بين الزَّوجين عندما يُسرفُ أحدهما في تفسير مفهوم ” الإندماج “. فكثيرٌ من الأزواج أو الزوجات الذين يتفاهمون في إبداءِ هذه المشاعر يفقدون شخصيَّاتهم. والزَّواجُ شراكة ُ متفاعلة ٌ عميقة ٌ لها سحرها وروعتها وبهجتها لا أنصاف آدميِّين يُحاولون جاهدين خنقَ شريكِ الحياة كما يحدث في المجتمعاتِ التقليديَّةِ والمتأخرةِ والمتخلِّفة التي يكون فيها الزواج تقليديًّا وغير مبنيٍّ على الحب والإحترام والتفاهم والإنسجام والتناغم الروحي والفكري والعاطفي وبعدها وآخر كلّ شيىء الجانب الجسدي. فالزواج قبل كلِّ شيىء يكون فيه إلتقاءُ روحين وقلبين وبعدها جسدين. وهذا ما تنادي به أيضا الشرائع والديانات السَّماويَّة. وأمَّا في المجتمعاتِ المحافطة والمغلقة وحتى عند بعض المجتمعات المتطورة شكليًّا والمنحلة أخلاقيا وخلقيًّا يكونُ الزواجُ من أجل متعةِ الجسد والخروج من قيود الكبت والحرمان الجسدي لا أكثر ولأجل النسل.
إفهم دورَ الحياةِ الرّوائيَّة: – قد يشعرُ الكثيرونَ من الأزواج والزَّوجات بأنَّ التولُّهَ والوجدَ والهيامَ الشَّديدَ ينبغي أن يكونَ على الدوام وبإستمرار جزءًا من حياتهما الزَّوجيَّة. فالواحدُ أو الواحدة ُ من هؤلاء، في هذا الصَّدد، يُخيَّلُ إليهِ أنَّهُ ينقصُهُ شيىءٌ في الحياةِ إذا لم يكن على الدَّوام ” عاشقَ ” الشِّريكِ حياته. من المهم أن نعي وندركَ جميعًا أنَّ الحياة َ الزَّوجيَّة، حتى في أفضل حالاتِها وبهجتها وتألُّقِها، تمرُّ بحالاتٍ من الرُّكودِ والكسل والرُّوتين المُمِلّ.
وفي الزَّواج السَّليم المتكافىء المتكامل تتحوَّلُ الشُّعلة ُالملتهبة ُ الأولى من الإثارةِ الرُّومانسيَّة، تتحوَّلُ تدريجيًّا إلى إحساس ٍ ناضج ٍ مُترع ٍ بروعةِ الحنان. والحبُّ الناضج الحقيقي العميق يُدفىءُ النفسَ وَيُرَسِّخُ البهجة َ والسَّعادة َ والأملَ المشرق في القلوب دونَ أن تصحبهُ مشاعر الإندفاع والعجلة التي يحسُّ بها الإنسان في أوَّل انجذابهِ.
بقلم حاتم جوعية