في سوبرماركت الخليج
تاريخ النشر: 07/12/15 | 10:28قُدتُ سيّارتي إلى منطقة الخليج. أعني خليج عكّا الذي صار اسمه بعد النّكبة خليج حيفا. هذه الدّولة غيّرت وبدّلت أسماء عديدة كي تقنع العالم بحلمها وربّما لتقنع نفسها.
كانت قائمة المشتريات التي أعدّتها زوجتي تحتوي على أسماء الخضراوات والفواكه والشّاي والنّسكفيه والحليب الخالي من الدّسم وموادّ التّنظيف. ويبدو أنّها بذلت جهدا في إعدادها كي لا تنسى حاجة. والخضريّ في حارتنا رفع سعر البندورة حتّى صارت لأصحاب السّيّارات الفارهة بينما بقي سعرها في سوبرماركت الخليج مقبولا.
أقنعتني وزيرة الاقتصاد بأنّ ما نوّفره من ثمن البندورة يعادل ما تصرفه السّيّارة من وقود والباقي ربح خالص. وفي سوبرماركت الخليج الأسعار رخيصة كما يعلنون في الإذاعة والقناة الثانيّة. وأنا لا أصدّق التّجار فالملسوع يخاف من جرّ الحبل. تردّدت عندما ناولتني القائمة فالسّفر إلى المدينة في هذه الأيّام خطير، بعدما طفا الحقد وعمّت الكراهيّة.وشنّ رئيس الحكومة حملة تحريض على العرب،وتبارت جوقته في التّصريحات النّاريّة. وما حدث في بئر السّبع وفي كريات جت وفي كريات اتا وفي بيسان يقول الكثير. والعربيّ متّهم حتّى تثبت براءته ولن تثبت في حياته. والعربيّ إرهابيّ ومخرّب ويقول بفم ملآن “الله أكبر”.. ويحمل براحته سّكينا أو مفكّا أو مقصّا. وزوجتي تسألني”ما بكَ؟ ” وأنا أعرف ابتسامتها السّاخرة ” وهل ضروريّ أن أسافر في هذه الأوقات”.”منذ متى صرت تخاف يا بطل؟ شاهدتهم خمسة رجال وشرطيّين ومجنّدة يركضون هلعين أمام بنت تحمل مقصّا”. “هل ترغبين بأن تتخلّصي منّي كما تخلّصوا منها؟” توكّلت على الله تعالى وقدتُ سيّارتي. لا يذكر الإنسان الله إلا في الضّيق. وأنا ولدت وعشت في الضّيق. فقد ولدت في الحرب العالميّة الثّانية ودخلت المدرسة الابتدائيّة في عام النّكبة ودخلت الثّانويّة في سنة العدوان الثّلاثيّ وتزوّجت عام النّكبة ووُلد بكري يوم وفاة عبد النّاصر ووُلدت ابنتي يوم مجزرة صبرا وشاتيلا. يلعن دين هالعيشة!!.
عند الحاجز أمرني الشّرطيّ ذو الوجه المتجهّم أن أقف جانبا. هات رخصة السّيارة والتّأمين. ناولته.هات الهويّة. الهويّة في جزداني في جيب بنطولني الخلفيّ ولا أستطيع أن أخرج الجزدان إلا إذا ترجّلت من السّيّارة وعندئذ يظنّ الشرطيّ وزملاؤه بأنّني أنوي ارتكاب عمل ما.. عربيّ مخرّب حاول طعن شرطيّ.. وحيّدناه. ” هل تسمح لي بأن أترجّل لأخرج الهويّة من جيبي؟ “وثلاثة عساكر يستعدّون…. وقد يطلقون الرّصاص.. ويضعون سكّينًا بجواري. إلى أين أنت مسافر؟ هل معك سلاح؟ هل معك سكّين ؟ افتح صندوق السّيّارة!”
ومرّت على خير والحمدلله.
وجررت العربة في السّوبر وباشرت باختيار الحاجات كما تنصّ القائمة. وأنا قلق وحذر، فالكلّ يحدّق بي. ووجهي يشي بأنّني عربيّ. وربّما أنا واهم. فالجميع يبحثون عن البضائع. وفجاّة رنّ الهاتف الجوّال في جيبي.
هل نسيت فاطمة أن تكتب حاجة في القائمة ؟. همست: “ماذا تردين؟ لا تفضحيني! أنا في داخل السّوبر.”
وصرخت امرأة: هل فتّشتم هذا العربيّ؟ لعلّه يحمل سكّينا. شاهدته يدخل راحته في جيبه. أنا لا أثق بالعرب. العربيّ الجيّد هو العربيّ الميّت.
يا شرطيّ.. يا شرطيّ.
وأمّا أنا فقد بحثت عن الباب.. يا رب استر! هيك بدّك يا فاطمة!!؟ يلعن أبو البندورة واللي بوكلها!.
محمد علي طه