استعداداً للقادم
تاريخ النشر: 03/08/15 | 11:18تكثر في زماننا هذا النزاعات المسلحة والحروب والصراعات، ولا زالت يد سايكس بيكو تزرع فينا الفرقة والشتات وأسباب الفتن بين الدول والأقطار والتيارات والجماعات، ولو أردنا أن نقول للقارئ الكريم أن هذا هو الصواب وهذا هو الخطأ لتطلب ذلك منا زمناً طويلاً، ولخضنا في تقاشات لا أول لها ولا آخر.
ما أردت أن أطرحه هنا يتصل بالأولويات القصوى التي يجب علينا أن نتنبه إليها على وجه السرعة، والمقصود هنا هو السلطات الحاكمة الواعية، والتيارات السياسية، وقيادات العمل المدني والنقابي، ووجهاء العشائر، والشباب هم أول المخاطبين وأولاهم بالوعي فيها.
ففي ظل حالة الاستعداد العلني والسري لخوض حرب طويلة الأمد، تستعد دولة الكيان الغاصب من خلال التدريبات وافتتاح الملاجئ، والمستوصفات ونقاط التعامل مع المجتمع في ظل الطوارئ والأزمات، بات لزاماً علينا جميعاً أن نقتبس التجربة النافعة والتي هي جزء أساسي من الاستعداد لتأمين الجبهات الداخلية لكل شعب من شعوبنا، لا سيما دول الطوق، وذلك من خلال طرح هذا الموضوع جدياً على مائدة البحث وعلى كل المستويات.
خلاصة الأمر المقصود هنا أن نتخيل أننا سندخل في حرب مدتها شهر تجريبي واحد فقط، فهل نحن مستعدون فعلياً للتعامل مع مقتضيات الحرب التي ستفرض علينا عاجلاً أم آجلاً بصورة فعلية ?
ما جرى ويجري في ليبيا وسوريا والعراق واليمن يستصرخ فينا الوعي اليوم بضرورة فهم التجربة، ووعي دلالاتها وتبعاتها، فلا وزارات الصحة وزعت المستشفيات والمستوصفات والنقاط الطبية جغرافياً، ولا البلديات أمّنت غرف الطوارئ، ولا أطقم الدفاع المدني مستعدة للعمل موزعة، ولا الآبار العامة تكفي احتياجات الشعب، ولا غرف التموين ومستودعاتها موزعة مناطقياً لتلبي احتياجات المناطق عند وجود الحاجة، وليس لدينا قيادات مجتمعية معتادة على البت في شؤون الأحياء، ولا العوائل على علم بمواقع الاحتماء والملاجئ الافتراضية، ولا المساجد والمدارس مهيأة للإيواء، وليس لدينا طواقم إعلام موضعي محلي تكون لديها القابلية على نقل الحدث والتواصل مع العالم الخارجي، ولا ولا ولا،،،،
المشكلة.. أننا مع كل هذه النواقص نسمي أنفسنا دولاً ذات سيادة، وقادرة على اتخاذ القرارات المصيرية !!
إن تقاعس السلطات في أي دولة عن تأمين الملاجئ ونقاط الصحة والطوارئ والقيادات المجتمعية البديلة لا يعفى المجتمع المدني والتيارات السياسية والعشائر والمجاميع الشبابية من أخذ هذا الدور، وأن تطرح ولو لمرة واحدة هذا الموضوع بصورة جدية استعداداً للمستقبل، وتهيئة للرأي العام للتعامل مع الأزمات في حال حصولها.
لنفترض جدلاً أن حدثاً ما قد حصل وتطلب حلفاً دولياً واصطفافاً مع وضد الحدث، عندها ستكون المنطقة كلها معرضة لحرب شعواء ستطال من استعد ومن لم يستعد، وهنا نسأل أنفسنا، ألا يحق لنا أن نسأل لماذا كل هذا الاستعداد ? أليست مراكز المعرفة والسند المعرفي أو ما تعرف باسم مراكز صناعة القرار” تينك تانك ” في العالم الغربي ودولة الكيان تزودهم باستمرار بالقراءات المتوقعة، فلماذا يستعدون ونركن نحن إلى قدراتنا غير الموجودة أصلاً، أو أننا نثق أكثر من اللازم ببان كي مون ليتدخل وهو لا يملك وقود الطائرة التي تقله إلى أي مكان.
إنني أنادي شباب الوطن العربي اليوم بأن يفكروا جدياً في هذه المسألة، وأن يرسموا خارطة المؤسسات والمواقع والشخصيات والأطباء ومصادر التموين والملاجئ المتوقعة ومن يملك مولدات الكهرباء ومن سيوزع المؤن وكيف والطرق الأساسية والبديلة، ومن سيكتب ومن سيتابع ومن سيداوي ومن سيرفع المعنويات ومن يخاطب الأطفال وكيف، ونحوها من الأمور.
هي صرخة أطلقها قبل فوات الأوان لعل من يقرأ كلماتها أوعى من كاتبها، ولعل مستفيداً واحداً من مفرداتها يعول عليه في ظل الأزمة أكثر من كل منظمات وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
إنني أثق تماما وأعلم علم اليقين أن بعض رجال الأعمال يملكون من مصادر الحلول للمجتمع الذي يعيشون فيه أكثر مما يمكن لدول أن تقدمه، ليس مالاً ومقدرات، بل بالمنشآت والمواقع والآبار والبيوت الواسعة التي يملكونها، وأن لدى كثير من المؤسسات الأهلية خبرات عقلية وشبابية وتخصصبة يمكن الاعتماد عليها، ويبقى هنا، من يَنظُم العقد، ومن يعلق الجرس، ومن يطرح الأمر على مستوى العشيرة والحي والقرية والمدينة والدولة، ليتم تعزيز المنشآت بنظرة أشمل وأوسع استعداداً ليوم قد لا يكون بعيداً.
المستشار د. نزار نبيل الحرباوي