فن تحت ظلال زيتونة الشعر احتفاء بالشاعر الكبير سميح القاسم
تاريخ النشر: 26/07/13 | 13:55فن تحت ظلال زيتونة الشعر
الشاعر الكبير سميح القاسم يحتفي بشجرة الرامة
" قطع الأوباش رأسك
يا معري
وداست خيلهم بالحقد رمسك
وغدي يشبه أمسك
سطوة الأوباش تشتد
وصوت الحق والحكمة أمسك
وكما تعلم قدسي
يا أخي يشبه قدسك
قطعوا راسك جهلا
وجنونا
يا معري تمسك
غدهم يشبه أمسك
فتنسك يا معري
تنسك
أيها المبصر من شأو البصيرة
يا حبيب الله والدنيا
المنيرة
افترش ما شئت
سجاد الحصيرة
وتنسك
يا ابا الحكمة والحق تنسك وتمسك
يا معري تمسك وتنسك
سيعيد الحق عرسك
ويعيش الخلق عرسك ".
بهذه القصيدة الجميلة التي تمتاح من المحيط المعيش لما يمور حولنا، ومعنا، احتفى الشاعر الكبير سميح القاسم بالحضور المتنوع من المبدعين والفنانين في مجالات الشعر ، التشكيل ، الرواية ، المسرح ، القصة ، النحت ، الرسم ، الموسيقى ، التصوير.. والذين حجوا يومي 19 و20 تموز 2013 إلى قرية الرامة الجليلية، سليلة جبل حيدر، كل يبغي تحية شاعر الأبجدية، بما يملك من أساليب التعبير، قصد توثيق هذه اللحظات الهاربة من الزمن، وتخليد ذكرى مرورنا من هنا، مضاءة أمكنتنا بمشكاة الشعر، ومعفرة تربتنا بمسك المحبة وجمالية الفنون.
غير أن الشاعر سميح القاسم فاجأنا وهو يشنف أسماعنا بنبضه الشفيف، الذي يتابع ما يحدث في الكون، لكي ينبهنا بلغته الشعرية الوامقة، وهي تنبش في جغرافيتنا ما يحدث حولنا من تحولات، بسبب الجاهلية القديمة والجديدة والمستمرة، التي تحاول أن تقبر فينا الفن ورسالة السلم والمحبة، ففي اللحظة التي كنا نفكر في ترصيف حروفنا و كلامنا، لكي نعبر عن احتفالنا بزيتونة الشعر، عربون وفاء ومحبة لما قدمه الشاعر خارج أرض الوطن وفي كل بقاع العالم، كان صوته يصدح عاليا بالحرية والخير والجماليات الشعرية. كان سميح القاسم يفكر في رسالته التي إنوجد من أجلها، وخاطب صاحب معرة النعمان فينا، استحضر رمزية أبو العلاء المعري، لكي يدعونا للتمسك برحاب الإنسانية ، والتنسك في محراب الفن، والعودة للنبل المعتق من أجل إنسانية أكثر اعترافا بالتنوع الثقافي والتسامح.
غير أن شجر الرامة، كانت تقف تباعا في موكب روحي لكي تنحني لشاعرنا الكبير سميح القاسم، وهي تضيء بزيتها طريقنا ومكاننا المطل على جبل حيدر، وكأنها تحس به لأول وهلة، "إحساس عاشق بعودة معشوقته"، حيث تلعثم الكلام ، واختلجت المشاعر، لتقول له بلغة كونية : أخيرا أنت بيننا لكي نحتفي بسفيرنا، ونعيد للنبع طراوته، وللشجر ظله، وللمكان هيبته، وللشعر زيتونه، نحبك.
ثلة من الصحبة الصادقة جاؤوا بدعوة من جمعية ميس للثقافة العقلانية و جمعية عنات للثقافة والفنون، أو رغبة في الارتواء من حياض شاعر الألفية الثالثة، وهي رغبة عارمة اجتاحتنا ونحن نعبر المكان في اتجاه لقاء عريس الرامة، لكي نعيش لحظات صادقة ومباشرة، بعيدا عن المنابر ، قريبا من سميح القاسم الإنسان، الذي ضاع عطره الانساني والشعري، بعفوية عميقة، وبخلجات مشغوفة بصاحب القامة المنتصبة.
في حضرة سميح القاسم والحضور الأفاضل والفضليات، تجلت حقيقة المحبة، وفاضت المشاعر ، شعرا ورسما وغناء وكلمات ستظل منقوشة في حجر أرض الرامة، وشاهدة على مرورنا ووقوفنا هنا ، مشاعرا وفنا ووجدانا.
عن هذا اللقاء يقول الشاعر ابراهيم مالك نيابة عنا :" كم أسعدني يوما الرامة. حقيقة عرفت سميح في سنوات الشباب المتفتح على الحياة قبل قرابة خمسين عاما ، وفي هذين اليومين ، تأملته بصمت ، اكتشفت أكثر من تلك السنوات الخمسين جوهر وبساطة سميح ، كنتُ أصغي له وهو يتكلَّمُ تأكدتُ أنه كنزٌ معرفي واسع للثقافة الإنسانية، ولمست في القعدة معه ومع أصدقاءٍ كثيرين أنه مدرسة بساطة حياتية ، غنية ومتواضعة . وكم ثَمَّنيْتُ في صمتي الناطق تواجُده بيننا ومعنا، ليس سِرًّا أنَّ سميح يعيشُ حاليا وضعا صِحِّيًا صعبا ومُعقدا، لكنه غالب هذا الوضع، ويقاومه بحنكة تجربة وإصرار عاشق حياة، ينتصر عليه ويأتي ليجلس بصحبة من جاؤوا من أماكن مُختلفة ليشاركوه فرح الحياة، يعبرون عن حبهم وتقديرهم له، فكان سميح في نظرهم أحد أبرز حملة مشاعل الحياة في زمن اشتدَّتْ فيه عتمة ليل، ألمَّ بنا وراح يطول".
لكل القناديل الفنية التي اضاءت لحظاتنا الشعرية والوجدانية، وجعلتنا نعيش رغم سطوة الأوباش، تلك الإشراقات الإنسانية المشفوعة بصوت الحق والحكمة، نقول لهم شكرا لكم لأنكم ضيفتمونا في فن تحت ظلال زيتونة الشعر جنب شاعر الشعر.
سعيد العفاسي
فنان وناقد تشكيلي
كتب في هذا السياق:في هذا المَساء