إسرائيل نحو مزيد من “القبلية”
تاريخ النشر: 01/12/15 | 10:56لطالما انشغل خبراء الجغرافيا والديمغرافيا في إسرائيل في إحصاء وتوقع عدد اليهود في فلسطين من البحر إلى النهر، وعبروا عن قلقهم من خسارة التوازن الديمغرافي الذي يميل حاليا لصالح اليهود بحسب الإحصاءات الإسرائيلية، ويذهبون إلى إرسال تطمينات بأن “الأغلبية اليهودية مضمونة”، وأن لا خطر على المشروع الصهيوني في المدى المنظور.
لكن ما يتجاهله غالبا هؤلاء الخبراء، وتحديدا في جامعة حيفا، طرح السؤال الأهم وهو: أي أغلبية يهودية؟ علمانية أم متدينة؟ هل سيبقى المجتمع الإسرائيلي موحدا أم سيكون هناك أكثر من إسرائيل؟ ليبرالية أم فاشية؟ وما هو مصير الديمقراطية؟ وما هو مصير “جيش الشعب”؟ وما هو مصير الاقتصاد في ظل ارتفاع نسب الولادة لدى اليهود المتدينين؟
الإجابة على السؤال تناولها رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن، في مقالة نشرها يوم العاشر من أيلول/ سبتمبر الماضي في ملحق الصحيفة الاقتصادي (ذي ماركير)، ويذهب فيه إلى حد الجزم بأنه بعد أربع سنوات لن تكون إسرائيل العلمانية الديمقراطية الغربية على ما هي عليه اليوم، بل إنها تتجه أكثر إلى مجتمع “القبائل” أو الأقليات، وهي حسب قاموسه: اليهود الحرديديم (المتزمتين) والمتدينين القوميين (التيار الصهيوني المتدين الاستيطاني) والعرب الفلسطينيين داخل إسرائيل.
ولتأكيد هذا الادعاء، يلفت بن إلى معطيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية والتي تقول إنه بعد أربع سنوات ستتراجع نسبة طلاب الصفوف الأولى الابتدائية في المدارس الرسمية العلمانية (التيار الذي أسس إسرائيل والتيار المهيمن حتى اليوم) إلى ٣٧.٢ في المئة، في حين كانت نسبتهم قبل “سنوات جيل واحد” فقط تصل إلى ٦٠ في المئة. ما يعني أن ثلثي الطلاب في الشريحة المذكورة سيكونون من طلاب جهاز الطلاب التابع للحريديم (المتدينون المتزمتون) وجهاز التعليم العربي، وجهاز التعليم التابع للمتدينين القوميين (التيار الاستيطاني) أو ما يعرف بالصهوينية المتدينية.
ويكتب بن بدافع القلق على مصير إسرائيل ليست كدولة يهودية وإنما كدولة غربية حديثة علمانية ليبرالية أما ما يصطلح على تسميته “دولة تل أبيب”. ويؤكد بن أن تفكك أو تآكل هذه النواة المركزية الصلبة التي أسست المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين هو أهم من كل القضايا الاقتصادية التي يجري الحديث عنها في الإعلام مثل صفقة استخراج الغاز في البحر، وحتى أهم من الصفقة الغربية مع إيران. ويكتب أن هذه “القبائل” لن تختلط في ما بينها وتفضل تجاهل بعضها الآخر، وأن تعيش بعزلة عن الآخرين، بمعنى أن “الهوية الإسرائيلية” لن تبقى موحدة.
وتؤكد معطيات إحصائية أخرى أن نسبة الولادة والزواج لدى العرب واليهود الحريديم والمتدينين القوميين أعلى من معدلها في أوساط اليهود العلمانيين، في موازاة تراجع الهجرة من الدول الأوروبية وأميركا وارتفاع في نسبة العلمانيين الذين يهاجرون للغرب بهدف الدراسة أو العمل لسنوات طويلة.
ومما لا شك فيه أن هذه التغيرات الديمغرافية تضع إسرائيل أمام تحديات جدية، خصوصا وأن نصف طلاب الصفوف الأولى، أي العرب والحريديم، لا يتماثلون مع الرموز الصهيونية للدولة، ولا يرددون النشيد الوطني الصهيوني (هتكفا)، كما أن تعريف إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية مرفوض لدى المواطنين العرب والحريديم أيضا، الذين سيشكلون نصف الصفوف الابتدائية الأولى بعد فترة قصيرة.
وهنا يجب الالتفات إلى تصريحات الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، بهذا الشأن والذي حذر من مجتمع “قبائل” مشرذم يهدد الدولة اليهودية. وإزاء هذه الاحتمالات الواقعية يقترح ريفلين ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ أي الضفة الغربية ومنح سكانها المواطنة.
وبحسب خبراء في الديمغرافيا وعلم الاجتماع فإن هذه التغيرات ستنعكس على الجيش الإسرائيلي، بحيث يرفض العرب والحريديم الخدمة فيه، ما يعني تحوله إلى جيش صغير ومهني أكثر، أي لن يبقى “جيش الشعب” كما هو اليوم بنظر الإسرائيليين، إلى درجة قد يتحول فيها هو الآخر إلى “قبيلة” رابعة أو خامسة في إسرائيل أو قطاعا اجتماعيا يحارب على حقوقه ومصالحه الاقتصادية، خصوصا وأن العرب والحريديم هم من الشرائح الاقتصادية الضعيفة والفقيرة والذين يتوقع أن “يثقلوا كاهل” الدولة الاجتماعي والاقتصادي.
لكن ما يهمنا في هذا الصدد، هو الأثر السياسي لهذه التحولات، فعلى ما يبدو فإن المجتمع الإسرائيلي يتجه إلى مزيد من التطرف اليميني وتحديدا إلى اليمين “الخلاصي” ومزيد من المواقف الفاشية المعادية لكل ما هو عربي. ولا بأس من التذكير ههنا إلى أن نسبة الضباط في الجيش في المستويات المتوسطة والعليا، والذين يحسبون على التيار الصهيوني المتدين، في ارتفاع لافت، وهم يحملون مواقف “خلاصية” معادية للعرب، ولا بأس في استحضار ما نشرته الصحافة العبرية خلال العدوان الأخير على غزة حيث قال أحد الضباط لجنوده قبل الدخول إلى أرض المعركة إن حربهم دينية.
هناك من يسمي ذلك إسرائيل الثالثة، وهي يمينية متدينة وعصبية، ديمقراطية أقل ويهودية أكثر، وهذا التحول ليس تنجيميا في الغيب، بل أن بوادره حاضرة في راهننا، فحكومة نتنياهو الحالية هي حكومة يمين متطرف، سياسيا ودينيا، ركيزتها قائمة “البيت اليهودي” التي تحسب على اليمين الاستيطاني المتدين.
ليس من الواضح إن كانت ستبقى إسرائيل الملاذ الآمن لليهود، كل اليهود.
رامي منصور