رِثاء شَخْصي فرح
تاريخ النشر: 20/02/13 | 5:30في شباط 2004 انقضت السنة الأولى بعد المرض ، الذي أصابني في شباط 2003
وأفقدني اثنتين من سمات الإنسان : القدرة على الحركة والنطق السليم . يومها كان هاجسي
الأساسي والدائم هو الموت وما يعنيه من نهاية حياة . وقد وجدتني أكتب عددا من القصائد
أتحدَّثُ فيها عن هذا الهاجس وعن رؤيتي وفهمي للموت . وهذه هي إحدى تلك القصائد ،
اخترتها للنشر في مجموعة " قصائد مختارة " التي باتت جاهزة للطباعة قريبا ) .
يا صاحبي في سِرِّكَ الْمُذاعِ والْمَصون
يا مَنْ تُحِبُّ في جَلالِ عاشِقٍ سِحْرَ عُيونِ فاطمة
يا مُقْعَدًا أنْفُضْ جَناحيْكَ تَهَيَّأ جَيِّدًا كَيْ تُخْلِيَ الْمَكانَ للآتين
إشْرَبْ سُلافَ الْخمرِ والْفَجْرُ نَدًى ، فساعَةُ الرَّحيلِ قَدْ أزِفَتْ
وهذهِ سُويْعَةُ الْحَقيقة
فاشْرَبْ سُلافَ الخَمْرِ، في عِزِّ الضُّحى، مُحْتَلَبًا مِنْ عِنَبِ الخَليل
لا تَخْشَ ظِلَّ مَوْتِكَ الحَتْميِّ هذا الرّائِعُ الْجَميل
يُفاجِىْ الإنسان أينما كان وكيْفَما يَكون
يَجيء أحْيانًا عاصِفًا وموجِعًا كالرّيحِ في تشرين
يُمَزِّقُ الأشْياء في ضَراوَةٍ
يُغْلِقُ كُوَّةَ الحَياةِ في الْعُيون
يَفْتَحُ كُوَّةً إلى عَوالِمٍ كالصَّدَفِ الْبَحْريِّ في الأعْماق
يأتي رَخِيًّا كالنَّسيمِ في وَداعَةِ الأطْفالِ بَعْضَ حين
يَلوحُ شَفّافًا ، كَما الْخيالِ ، مِثْلَ زَوْرَقٍ يَهيمُ في الآفاق
يَلوحُ كالْحُلمِ خفيفًا كالنَّدى
يشِعُّ مِثْلَ حِدَّةِ الْبَريقِ في النَّصْل
بلا نَصْلٍ يطوفُ في الْمَدى
يَعيشُ فينا مِثْلَما الْحَياة
يَكْبُرُ فينا مِثْلَما السَّنون
نَلْقاهُ مِثْل صاحِبٍ نَألَفُهُ
يُطِلُّ في بَشاشَةٍ حينًا وأخرى في قَساوَةِ الْمِحَن
يُطِلَّ فَجْأةً وفي عجالةٍ يفاجِىء الذين
نُحِبُّهُم يَسْكُنُ في مَلاءَةِ الْجُفون .
****
يا صاحِبي !
ألْمَوْتُ سِرُّ مُتْعَةِ الْحَياةِ ، سِرُّ دَوْرَةِ الزَّمَن
نولَدُ في بَساطَةِ الأشْياءِ في تَجاذُبِ الطُّيون
نولَدُ كيْ نُمارِسَ الْحَياةَ في توَهُّجِ الْحَياةِ حَتّى نَسْتَحيلَ قيمَةً
تُرى ما قيمةُ الْحَياةِ لولا فُسْحَة الرَّجاء :
أنْ تَمْتَطي أجْنِحَةَ الْحُلْمِ وَأنْ تُحِبَّ في جُنونٍ فاطِمة
وأنْ تَكونَ مِثْلَما تَشاءُ أنْ تَكون .
****
نَموتُ حينَ يولَدُ الآتون
نموتُ حتّى تَكْمُلَ الحَياة في بَريقها
ويَعْمُرَ الْكَوْنُ رُؤًى باسِمَةً وتَنْتَشي تَدافُعًا في جَرْيِها السّنون
نَرْحَلُ في مَهابَةٍ
نَرْحَلُ في صَعْلَكَةٍ
نَرْحَلُ في تَوَجُّعٍ في فَرَحٍ
نَرْحَلُ في جُنون .
****
يا صاحبي
الْمَوْتُ عادِيٌّ وفيهِ تَكْمُنُ الْحَياةُ
في تناقُضاتِ كوْنِنا وَوِحْدَةِ الْمَآلِ والْمَصير
الْمَوْتُ عادِيٌّ فَلا تَخْشَ عُبورَ الْجِسْرِ في طَريقِكَ الأخير
إمْضِ بلا خَوْفٍ ولا حُزْنٍ قَضَيْتَ العُمْرَ عاشِقًا تُحِبُّ عَيْنَ فاطِمة
إمْضِ بلا حُزْنٍ وَغُذَّ السَّيْرَ هانِئًا وَحيدًا مُسْبَلَ الْجُفون .
****
يا مُقْعَدًا !
قِفْ في جَلالِ عاشِقٍ وَوَدِّعِ الألى تُحِب
مَعْذِرَةً … بلا قُبَل
إمْضِ سَريعًا هانِئًا تَرْعاكَ في طَريقِكَ الأخير
دُموعُ عَيْنِ فاطمة .
( شباط 2004 )