لم تترك لنا مجال سوى المواجهة..
تاريخ النشر: 02/06/11 | 11:07النقب هو نصف الوطن، وفي النقب يوجد الاحتياطي الأكبر من الأراضي العربية، بعد أن صادرت إسرائيل أكثر من 80% من أراضينا في الجليل والمثلث، حيث أصبحت قرانا ومدننا تعيش حالة خنق وحصار بسبب المصادرة وسياسات التخطيط المعادية للوجود العربي والمستندة إلى اعتباره حجر عثرة أمام مشاريع الاستيطان و السيطرة على المكان. في النكبة استولت إسرائيل على الأراضي بالحرب وبقوة السلاح والرصاص. الحرب على الأرض لم تتوقف، فقد واصلتها الدولة العبرية لاحتلال ما تبقى منها عند من تبقى من فلسطينيين في ديارهم، من خلال سلاح ما يسمى بالقانون وليس بالمدفع والرشاش. إسرائيل هي مدرسة في مصادرة الأرض، وهناك حوالي 30 قانون مصادرة للأرض، كتبت كلها بلغة حيادية ولا ذكر فيها لعرب أو ليهود. لكن على أرض الواقع طبقت هذه القوانين باتجاه واحد: الأرض تصادر من العرب وتنقل لليهود. بعدها تدعي إسرائيل أنها ديمقراطية وأن قوانينها تسن في برلمان منتخب ومن خلال إجراءات “ديمقراطية” لا تختلف في شكلها عن تلك المتبعة في الدول الأوروبية. عبر هذه القوانين يمكن للدولة أن تصادر أي أرض، إذ تعددت الأسباب والمصادرة واحدة. وبالفعل صودرت معظم أراضينا استناداً إلى قوانين، وكم من جريمة ترتكب باسم القانون. في العام الماضي فقط، سنت الكنيست أربعة قوانين للاستيلاء على الأراضي العربية ولإحكام السيطرة على ما صودر من أرض. “قانون إصلاح دائرة أراض إسرائيل” يتيح للدولة بيع أملاك اللاجئين وأراضينا المصادرة لجهات خاصة، مما يغلق الباب على إمكانية المطالبة بها لاحقاً، وقانون “لجان القبول” يمنع سكن العرب في القرى الصغيرة التي تسيطر على ما يقارب 70% من الأراضي في البلاد، وقانون “استعادة الأراضي” يشمل بنودا تحرم العرب من إمكانية استعادة أرضهم المصادرة حتى لو لم تستغل للغرض الذي صودرت من أجله، وقانون “مستوطنات الأفراد” يمنح الشرعية القانونية لأكثر من 50 مستوطنة في النقب يسكنها فرد واحد ويفتح الباب لمستوطنات مماثلة جديدة وذلك بهدف ما يمسى بـ”حماية الأرض من غزو العرب البدو”. إسرائيل تتعامل مع قضية الأرض على أساس أن الحرب عليها مستمرة حتى في مواجهة من هم مواطنون في الدولة، يفترض احترام حقهم في الملكية كما ينص حتى القانون الأساس الإسرائيلي، الذي له مكانة دستورية. لقد استولت إسرائيل على ملايين الدونمات من الأراضي العربية الفلسطينية في منطقة النقب، معظمها أملاك لاجئين، وبعضها أراض مصادرة ممن هم مواطنون في عرف الدولة. ومع ذلك بقي لأهلنا في النقب أكثر من مليون دونم، وتجري طيلة الوقت محاولات متكررة لانتزاع أوسع مساحة منها بتبريرات لا أول لها ولا آخر. اليوم، وبعد عقود من حرب الاستنزاف في الصراع على الأرض في منطقة النقب، قررت الدولة العبرية حسم الموضوع نهائياً من خلال مشروع شامل يفترض أن تقره الحكومة الإسرائيلية قريباً. يهدف المشروع إلى ترحيل عشرات الآلاف من الناس من بيوتهم في القرى المسماة “غير معترف بها”، وإسكانهم في بلدات جديدة تقام خصيصاً لتجميعهم، والغاية في البداية والنهاية هي الاستيلاء على الأراضي بعد تهجير أهلها عنها. وينص المشروع على وضع أهلنا في النقب أمام خيار إما القبول بالتعويض بالمال وبمساحات صغيرة من الأرض، أو خسارة كل شيء عبر محاكم سريعة مزودة بقوانين المصادرة المعروفة والجديدة. لم يشاور أحد أهلنا في النقب وقيادة الجماهير العربية في موضوع ما يسمى بحل قضية أراضي النقب. لقد عبرنا في الماضي عن استعدادنا للحل عبر التفاوض واستناداً الى حق الملكية المتعارف عليه في النقب منذ مئات السنين، ولكن إسرائيل لم تطلب رأينا ورأي أهلنا في النقب بعين الاعتبار، وقررت حسم الموضوع من طرف واحد، ولم تترك لنا مجال سوى المواجهة والتصدي لهذا المخطط. من أساليب تسويق هذا المخطط الادعاء بأنها سخي زيادة عن اللزوم في منح الأرض للعرب، ولكن هذه لعبة لا تنطلي علينا. نحن كشعب وكقوى وطنية نعارض هذا المخطط، وليس أمامنا سوى النضال ضده لإفشاله. نحن قادرون على ذلك بوحدتنا وبموقفنا الحازم وبنضالنا العنيد والمسؤول في نفس الوقت.
بقلم د. جمال زحالقة