أوقفوا الإسراف والتباهي فالأمر جدّ
تاريخ النشر: 09/07/15 | 18:28تستفزك مشاهد الإسراف التي باتت سمة بارزة في كثير من دول عالمنا العربي، ويكويك الألم وأنت تتابع حالة التباهي التنافسي بين الرجال والنساء في بيئاتنا العربية والذي وصل حد المراءات غير المنضبطة بين الناس لإظهار أنفسهم على غير ما هم عليه، وبما يفوق قدراتهم وإمكاناتهم بصورة باتت تتعدى المألوف لتصل حد الظاهرة.
وهنا لا بد أن يتدخل العقلاء والواعون من كل فئات المجتمع لوقف هذه الظاهرة الشاذة، بدءاً بالإعلام مرورا بمؤسسات المجتمع المدني وانتهاء بالمساجد، لوضع الأمر في نطاقه العقلاني، وبث قيم القناعة والرضى بما قسمه الله في المجتمع ليتكون الوعي المجتمعي المضاد لحالة الاستهلاك القاتل وغير العقلاني الذي بات يسري سريان النار في الهشيم في واقعنا المعاصر.
الإسراف والتبذير مرذول ولا ريب، ولكن الأدهى من ذلك ، أن ترى المجتمعات التي تعيش في البأس وقد تملكتها روح التنافسية المذمومة، في واقع مثل فلسطين والأردن وليبيا والمغارب العربي فضلاً عن دول خليجنا العربي.
إنه لمن المحزن أن ترى الموظف محدود الدخل يستدين ضعف راتبه ليقوم بعمل وليمة يباهي بها جيرانه، أو أصدقاءه الذين يفوقونه في قدراتهم المالية، أو أن ترى المرأة تقدّم شراء الملابس الفاخرة باستمرار عن احتياجات بيتها تحت شعار ( ماذا سيقول الناس عني ?)، فلا هي قطعت كلام الناس ولا هي أمنت أساسيات احتياجات بيتها.
قديماً قيل: القناعة كنز لا يفنى، وهو مثل مشهور لا يعمل به أحد اليوم ، ولدينا من ميراثنا الفقهي كأمة مسلمة ألف شاهد ودليل على حرمة الإسراف وتجريم التبذير وإضاعة المال والتلاعب والخيلاء والكبر ، فنحن ننسى أنه” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر “، وننسى أن الشكر هو مفتاح دوام النعمة واستمراريتها، ونغرق أنفسنا في التنافس مع الأثرياء والجيران والأصدقاء الأقرباء ليقولوا عنا كذا وكذا.
رضى الناس غاية لا تدرك، والعاقل من وعى ذلك باكراً، والجاهل من لم يتعلم من دروس التاريخ وتجارب الآخرين ورغب بأن يقع هو بذاته ليعرف حجم ألم السقوط في وحل الديون المتراكمة، ولأن ذلك يؤثر على استقرار المجتمع، وحالة الإنتاجية، والتنافس الإيجابي في التنمية، وجب أن يتصدر الأمر أولويات النخب المثقفة اليوم للتنفير منه ومواجهته بحزم وليس بالشعارات الرنانة الجوفاء، فهذه آفة اجتماعية، والآفات الاجتماعية لا تواجه إلا بالعلم والوعي والشواهد والبراهين.
أما أنت أخي قارئ هذا المقال، واختي القارئة، وجب أن نبدأ بأنفسنا، لنكون نحن النماذج بذلك، ولنجعل الأمر على لساننا في كل مجلس، فمن هنا يبدأ التغيير، مني ومنك أنت، والقليل على القليل كثير، وبالمداومة يتغير الخطأ ويكثر الصواب.
د. نزار نبيل الحرباوي