فلنؤمن بأنفسنا
تاريخ النشر: 01/08/15 | 12:14فلنؤمن بأنفسنا …
هذه هي العقيدة التى نحب أن تعمر قلوب شباب الوادى، وشباب العالم العربى
فلنؤمن بأنفسنا …
فلا نتطلع دائما لأن نستورد مبادئ من الخارج، ولنحاول أن نصدر إلى الخارج مبادئنا.
فلنؤمن بأنفسنا …
فلا نجعل قبلتنا لندن، أو واشنطن أو موسكو.
فلنؤمن بأنفسنا …
فنعتقد أن لدينا ما نعطيه من المبادئ والأفكار، وأن لنا من القوة المدخرة ما يجعل لنا في هذا العالم حسابا، وأننا نملك أن نؤثر في مجرى التيار، فلا نكون دائما حصى وترابا يجرفه التيار، وأن “العدالة الاجتماعية في الإسلام” تكفل لنا عدالة أسمى وأقوى من عدالة الديمقراطية والإشتراكية والشيوعية.
فلنؤمن بأنفسنا …
فنقف على أقدامنا وحدها، ونواجه المعسكرات الغربية والشرقية باستقلالنا، ونقول لهؤلاء جميعا: نحن هنا تلك دعوة “الفكر الجديد” إلى “الجيل الجديد”. فأما أولئك الذين تربوا في أحضان الاستعمار … أولئك الذين فتحوا أعينهم فإذا إنجلترا إمبراطورية لا تغيب الشمس عن أملاكها. فأما أولئك فلا أمل لنا فيهم، فإن الرهبة من بريطانيا في دمائهم. ومهما تحرروا فلن يجرؤوا على مواجهة الأسد البريطانى .. إنهم عبيد .. ولن يسمعوا يوماً دعوة الأحرار.
أنتم أيها الشباب معقد رجائنا. أنتم الذين شهدتم إنجلترا دولة من الدرجة الثالثة! أنتم الذين لم تولدوا في أحضان الاستعمار. أنتم الذين تستطيعون التحرر النفسى والفكرى من العبودية للأقوياء، أنتم الذين ندعوكم، ونهتف بكم لتهتفوا معنا:
فلنؤمن بأنفسنا …
ولكن فريقا منكم يكفر “بالاستعمار البريطانى” وبالاستغواء الأمريكانى … ليؤمن بقوة أخرى .. قوة أجنبية لا تربطنا بها صلة. إنهم يؤمنون بروسيا!
نحن نعرف لهم عذرهم، فقلد فتحوا أعينهم على أوضاع ظالمة لا يرضاها ضمير بشرى واحد .. لقد أبصروا فإذا ملايين من الجياع العراة المرضى، وإذا ألوف من المحظوظين المنعمين المترفين. ولقد تطلعوا فإذا مقياس الحرمان والوجدان ليس هو الكفاية، وليس هو الخلق، وليس هو الكد، إنما هو فساد الذمة، والمحسوبية، والغش، والسرقة، والاحتيال، والقوادة، والغصب، والنهب، والسلب، وسائر الرذائل التى لا يغتنى الغنى إلا وله منها نصيب!
ثم قيل لهم: إن الشيوعية كفيلة بتحقيق العدل في هذا كله، فخدعوا وحسبوا أن الشيوعية هى الطريق الوحيد. ولكننا –يا شباب الجيل الجديد- نحذركم من الإيمان بروسيا. إن الإيمان بالروس، كالإيمان بالإنجليز، كالإيمان بالأمريكان. كلها دلائل الضعف وفقدان الثقة بالنفس. وليس يفرق الجيل الجديد عن الجيل الذى شاخ، إلا أن تهتفوا من الأعماق:
فلنؤمن بأنفسنا …
إن جريمة الإيمان بالروس كجريمة الإيمان بالإنجليز. وإذا كنا قد شهدنا من جرائر الإيمان بالبريطان من يبيع وطنه، ومن يخون جيش عرابى، ليصبح أبناؤه وحفدته من “أولاد الذوات”. ومن يوقع وطنه في جرائر معاهدة الشرف والاستقلال، ومن يحتال على وطنه ليوقع اتفاق صدقى – بيفن.
إذا كنا قد شاهدنا هذه الجرائر فلقد شاهدنا من الإيمان بالروس ما يساويها.
شاهدنا شبانا من العرب، تجرى في عروقهم دماء العرب حقيقة أو حكما. شاهدناهم يصفقون لخيانة روسيا للعرب في قضية فلسطين، وخيانتها لهم في قضية وحدة الوادى! شاهدناهم يبررون هذه الخيانة بأنها محاولة لتخليص العرب في فلسطين، والسودانيين في جنوب الوادى من قبضة الرأسماليين!
كأن السودان حين ينجو من الرأسمالية المصرية، ينجو من الرأسمالية الإنجليزية التى تستغله الآن، ومن الإقطاعية المهدية وغير المهدية؟ وكأن فلسطين حين تنجو من رأسمالية العرب لا تبتلعها رأسمالية الصهيونيين والأمريكيين والإنجليز!
هراء! ولكن المخدوعين في روسيا اعتقدوه، وأصح من هذا أن نقول: إن روسيا تقتل الوطنية في نفوس من يؤمنون بها في البلدان الأخرى، على حين أنها تحيي هذه الوطنية في نفوس شعبها وأبنائها، ولقد قال لى (أحدهم) مرة: لو هاجمتنا الجيوش الروسية، فسنقوم بتحطيم الجسور والمهمات … ولما قلت له: ولكن الجيش المصرى هو الذي يتحطم وأبناءنا هم الذين يموتون.
قال: فليكن. فالجيش المصرى من صنع الرأسماليين!، قالها ولم يخجل! قالها ولم أملك المقصلة لأطيح بها رأسه!
يا شباب الجيل الجديد: الإنجليزية خيانة، والأمريكية خيانة، والشيوعية خيانة، فلنطلب من العدالة الاجتماعية أقصى غايتها، ولنحطم الأوضاع الظالمة التى تحجب هذه العدالة، ولنصرخ في وجه المستغلين صرخات من نار، ولنبع أرواحنا فداء للعدل، ولكن فلنكفر بالجميع …
ولنؤمن بأنفسنا!
سيد قطب