البقاء في صفوة الخزي
تاريخ النشر: 19/10/15 | 10:06من فرط ما أعيشه من هول الصدمة المتعددة، بعدا، وموتا، وقهرا ينز من جبهتي سما زعافا، من فرط الحساسية المفرطة المشبعة بالهم والحزن، المنفلتة من الفرح الهارب في، أتأبط كل يوم مكنستي غير السحرية، متوهما أنني قد أنظفني من نجاسة الانسانية التي ألبسها قناعا كل حين إلى حين، إنسانية مقرفة، خشنة، تبطن الخزي، وتظهر العار، حتى فكرت كفرا، أن أتجرد منها وأطلب اللجوء الآمن عند حيوانات الجاحظ، أو عند ” بيدبا” في وطن ” كليلة ودمنة”، كي أتنفس هواء مشبعا حد التخمة بالراحة، أليس بالتضاد تهضم الحقوق في وطني الكبير الذي يتنكر لي كلما طالبت بحقي في الكرامة والحق والخير والحرية!!!
من يشتري مني هذا الوطن ويمنحني تذكرت العودة إلى نفسي الأمارة بالهذيان، كيف أقنع هذا القلب الذي يحب الوطن بأن لا مجال للبقاء ضمن صفوة الخزي؟.
تنفلت مني الابتسامة، ويسكنني القرح، مثلما تسكن الريح عبورا ناي “مطران خليل مطران “، غنائي نشيد عويل مبجوع بما أراه ولا أتعمد إيذاء بصري به، كِدتُ أكتبُ عن الموت الذي من فرط ما تعوَّدناه دماً مُهراقاً في الشوارع بفلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا وتونس وباقي دول العربية التي تئز مفاصل ديموقراطيتها تحت وطأت القادم، وما خفي كان أعظم.
لم نعُد نشعر بدمنا السَّاري في العروق، والذي صار سائلا آخر لا هو أحمر ولا هو بماء، ولكنه شيء مختلف قابلٌ للاحتراق بدرجة حرارة تكفل للحياة أن لا تكون عيشاً دون موت؛ أجل لم نعد نستطيع ظمأ بعيداً عن الدم المسفوح في شوارع العالم، وصرنا نأخذ كفايتنا التي تُلبي شره الإدمان، من حُقن يومية في عيادات القنوات ومواقع الأنترنيت و”الفيسيوك “وهلم عدا وجرا، التي استبدلنا أعيننا بشاشاتها لنرى أفظع..!
كدت أكتب عن الموت، ولكنني لمَّا أيقنتُ أنْ لا أحد صار يحشم من دمه الذي هام مَسْحولاً في كل واد، جرَّبتُ أن أكتب عن الفرح الذي قد يُشْعِرُنا ببعض آدميتنا التي لم نعد نعرفها ولو بلمْس الطِّين، ونحن ننظر بأعين الأسماك الباردة لشعوب أخرى تفقد آدميتها كل يوم دون أن يتحرَّك في حجرنا بَشرٌ؛ ولو قيد نأمة، نجيد التفرج والحوقلة، والشرح بالباطل، وتفسير الغامض برهو الكلام، والتعليق على القرح بصورة ” سيلفي”، والاكتفاء برميها مع تعليق سمج في سطح البركة الآسنة للمواقع الاجتماعية، لا هي تغرق ولا هي تطفو،”عوان بين ذلك”، تُراه التطور الطبيعي لزمننا ماضٍ بالإنسان إلى أن لا يبقى إنساناً، ليصبح بآصرة المعدن شقيقاً لكُلِّ ما يَمُتُّ للآلة بحديد؟؛ حقّاً لقد ظلمنا” داروين” الذي انتهى به التفكير قرداً، على الأقل حافظ للإنسان على بعض صفاته الفيزيولوجية حين شبَّههُ بهذا المخلوق..!
عذراً لم أنكث وعد الكتابة في الفرح الذي صار يحتاج من قلبنا جُهْداً مُضاعفاً من اللامبالاة والأنانية التي يغار من سوادها الأعمى حتى النرجس، لنسرق لحظة سعادة يدفع ثمنها من جيب البؤس آخرون؛ لا أعرف لماذا أعود دائماً لحزني وأنا أحاول فرحاً، لكأنَّ الكلمات تكتب أحرفها بنفسها التي ربما هي أصدق من نفسي، وكلما أردتُ في معجم الفرح رقصاً وطرباً، أخَذَتْ الكلمات بخاطري وأوهمتني أني أمشي في أسطر الكتابة على ناي، ولكنني أستشعر في ما ضَمَرَ من معنى، ألماً يَقْلِبُ الناي سيفاً..!
لماذا لم نعد نستطيع الكتابة فرحاً، ألأننا نعيشه حتى في الموت الذي صارت تُنْصبُ له الخيام زفافاً إلى العرس الأخير، وفقدنا مع شهية الحياة حاسة التفريق بين الحزن والفرح..؟!
صدقا حاولت أن أكتب فرحاً، غير أن أناملي تضامنت مع لوحة الحروف ولم ترقن ما أذعنته أمرا لا حولة له ولا قوة، وأعلنوا العصيان في انتظار عودة ” غودو”، ولكنني لم أجد لدمه في قلبي وريداً أو حتى مسام ينساب منه أمل الفرح، ولم أُبصر لورده في الشفاه ابتساماً بعد أن كَمَّمها الذبول الذي عَمَّ الوجوه في العالم.
لعلي أقفل خط الرجوع إلى الانسان الذي ينتزع مني هويتي، ويزرع في حدائق السراب أزهار ” بودلير ” مثلما أقفل خط الهاتف في وجه متصل غير مرغوب فيه، ثم أكمل مشواري بحثا عني في هاجرة في القطب الشمالي.
سعيد العفاسي
كل احترام الك يا سعيد مقاله حلوه كتير