تأثير الألعاب الإلكترونية على الجسد والنفس
تاريخ النشر: 02/11/15 | 9:39مما لا شك فيه أن التطور الهائل في التكنولوجيا قد جعل التصوير الجرافيكي أكثر حقيقة وواقعية في إطار ما يسمى بالألعاب الإلكترونية. تقدمت وتطورت تلك الألعاب ، تجسدت ، ارتكزت ، اعتمدت وتمحورت على التكنولوجا الحديثة، بل استغلتها وصارت في قلبها، وقدمت لنا القسوة، دموية مؤلمة وجنسية فاضحة ومفضوحة، ولشدة الأسف فإن أكثر البشر عرضة لتلك الألعاب وأكثرهم استهلاكا لتلك الإلكترونيات المصورة أطفال. والطفل العربي – رغم كل الحظر عليه- عرضة أكثر من غيره للتلصص وسرقة الوقت، المكان والزمان، لممارسة تلك الألعاب خلسة في البيت أو مع صاحب، دون رقابة أو في نوادي ومقاهي ( الفيديو جيم )أو ( الانترنت كافيه)، أو كليهما ، حيث المكسب المادي لمالكيها هو الحكم، لا غيره ، ربما لأن الضغط عليه من الوالدين عال جدا ، خاصة من الأم التي تكاد تلفه في ورق سلوفان أو تضعه في صندوق زجاجي، وتتوقع منه أن يكون الأول بامتياز، وألا يخطىء وألا يرسب ، ألا يلعب وأحيانا ألا يمرح أو يضحك أو يفرح. إذن ، فنحن نحتاج الى نظرة بعيدة، الى خطة محكمة، ربما الى لجنة مستقلة تتأمل ما كان، وما سيكون ، ترصد مواطن الخطر ، تحدد المشكلات التي قد يتسبب فيها الكمبيوتر وألعاب التلفزيون والآثار المحتملة للعب الالكتروني. من الواضح بل من المؤكد أن التعرض ل (الفيديو جيم) فترات طويلة، واللعب المفرط له تأثيرات سلبية أهمها: السلوك الإدماني الوسواسي، نزع الإنسانية عن اللاعب، نزع حساسيته ومشاعره، تغيرات في شخصيته ، حركة زائدة، اضطرابات في التعلم، تقدم ذهني عن التقدم العمري( شكل عشوائي غير مفضل وغير مفيد)، اغتيال لبراءة الأطفال، اضطرابات نفسية حركية، مشكلات تتعلق بالصحة العامة نتيجة قلة الأداء الحركي المرن، التهابات مفصلية، حال من التوتر الاجتماعي ومعاداة الآخرين، فقدان القدرة على التفكير الحر وانحسار العزيمة والإرادة،مع الأسف لا يوجد شكل منهجي تقييمي لآثار ( الفيديو جيم) على الأطفال. وتنقسم الألعاب الالكترونية الى منبه ورد فعل ، والى تنبيه على مساحة الكترونية واسعة، سنركز هنا على تلك الألعاب التي تنبه وتحدث ردود فعل ، والمعروفة باسم ( Stimulus Response .SR. ) وهي منتشرة جدا وشعبية جدا، لها طابع قتالي وتحتوي -غالبا- على سيناريو متنافس للغاية، نشاط منبه قوي يحدث رد فعل أقوى، مستوى عالٍ من الإدراك العنيف والاثارة الشديدة. ليست هناك تفاصيل مصورة، منبه سمعي بصري شديد- لا يوجد تمييز أو تفريق في الشحنات المرسلة من اللعبة للجهاز العصبي- بمعنى آخر لا جهدا حسيا يحتاج إليه اللاعب ومن ثم تتنبه المشاعر للنجاح والفوز أو الإحباط والهزيمة – تنبيه خارجي للعبة لا يتسبب فيه ترتيب وتنسيق ذهني داخلي من اللاعب- أي أن الأمر جد مختلف عن عمليات (التذكر- القراءة- سماع كلمات بعينها)، وهكذا فمشاعر اللعبة(صناعية)، لا علاقة لها بالواقع الذي نحياه ، ولنصفها بأنها ( مشاعر التحدي)وهي إرادة اللاعب المستفزة تكون محدودة بإطار وحدود اللعبة، تكون حركاته مكررة ومحددة مسبقا مع قليل من التفكير، لا حاجة الى العزيمة ولا حاجة الى الإرادة والتفكير.
الجــسد والنفــس
إن الألعاب الإلكترونية تؤثر في كل مراحل التطور والنمو لدى الطفل، فهي تقدم حالة عضوية خاصة( بدءا من جلسة الكمبيوتر أو Play Station ( منصة اللعب) أو غيرهما)، الى كل الطقوس المصاحبة لها ، كما أنها – أيضا- تقدم بيئة ( مجردة) ومحددة سلفا تعتمد على الأثر الذي تحدثه اللعبة، ففي سن 7 الى 14 سنة، يحتاج الطفل الى مشاعر حقيقية، ومعان اجتماعية ، أخلاقية على العكس نجده مدفوعا الى دائرة أحاسيس العنف والتنافس اللااجتماعي، وفي حال المراهقين ، نجد انحسار التفكير الموضوعي ، وانتهاء النشاط الذهني الواعي نتيجة للغوص عميقا في عالم تلك الألعاب الالكترونية لأنه إذا حكّم المراهق عقله وتفكيره ، فسيكون بطيئا في اللعبة مما قد يؤدي الى خسارته. والخطر هنا أن الطفل – المراهق- الشاب وحتى الرجال عندما يتذكرون أحداثا ومشاهد بعينها من تلك الألعاب المرعبة، كما يتذكرون أحداثا حياتية سلبية ومؤلمة، يربكهم هذا ويوترهم ويتركهم نهبا لتوتر وكرب ما بعد الصدمة، ولنا هنا أن نورد حالات عقلية بعينها تعود في مجملها الى تسلسل وتتابع مشاهد وأحداث حدثت في الطفولة الأولى وما تلاها ، وهو ما يقوم به المحللون النفسيون من ( استدعاء حر)، تحليل، مواجهة وتفسير. تنطبع مشاهد العنف المصورة إلكترونيا في تلك الألعاب الجهنمية على سطح العقل الباطن، أو تقبع في صخب في تلك المنطقة الواقعة بين الشعور واللاشعور، تكمن وتكون بذرة لما هو آت، يحدث هذا أكثر في حالات الأطفال المهيئين أكثر لاستقبال تلك ( الاندفاعات) من بيئتهم المحيطة. والصغار لا يستطيعون- بل لا يتمكنون- من فهم ذلك الفارق الكبير بين العنف المصور في اللعبة ووحشية ما يحدث في الحياة، إنهم لا يحسون بتلك التأثيرات التي تنزع عنهم حساسيتهم، لا يدركون فيستمرون في اللعب ليلا ونهارا- دون هوادة- وقد يستمر اللعب لأيام دون كلل أو ملل ، لا يقطعه سوى تناول القليل من الطعام، قليل من النوم، والذهاب الى الحمام لقضاء الحاجة مع إهمال تام في المظهر. ودعونا الآن نسمي بعض الألعاب بأسمائها كما هي (سبيس انڤادور، باك مان) مع ألعاب أخرى شتى عنيفة كانت أم عدوانية ، ولنا أن نتأمل تدفق الدم الذي يجعله ال سي دي أكثر واقعية، وتصوره التكنولوجيا الرقمية للأقراص الصلبة المتعاملة مع الليزر ديسك . إن التطور الهائل لتلك التكنولوجيا المركبة والمعقدة قد سمح بمشاهدة عنف أكثر تجسيما وتجسيدا للعنف ( بما يحويه ذلك من كميات دم تفور في كل مكان)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن لعبة مارتول كومبات ، تصور أحد أبطالها يفصل رأس ضحيته عن جسمه، والآخر يصعقه كهربائيا، والثالث يمزقه إربا حتى أن قلبه الطالع من صدره، وهو ما زال ينبض يقطعه بكلتا يديه العاريتين،والرابع يشد رأس غريمه عن جسده ويرفعها كعلامة للنصر، وفي لعبة أخرى( نايت تراب)نرى مصاصي الدماء متعطشين يتتبعون وينتهكون خمس نساء، يحفرون في رقابهن حفرا بحفارة كهربائية ثم يعلقن كالذبائح من أسفل لأعلى. إن ذلك الفعل العنيف المراوغ الحي بكل تقنياته-مع الأسف- يجعل من العنف أكثر واقعية، وندخل من هذا المدخل الصعب الى ما يمكن تصوره عن ذلك الزخم الذي يصاحب تسويق تلك الألعاب الإلكترونية ، وهو أمر يصعب أحيانا تصديقه. إن تلك الأعداد المهولة من تلك الألعاب المزعجة والمسلية في آن واحد وتجارتها وتداولها، أصبحت أمرا يستحق التوقف والدراسة. ولو حصرنا أعداد الألعاب الموجودة حاليا داخل كل بيت عربي يمتلك المقومات الاقتصادية لشرائها ، لاستطعنا رؤية الأمر بوضوح، ففي الولايات المتحدة تحديدا في جريدة ساو باولو نجد ان 76٪ من البضاعة المعروضة للبيع والشراء هي ألعاب الكترونية، والباقي مجرد دراجات، كتب وخلافه… ألا يعكس هذا بأسى حالنا وحال كوننا في الألفية الثالثة!!
مــاذا نفــعل؟
إزاء كل هذا ماذا نحن فاعلون؟ في استراليا تحركت مجموعة من البرلمانيين لوضع حد للألعاب التي تحوي في طياتها عنفا وجنسا، فلعبة (نايت تراب) ، صودرت ومنعت من الأسواق بأمر المحكمة حتى صدور تصنيف حكومي لتلك الألعاب كما في الأفلام (للكبار فقط) ، ويقترح التقسيم العام ( كل الأعمار)، وعام ( للأطفال فوق سن الثامنة)، وبالغون (لمن هم فوق سن 15 سنة) ومحدود ( لمن هم 18 سنة فما فوق فقط)، ومرفوض ، ممنوع مطلقا. فألعاب مثل (مارتول كومبات ،فايتر 2)تشد اهتمام الاطفال من 8 سنوات فما فوق، أما (نايت تراب) فتشد اهتمام البالغين 15 سنة فما فوق. وبذلك التقسيم والمراقبة والترتيب، قد تزول بعض مخاوفنا( لا كلها بالطبع)، وفي بعض المدن الأمريكية يمارس عمدتها التدقيق على بيع وشراء وتأجير الألعاب الالكترونية مانعين ذلك بتاتا خلال ساعات الدرس وأيام الدراسة، وبالطبع فإن مسألة المنع التام ستعيد الى أذهاننا أن كل ممنوع يصير مرغوبا أكثر، لا لشيء إلا لأن أهم ما في الموضوع هو ضمير الإنسان نفسه، ولي أمر كان أو مراهقا أو بائعا، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الوالدين لأنهما المتحكمان في عملية الشراء واللعب والوقت لأولادهما كما يجب أن يراقبا بحذر وبحب عملية اختلاط الأولاد بأولاد آخرين، وتبادلهم تلك الألعاب وتوخي ضرورة التعاون والتواصل مع أولياء الأمور الآخرين بغية تكوين شبكة اجتماعية متآلفة ضد خطر عنف اللعب الالكتروني بكل ما يحويه من دمار نفسي وعصبي، ولمنع تلك الآفة من أن تصبح وباء، من أجل تحقيق وعي اجتماعي عام يتمحور حول أخطار استخدام تلك الألعاب وآثارها الجانبية خاصة على النشء.