صرخة سامية فارس ومأساة المبدع الفلسطيني …!
تاريخ النشر: 30/05/13 | 2:01كنت طالعت المقالة، التي نشرتها قبل فترة وجيزة في أحد المواقع الالكترونية الفلسطينية، الكاتبة سامية فارس، زوجة الشاعر الكبير علي الخليلي ، واختارت لها عنوان "وزارة الثقافة وقلتها " ، فتحت فيها النار، وصبت جام غضبها على وزارة الثقافة الفلسطينية ، التي لا تهتم بالأدباء وأصحاب القلم وعشاق الكلمة ومتعاطيها ، ولا تهتم بوجودهم ، ولا تقوم بدور يذكر في دعم المبدعين ، ولا تعاقب ـ كما تقول- كل وزرائها ممن أصبحوا أصحاب دكاكين للشفط واللهط بأسم الثقافة ، ومستهينين بالثقافة ودورها وبالمثقف ودوره..!
ثم تهاجم وزيرة الثقافة الحالية سهام البرغوثي ، التي تقول عنها، عاشقة الأضواء ووزارتها معتمة ، وتتساءل عن المهام التي تقوم بها غير مهمات السفر ، التي طافت بها العالم دون ان تعود بأية فائدة على الثقافة ومنتجيها في الوطن ..!!
وتتطرق الى تجاهل الوزيرة ووزارتها لزوجها الاديب المبدع علي الخليلي ، سادن الثقافة في الأرض المحتلة ، وأحد روادها ومؤسسيها واعلامها البارزين، الذي كان مديراً عاماً في وزارة الثقافة ، ولم تكلف نفسها رفع سماعة الهاتف وتطمئن على صحته ، وهو يرقد على سرير المرض جراء مرض العضال الذي يعاني منه ، ولم تقم بشراء باقة ورد بخمسين شاقلاً وتقدمها لهذا الانسان الرائع والطيب والدمث والمعطاء ، الذي خدم الثقافة ، واعطى أكثر مما أخذ ، وحمل ثقافة فاسطين على كاهله ، وقدم للحركة الادبية والثقافية الفلسطينية 47 مؤلفاً واصداراً وعملاً في مجالات مختلفة ومتعددة . اضافة الى ابتلاع الجائزة الأدبية الممنوحة له عبر اختياره شخصية العام الثقافية قبل نحو عامين ونيف ، وترفض المساهمة في اصدار المجموعة الكاملة لاعماله الشعرية الناجزة ليراها ويشرف عليها فبل ان يودع الدنيا ويرحل ..!
ان هذه المقالة التي خطها قلم ووجدان ودموع عيني كاتبة الأطفال الاديبة سامية فارس هي بمثابة صرخة ألم وغضب من اعماق الروح والقلب الجريح الباكي ، وتطرح قضية ومسألة مهمة وحقيقية يعاني منها المثقف الفلسطيني خاصة والعربي عامة ، وهي قضية تجاهل المبدع وقت المحن والشدة والصعاب ، وتختصر مأساة ومعاناة ممن ادركتهم حرفة الادب قأدركتهم مذلة الفقر والجوع والبؤس والحرمان والمرض اللعين ، واوصلتهم كبرياؤهم الى الموت السريري والاحتضار الثقافي البطيء . فحالة الكتاب والمننتجين والمثقفين الشرفاء هي حالة تعيسة وبائسة وغير مرضية ومشرفة ، ولا يحسدون عليها . فهم مشردون وتائهون ومسجونون ومضطهدون ومطاردون ، ودائماً في ضائقة مالية ونفسية ، والأنكى انهم لا يتقاضون أجراً لقاء كتاباتهم واعمالهم ونشاطهم الابداعي ، ولا يستردون ثمن الحبر والاوراق التي يكتبون عليها . وعندما يمرضون ويعتكفون ويرقدون على سرير المرض يلاقون التجاهل وعدم الاهتمام من قبل المؤسسات وووزارات الثقافة . ورحم اللـه جحظة الدبكي العباسي ، الذي قال:
ما أنصفتني يد الزمان ولا
أدركني غير حرفة الأدب
لا حفظ اللـه حيثما سلكت
امي ولا جاد الغيث قبرأبي
ما تركا درهماً أصون به
وجهي يوماً عن ذلة الطلب
أن مأساة الشاعر والاديب علي الخليلي وما يعانيه من تجاهل وعدم اكتراث واهتمام المؤسسة الثقافية الفلسطينية ليس أمراً مستهجناً ومستغرباً ، وخاصة ان وزيرة ثقافة مثل سهام البرغوثي ، التي وقفت في حفل تأبين الاديب والمفكر والناقد والمثقف الفلسطيني محمد البطراوي (أبو خالد) ووعدت بالحفاظ على مكتبته ، وصيانة بيته ، الذي شكل محجاً وماوى لكل مثقفي ومبدعي الارض المحتلة ، وملاذا للمناضلين والمقاومين والنشطاء السياسيين والمطاردين من قبل سلطات الاحتلال ، ومنه صدر البيان الاول للقوى الوطنية والسياسية والفصائلية الفلسطينية بعد الاحتلال ، وتحويله الى مركز ثقافي تقديراً لعطاءاته ودوره في المشهد الثقافي الفلسطيني واسهامه الرائد في الحياة الادبية والنقدية الفلسطينية المعاصرة وبلورة هويتنا الثقافية الجماعية ، لكن هذا الوعد لم يكن سوى ذرر رماد في العيون وذهب ادراج الرياح بعد أن قضت محكمة رام اللـه باخلاء اهل البيت منه ونقل المكتبة منه ..!
لا شك ان تجاهل وزارة الثقافة الفلسطينية لرمز ثقافي مضيء وقامة أدبية ابداعية كعلي الخليلي ، هو تعبير حقيقي عما آلت اليه الحالة الثقافية الكارثية في المناطق الفلسطينية المحتلة بعد اوسلو ، من تراجع وتعطل وشل النشاط والفعل الابداعي والحراك الثقافي والادبي ، وانحسار أدب المقاومة والمواجهة ، وغياب المجلات الادبية والثقافية والفكرية وتوقفها واحتجابها عن الساحة مثل اقواس والشعراء والكرمل والكرمل الجديد وغيرها ، عدا عن اغلاق أبواب اتحادات الكتاب والادباء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة .
اننا نتفهم دوافع وأسباب صرخة الكاتب سامية فارس ، ونقف الى جانب الشاعر المبدع علي الخليلي في محنته وازمته ، ونطالب المؤسسة الثقافية الممثلة بوزارة الثقافة رعاية المبدعين والمنتجين الفلسطينيين والاهتمام أكثر بهم ، والعمل على النهوض والارتقاء بالوضع الثقافي الراهن ، الذي يشهد نكوصاً ملموساً وواضحاً بفعل الانقسام على الساحة الفلسطينية .وفي النهاية ما لنا سوى الاستشهاد بتساؤل شاعرنا الفلسطيني الراحل محمود درويش : لماذا تركتم الحصان وحيداً ؟!.