هذا الكائن المظلوم
تاريخ النشر: 08/07/15 | 8:09اذا كان البعض ممن أفاء الله عليهم بفضل أو نعمة، تنهال عليهم وفود المعجبين من هنا وهناك، واذا كان من رُزق وسامة او طلعة بهية، يجد مشقة في الظهور في الساحات العامة، فإن هذا الكائن البريء المسالم، اضحى يواجه الموقف عينه، وان لم يتركه البشر وشأنه، فقد يضطر لإطلاق وابل من صليات حوافره التي لا ترحم، والتي لا تخطئ الهدف،بل تتركه اثراً بعد عين.
فبالأمس القريب، فقد أثار منظر شاحنة في تبوك السعودية وهي محملة ببعض الحمير، أثار مخاوف وقلقا لدى المارة، وخشوا ان تجثم هذه المخلوقات على موائد الضيافة، أو في ” بوفيهات” أرقى المطاعم والفنادق المحلية. ربما تلك المخاوف في محلها، سيما وان التجربة خير برهان في دول عربية تمادت في ازهاق ارواح هذه الكائنات الوديعة التي لم تخلق لهذا. فلو عرف ” بريجيت باردو” لرمى بنفسه في أحضانها الدافئة، تاركا خلفه وطنا بحجم الدنيا قد تنكَّر لماضيه الجميل، يوم كان يتقاسم معه اللقمة الهانئة، والوقت الجميل مع أصحابه وأحبابه من بني البشر، يوم كانت النخوة و”الجدعنة” هي الفيصل.
من يمعن النظر في اعداد هذه الحيوانات يجده في تضاؤل مستمر؛ فبالكاد تظهر مجموعة هنا او هناك، اللهم الا في القرى النائية التي ما زالت تستخدم النزر اليسير منها في الاعمال الزراعية، كون الالة والميكنة قد استأثرتا بعمل هذه المخلوقات. فقلة عددها – او اختفاؤها عن الانظار- قد يزيد من احتمال حجزها في أمكنة خاصة حيث يتم تقديم الأغذية المسمنة لها تمهيدا لالتهامها على موائد العز والكرم، مشفوعة باغلى أنواع المكسرات واجودها.
قدم أحد البرامج الحوارية العربية ملخصاً مفاده أن احدى خطوط الطيران العربية يشتبه في انها تستورد لحوما موبوءة بالحمى القلاعية، واخرى يشتبه بأنها لحوم حمير. ولا يعرف السبب وراء المتاجرة بلحوم لم تخلق للاكل أصلاً، وترك ما هو حلال بيِّنٌ حله بطريقة شرعية ومشروعة. أهو رخص ثمنها، أم عذوبة طعمها، أم خفتها على المعدة كونها خالية من الشحوم، أو قليلتها على اقل الاحتمالات. ما قول الشرع في اكل لحوم الحمير؟
فقد صرحت دار الإفتاء المصرية بحرمة ذبح الحمير للاستخدام الادمي مستندة الى ما ورد في الصحيحين:” أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الاهلية. اذن والحال هذه، فلا الشرع ولا الاعراف تبيح اكل هذه اللحوم، ولو كان بها فائدة ترجى لذكرها المولى عز وجل. ولو كان اكلها باقل القليل للمضطر الذي يخشى على نفسه التهلكة لجاز الامر، لكن ان تبسط على الموائد للافتراس والمتعة فهذا ما يثير الكثير من علامات الاستفهام، والخشية، كل الخشية ان تصل هذه اللحوم الى الخيام الرمضانية، وتلك هي الطامة الكبرى حيث من يبيعها للفنادق الراقية وهمُّهُ الربح، فلا ورع ولا وازع يردعه من تقديمها كهبة من احد الموسرين الخيِّرين. ولك عزيزي القارئ أن تتخيل الفائدة التي تُجنى من وراء هذا المخلوق: حياً ومذبوحاً.
العهدة على التاريخ، فإن ” كليوباترا” كانت تعتمد في الحفاظ على رونقها وجمال طلعتها على حليب الحمير. وفي العصر الحالي يتم بيع الجبن المصنوع من حليب الحمير بمبالغ فلكية لا يقدر على دفعها إلا الأثرياء. وحتى في صالات الافراح تتراقص الغيد وتتمايل مع اغنية” بحبك يا حمار” التي يعيشها الجمهور ويتعايش معها لدرجة ان المشاهد لا يكاد يميز ما ومن المقصود بهذه الاغنية ومن وضع سبكها وألحانها. جدير بالذكر أن هذه الاغنية تسببت في طلاق عروسين ليلة فرحهما، إذ انفعلت العروس مع اغنية” بحبك يا حمار” وزاد حماسها فنزلت وأنزلت عريسها من على المنصة واقتادته من ربطة عنقه
وهي تصيح “بحبك يا حمار” وتوردت وجنتا المسكين حرجاً أمام الملأ الأعلى وهو يتمانع عن السير معها، وأمام الهيجان الجارف من الحشود المعربدة ” رمى: عليها الطلاق بالثلاثة، وهي أول حالة طلاق تشهدها دور الافراح على أنغام اغنية” بحبك يا حمار”.
يا لك من مخلوق تخرب بيوت من يتخذ من اسمك مداراً للهو والمجون، وتثبت انك لم تخلق الا للجدية والصرامة والعمل. ويكأنك تتمثل بيت الشعر:
هو البحر غص فيه إذا كان ساكناً ///// على الدر واحذره إذا كان مزبدا.
يونس عودة/الاردن