حماس وحامل المفاتيح الفلسطينية!

تاريخ النشر: 18/09/15 | 11:31

على الأرجح لم يكن تأجيل اجتماع المجلس الوطني استجابة للقوى الوطنية التي طالبت بالتأجيل وقدمت رؤية معقولة في سبيل إصلاح منظمة التحرير والخروج من الانسداد الفلسطيني الحالي، وإعادة تشكيل المنظمة لاستيعاب الحقائق الجديدة التي بدأت تتكرس وتتعاظم منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أي منذ صعود الحركة الإسلامية المقاومة بفصيليها، حماس والجهاد الإسلامي، والتراجع الهائل في مكانة اليسار الفلسطيني وفصائل منظمة التحرير عموما، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا التأجيل لم يكن، أيضا، استجابة لبيانات ومواقف المئات من الشخصيات الوطنية والثقافية المساهمة في الشأن العام.

على الأقل لم تكن تلك المواقف، من خارج “بيت حامل المفاتيح الفتحاوي”؛ العامل المركزي في قرار تأجيل اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، وإنما نبع القرار أساسا من عمق هذا البيت، واستجابة للخلافات الفتحاوية الحادّة، والتي عبّرت هذه المرة عن ضعف مستجد في قدرة صانع القرار الأول داخل هذا البيت على إنفاذ إرادته، وتحقيق رؤيته، كما اعتاد، ومنذ أن استقرت المفاتيح في يده.

وغالبا فإن ما استجد من أثر فعّال لمراكز النفوذ في فتح، وبما يزاحم وعلى نحو جدّي إرادة ورؤية حامل المفاتيح؛ متعلق بالظرف الآني، واحتمالاته المفتوحة على المستقبل، من حيث خلافة الرئيس في مواقعه المتعددة، وصورة شبكة المصالح الواسعة لأصحاب مراكز النفوذ في كل من فتح والسلطة الفلسطينية من بعد الرئيس، بالإضافة، وبشكل ضروري، إلى إرادة القوى الإقليمية والدولية غير المستعدة لنتائج غير محسوبة في هذه البقعة شديدة الحساسية والخطورة في هذا العالم.

إن هذه الحقيقة، أي تعلق المسألة الوطنية بالإرادة الفتحاوية، تحيل إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وطرح فيه رؤية حركته للخروج من الأزمة الفلسطينية الراهنة، الناجمة عن المآلات الكارثية لمشروع التسوية، واستحالة السلطة الفلسطينية إلى واقع يتضاد وعلى نحو مطلق مع المشروع التحرري، وافتقاد منظمة التحرير لمكانتها من جهة قيادتها للمشروع التحرري الفلسطيني، بعدما أصبحت ومن الناحية الفعلية مجرد إطار يُستدعى لشرعنة وقائع السلطة الفلسطينية وسياساتها، وبما يتعارض مع وظيفتها الأصيلة، كما يتعارض مع الحقائق الضخمة التي أفقدت أكثر فصائل منظمة التحرير وزنها ودورها وحجمها، بينما عظمت من دور وحجم ووزن حركة حماس بصفتها القوة الفلسطينية الوحيدة التي تملك وزنا شعبيا منافسا لفتح، ودورا فعليا ومستحقا في القيادة الوطنية تكرّس مع مقاومتها ثم بفوزها في آخر انتخابات تشريعية، وبعد ذلك بإدارتها لقطاع غزة من بعد الانقسام، ومساهمة كفاحية تفوقت فيها، ومن بعد انتفاضة الأقصى وحتى الآن، على كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها فتح.

وإذن فإن لرؤية حركة حماس أهمية خاصة من هذه الجهة، ولكن العقبة الوحيدة والضخمة في الوقت نفسه، التي تواجه هذه الرؤية، هي افتقار حركة حماس إلى أدوات إنفاذ رؤيتها، لسبب بسيط من جهة وضوحه، ولكنه كبير من جهة دوره، وهو احتكار حركة فتح لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية، ومن ثم للقيادة الوطنية، وإدارتها المتفردة، منذ توقيع أوسلو على الأقل وحتى هذه اللحظة، وفي ظرف إقليمي ودولي لا يمكنه احتمال مشاركة وطنية تقوم على أساس مشروع تحرري يتعارض بالضرورة مع الرؤية التي وقفت خلف اتفاق أوسلو، والوظيفة التي آلت إليها السلطة الفلسطينية.

وإلا، فإن رؤية حركة حماس التي قدمها قائدها في مؤتمره الصحفي، تقوم على مقترح مركزي، هو محل إجماع نظري، ومنبثق عن حوارات ووثائق التفاهم والمصالحة، التي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، واستمرت تؤكد على ضرورة إصلاح منظمة التحرير، على أسس عادلة تراعي وزن ودور القوى الفلسطينية المتعددة ورؤاها المختلفة، ابتداء من عقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، كقيادة مؤقتة تتكون من الأمناء العامين للفصائل، وتشرف على قيادة المنظمة إلى حين إجراء انتخابات جديدة للمجلس الوطني تحدد بها أوزان القوى الفلسطينية في أطر المنظمة المتعددة.
لم تقدم حماس مقترحا خاصا بها، ولكنها قدمت الرؤية التي يفترض أنها محل إجماع نظري بين مجمل القوى الفلسطينية التي سبق لها وأن اتفقت على تشكيل إطار قيادي مؤقت لمنظمة التحرير، بيد أن الدعوة لعقد هذا الإطار، وما يتصل بذلك من ملفات أخرى سبق الاتفاق عليها بين الفرقاء الفلسطينيين وأدرجتها حماس في رؤيتها؛ منوطة بالرئيس الفلسطيني أولا، ثم بحركة فتح التي تقود منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.

لا تحتاج الحالة الفلسطينية من الناحية النظرية لمقترحات جديدة، لكنها تحتاج فقط إلى إرادة حامل المفاتيح الفلسطينية، ولا سيما مفاتيح المنظمة والسلطة، فإذا وضعت النقاط على الحروف من حيث حجم المسؤولية عن الأزمة الفلسطينية الراهنة، فإنه لا يمكن أبدا وضع كل من فتح وحماس على حد سواء من حيث المسؤولية عن هذه الأزمة التي خلقتها في الأساس أوسلو، ثم تفرد فتح بالقرار الفلسطيني، مرورا برفض الاعتراف العملي بنتائج آخر انتخابات تشريعية، وصولا إلى الامتناع عن تنفيذ اتفاقات المصالحة، وفي مقدمتها الدعوة لعقد الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير.

ومن ثم فلا معنى للبحث في نوايا حماس، طالما أن الخطوات العملية الأولى والجوهرية ليست منوطة بها، وهي الخطوات الكفيلة بالكشف عن نوايا الجميع بعد ذلك، كما أنه لا معنى للبحث عن مسؤوليات أخرى لحماس لا تستوي وتلك المسؤوليات الأساسية والجوهرية لفتح، بهدف المساواة بينهما، وإلا فإن في هذا انحراف عن الأمانة المنوطة بكل صاحب رأي، وتنكب عن الدور الممكن والهام لأي مثقف في رقابته على الحالة السياسية الفلسطينية، دون أن يعني ذلك كله أن حماس لا تتحمل مسؤولياتها الخاصة التي لا بد من تحديدها ومحاسبتها عليها، سواء تعلقت تلك المسؤوليات بملفات المصالحة، أو بخياراتها النضالية والسياسية والإدارية التي تترك آثارها يوميا في المشهد الفلسطيني.

وأخيرا، وحين النظر إلى بقية الفرقاء والفواعل وخياراتهم السلبية، وإلى موازين القوى وموقع حماس منها، فإن هذا الجانب من التحليل يغلب على الأسباب المتعلقة بحماس ذاتيا، دون أن يعفي هذا حماس من التساؤل عن دورها الذاتي المسؤول عن انعدام قدرتها على تحقيق تحالفات وطنية في مجابهة حالة التفرد في الجهة الفلسطينية الأخرى.

ساري عرابي

sare3rabe

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة