لا تخافوا..
تاريخ النشر: 06/01/15 | 16:47بنظرة خاطفة على عالمنا اليوم، أو من خلال جولة ميدانية لك في أحد الأحياء أو الأسواق، تلمس حجم الخوف البادي من عيون الناس، خوف من الواقع وكل إفرازاته ومعاناته، وخوف من المستقبل وما قد تأتي به الليالي الحبالى بالمفاجآت والمستجدات.
هل هذا الخوف مبرر؟ هل له ما يدعمه على أرض الواقع ؟ وهل علينا أن نخاف كمن خافوا ويخافون؟
إن الخوف سمة بشرية ولا غرو، وهو حالة ذهنية تنبع من الشعور بالضعف وعدم الأمن أو الشعور بالمهددات التي قد تضر وتؤذي، وإذا استعرضنا شواهد الواقع وجدنا العديد من المهددات، بعضها يتصل بالحروب والنزاعات المسلحة، وبعضها يتصل بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، وتارة أخرى تجدونه متصلاً بحالة من الخوف لدى إنسان بعيد عن هذه المهددات جميعاً، ولكنه يقحم نفسه فيها ليشعر بالخوف طوعاً.
الأمر الذي يجب علينا إدراكه اليوم هو أن تحول الخوف الطبيعي الفطري إلى خوف مرضيّ سيشلّ مجتمعاتنا ويعطل عقولنا، ويحفز الأفراد على الاهتمام بمصالحهم الخاصة بعيدا عن مجتمعاتهم وهمومها، ويقتل حالة التضامن، ويشيع هالة من الاضطراب والانفعال غير المدروس في المجتمع، بما يعني انتشار ظواهر العنف والطلاق والإشكاليات داخل الأسر والانشغال عن العطاء المؤسسي، وشيوع التردي في العمل الحكومي والرسمي.
إن الشعوب التي حكمت بالدكتاتورية في العالم كله خضعت لسلطان الخوف قبل صولجان الحاكم، وانكفأت على مصلحتها الشخصية هرباً من مواجهة خوفها من المصير، فقتلت وذبحت، ونهبت ثرواتها وكبتت الحريات فيها وضاع حق الإنسان في مقابل سطوة أزلام الخوف وأصنام الرعب التي نصبت لهم تحت ألف اسم ومسمى.
أوروبا حكمت بالأنظمة الإقطاعية عقوداً، وإفريقيا عاشت الرعب من الإنسان الأبيض دهوراً، وحكمت بلاد المشرق العربي والإسلامي بالنار والحديد من المحتل حيناً ومن سياسات الحكومات فاقدة الاستراتيجية حيناً آخر، وخضعت الدنيا اليوم خوفاً من سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقرارات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فبتنا صرعى الخوف وفتكت بنا التأويلات والتحليلات بغير رادع.
اسمحوا لي بالسؤال هنا..
ألم نسمع عن ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ؟ أليس الرعب يملأ الأوساط السياسية من الإسلام الزاحف إليهم في عقر دارهم ؟ ألا نقرأ عن دراساتهم لأعداد المواليد المسلمين وأثرها على أوروبا وأمريكا ؟ ألم يركز مثقفونا على حجم الانتشار الواسع للإسلام في أوروبا وأستراليا وأمريكا ؟ ألا نسمع عن خوفهم من الشرق العربي والإسلامي ؟ أليست كل الدراسات والإحصائيات تشير إلى أن العالم الإسلامي هو القوة الشبابية الصاعدة ومخزن الثروات العالمية وبوابة الاستقرار العالمي؟
إذا.. من يخاف ممن؟
هل نخاف على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا ونحن أحفاد الحضارة العظيمة التي لم يكن فيها طبيب نفس واحد ؟!
هل نخاف على واقعنا ومستقبلنا وكل نصوص القرآن والسنة وشواهد التاريخ ونواميس الحياة البشرية وعلم الاجتماع البشري تشير إلى أن القرن الحادي والعشرين هو لنا، ولنا بامتياز؟!
مَعيب حالنا في الإعلام ومؤسسات التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، لدينا كل هذه المؤسسات الإعلامية والتعليمية وهذا الكمّ اللافت من الجامعات وهذا القدر الخيالي من العقول المبدعة والمفكرة والرائدة، ولم نستطع أن نزرع في واقعنا قيمة حقيقية واحدة، وهي قيمة الأمل والتفاؤل، قيمة الاستبصار بالخير القادم، ولو كره البنك الدولي والدول الأعضاء في مجلس الأمن، والمراهقون المرتهنون للغرب مهما لمعت أسماؤهم.
ولماذا نبتعد بمستوى الخوف ولدينا في مقادير الحياة ومرتكزات الأمل ما لا تمتلكه أي أمة من الأمم، لدينا شبابنا، لدينا ثرواتنا، لدينا الأمل الذي انبثق في السنوات الأخيرة بتغيير كل النظريات والمعادلات، صحيح أن واقعنا اليوم مؤلم، ولكن هذا الألم هو مخاض الولادة، وهو ما يجب علينا أن نحتمله سوياً ليكون المخاض برغم عُسره وقسوته بداية الميلاد الجديد، ميلاد الأمن والرخاء الذي وعدنا به بعد مرحلة الملك الجبري والملك العاضّ، أم أننا نسينا وتناسينا قول الشاعر قديما:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا!!
بقلم نزار حرباوي