كولومبيا.. قرية “مجنونة” تعالج “الزهايمر”
تاريخ النشر: 17/01/15 | 16:32تقول الأسطورة التي يتداولها سكان قرية “يارومال” Yarumal الكولومبية، في محاولة لتفسير الجنون الذي انتشر كالوباء وأصاب أكثر من نصف سكان القرية ذات الـ5000 نسمة، أن هناك شجرة حل عليها سحر كاهن ظُلم قبل 300 عام، وصارت تصيب كل من يلمسها بالجنون، ويستخدمون مفردة الـ”لابوبيرا” La Bobera، في وصف كل من لمس الشجرة فأصابه مس من الجنون.
وتبدأ أعراض الجنون على سكان القرية في عمر الـ40 عاماً بالمعدل، وأحياناً في عمر أقل لا يتجاوز الثلاثين عاماً، ويتطور تدريجياً بحيث أن أغلب سكان القرية يصلون لعمر الـ47 عاماً وقد فقدوا عقلهم تماماً، ومحيت من رؤوسهم أغلب الذكريات وصاروا يقومون بأفعال غريبة الأطوار وتتملكهم الاستيهامات والهلوسات، فيما يعيش النصف الآخر من سكان القرية أمام هذه المشاهد في حالة دائمة من الفزع خوفا من انتقال المرض لهم.
وفي الوقت الذي يتداول فيه سكان القرية الشائعات والأساطير عن سبب الإصابة بالمرض، تمكن الأطباء قبل 28 عاماً من تفسير سبب تفشي الجنون بين سكان القرية، وألقوا باللوم على العادات التي جعلت سكان القرية يتزاوجون من بعضهم البعض وهم الذين ينحدرون من عائلة واحدة، بحيث أن طفرة جينية حدثت قبل حوالي 300 عام عند أحد الأشخاص، جعلته ينقلها لأبنائه ومن ثم انتشرت بين سكان القرية، سماها العلماء باسم طفرة “بيسا” Paisa، وهو الاسم الذي يطلقه على أنفسهم السكان الأصليين للقرية.
ويصنف المرض كنوع من أنواع الزهايمر، ويصيب أجزاء الدماغ بذات الطريقة التي يسببها المرض ذو الـ 36 مليون مصاب حول العالم، سوى أن الزهايمر التقليدي تبدأ أعراضه بعد عمر الـ65 عاماً، بينما تبدأ أعراض سكان القرية في عمر مبكرة جداً ويتطور سريعاً بحيث يصل أغلبهم لعمر الـ47 وقد فقد عقله تماماً، وقد تطورت الأعراض من ضعف في الذاكرة إلى جنون وعته كامل.
يعقد العلماء اليوم الأمل على سكان قرية “يارومال” ليكونوا السبب وراء ابتكار أول دواءٍ يعالج الزهايمر، والذي يهدد أكثر من 66 مليون إنسان بحلول عام 2030 و 115 مليون بحلول 2050، إذ بدأ علماء من Banner Alzheimer’s Institute مشروعا يتوقع أن تثمر نتائجه بحلول عام 2020، يهدف لتجريب دواء على سكان القرية قد يقدم علاجاً للزهايمر يكون الأول من نوعه.
وتكمن الفكرة في التالي: فشلت جميع محاولات العلماء السابقة في إيجاد علاج للزهايمر، ويعود السبب كما باتوا يعتقدون إلى أنه يتعذر علاج المرض في حالة الإصابة به، إذ أن الدماغ يتضرر بشكل كبير بمجرد الإصابة ويصبح من الاستحالة تقديم أي علاج، وهو ما يعني أن هناك حاجة لإيجاد دواءٍ وقائي يعطى للأشخاص المؤهبين للإصابة، ويقيهم منه في المستقبل.
ولكي يقيم العلماء تجاربهم، فهم يحتاجون لعينة كبيرة من البشر التي يحملون طفرات جينية تجعلهم مؤهبين للإصابة بالزهايمر دون أن يكونوا قد أصيبوا بعد، وهي مهمة تبدو صعبة جداً إن لم يكن في العالم قرية تقع شمال كولومبيا، ينتقل الزهايمر فيها باستمرار من جيل إلى جيل ويعصف بأكثر من نصف سكانها، يحتاجون الدواء لوقائة المئات منهم، ويحتاجه عشرات الملايين من المهددين بالإصابة حول العالم.